كان سؤال الدكتور الهلالى الشربينى وزير التعليم لإحدى المعلمات قبل أيام- وهو يزور مدرسة من مدارسنا - كالتالى: هل صحيح عندك طلاب «ما بيعرفوش يقرأوا». وكان السؤال كاشفا إلى أبعد الحدود. نعم يا معالى الوزير.. عندى طلاب لا يعرفون القراءة والكتابة رغم انتظامهم فى العملية التعليمية لسنوات. هذا ما ردت به المعلمة على الوزير.. ولا نشك فى أن الوزير قد تألم غاية الألم.. وأن مسحة من الحزن قد اعترته.. إذ كيف بعد كل تلك الجهود يظل عندنا عيال لا يقرأون ولا يكتبون؟ .. وقبلها بأيام روت معلمة بمدرسة إعدادية فى وسط القاهرة أن العديد من طلابها، فى الصفين الأول والثانى الإعدادى، لا يستطيعون القراءة، من ثم فهى تضطر لكتابة المادة على السبورة، ثم تفاجأ بأنهم غير قادرين على نقلها فى كراساتهم. طبعا.. فكيف يستطيع أن يكتب من لا يستطيع أن يقرأ؟ تصورت أنها تبالغ، إلى أن قرأت سؤال معالى الوزير:«صحيح عندك عيال ما بيعرفوش يقرأوا؟» ربما يستقبل البعض منا تلك الحكاية بعدم اهتمام.. وربما يهز أحدهم رأسه بلا مبالاة قائلا: وما الجديد والأمر معروف لنا جميعا منذ سنوات؟ إلا أنه- وبقليل من التفكير- سنكتشف أننا فى كارثة. طيب إذا كنا نتحدث عن مدارس فى القاهرة( العاصمة) هذا حالها.. فما بالك بمدارس الصعيد والأرياف؟ حتما سوف ترتفع بها بشكل فاحش نسب العيال الذين لا يقرأون ولا يكتبون.. فكيف ستبنى بلدا من أول وجديد وناس هذا البلد لا يقرأون ولا يكتبون؟ وقد يسأل واحد منا- تملكته روح التهكم فأراد أن يهزل: ولماذا تريدهم يقرأون ويكتبون.. وما فائدة قراءتهم وكتابتهم أصلا؟ وهل كان أجدادهم الأولون يقرأون ويكتبون؟ يا سيدى.. دعهم يعيشوا عيشة أهلهم! وتلك هى الطامة الكبرى. يا سادة.. دون قراءة وكتابة فنحن بمنتهى البساطة خارج التاريخ. الدنيا كلها ترمح رمحا نحو تطوير أنظمة تعليمها بينما أنت مازلت لا تقرأ ولا تكتب.. فماذا تتوقع؟ إن الذى لا يقرأ ولا يكتب لن ينتج.. وسيصبح عالة على مجتمعه، بل- وهذا هو الخطر الأعظم- لن ينتمى، ومن ثم يصبح لقمة سائغة سهلة المضغ لكل متآمر وإرهابى يريد تخريب البلد.. وكم ذا حولك من متآمرين. وليس ذلك فحسب، بل إن من المعروف أننا فى طريقنا إلى أيام صعبة من لا ينتج فيها طعامه لن يأكل.. يعنى سوف يكون لديك جيش جرار من الأميين الجاهلين الجياع.. فمن ذا سيدفع ثمن طعامهم؟ دعم الحكومة؟ سلم لى على عجز الموازنة! ووسط كل هذه المعمعة نسمع من يتحدث عن تطوير المناهج. أى مناهج يا با الحاج؟ كيف تحدثنى عن كيمياء، وفيزياء، وبايولوجى، وماث، ولغات .. وأنت أساسا لا تفك الخط فى لغتك الأم؟ قد تجادل فتقول إن أعداد هؤلاء الجاهلين بالقراءة والكتابة محدود.. لا يا عم.. ليس محدودا.. وإن شئت فقم حضرتك بزيارة لمدارس القرى والنجوع البعيدة.. واطلب منهم هناك أن يكتبوا على السبورة أسماءهم وأسماء آبائهم.. وتعال قابلنى! يا سادة.. نحن فى ورطة.. وينبغى التحرك بسرعة.. فلا معنى للحديث عن مشروعات قومية كبرى، أو عن خطة طريق للمستقبل، أو عن تحديث للخطاب الدينى، أو عن بناء لقاعدة صناعية محترمة تعيد بها البلد إلى الإنتاج والابتعاد عن دوامة الاستيراد اللعينة، أو عن جذب للاستثمارات .. دون تعليم حقيقى. ومن أين نبدأ إذن؟ صدق أو لا تصدق.. من مدارس الفلاحين. يجب توجيه إنفاقنا الحكومى، من الآن فصاعدا، نحو مشروع قومى واحد؛ هو النهوض بالمدارس الابتدائية فى عموم القطر المصرى الحبيب. لن تنفعك الطرقات المسفلتة الناعمة كالحرير، ولا الكبارى الرائعة التى لا تنهار مع أى هبة ريح، ولا المصانع، ما لم تبدأ ببناء المدارس، وإعداد المعلمين. .. فلنحول كل خريجينا (الذين ضجت من تسكعهم المقاهى وقارعات الطرق) إلى مدرسين ابتدائى. نريد أن نصحو من النوم فنجد بين أيدينا خطة شاملة لتحديث التعليم الابتدائى.. ولتؤجلوا إلى حين كل خطط البناء الشاهق، والمدن الفسيحة، وشبكات الطرق المتقاطعة. وهل نقول لكم اتخذوا من اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة، وبلاد كانت تركب الأفيال، القدوة الحسنة؟ إن مدرس الابتدائى فى اليابان يحصل على أكبر راتب فى الدولة.. فمالكم لا تتعلمون؟ إن الذى يقرأ ويكتب هو القادر على إيجاد حلول المشكلات دون انتظار للآخرين يرسمونها له، وهو الذى سوف ينفذ لكم خطط التنمية، ويدافع عن حياض الوطن بوعيه وعلمه وإرادته الحرة. لا نريد فى القريب العاجل أن يزور وزير التعليم مدارسنا فلا يجد بها من لا يقرأون ولا يكتبون.. عيب! لمزيد من مقالات سمير الشحات