نشأت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ 55 عاما لتكون كلية نموذجية أسوة بكلية لندن للعلوم الاقتصادية، وكان جيل الرواد من أساتذتنا الأفاضل قد حصلوا منها على الدكتوراه فى تخصصى الحقوق والتجارة بالأساس، ثم عادوا إلى أوطانهم ونقلوا التجربة المتميزة والفريدة إلى كليتهم، فتخرجت على أيديهم أجيال من ذوى القامات الرفيعة فى مختلف المجالات، وارتبطت أسماء دبلوماسيين لامعين ووزراء مرموقين وإعلاميين رفيعى المستوى و أعلام فى مجال البنوك والمصارف والإدارة وخبراء فى كبريات المؤسسات الدولية باسم هذه الكلية المتفردة «االاقتصاد والعلوم السياسية» .هكذا أصبحت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية نموذجا متميزا للمؤسسات التعليمية، بل لا نبالغ إن قلنا إنه فى ظل التدهور الذى تشهده العملية التعليمية بشكل عام، احتفظت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بمكانتها الرفيعة. ويمكن إرجاع هذا الوضع الخاص للكلية إلى عاملين اثنين على قدر كبير من الأهمية، أولهمات، تميز أعضاء هيئة التدريس الذين حصلوا على أعلى مستوى من التعليم كما سبق القول، ثم قاموا بنقل خبراتهم الدراسية إلى طلابهم، وثانيهما، قلة أعداد الملتحقين بالكلية مما أتاح قدرا عاليا من التفاعل بين الأساتذة والطلاب، وأفسح مجالا للمناقشة المثمرة، وهيأ إشرافا ومتابعة دءوبين للأنشطة الطلابية المتعددة ومن قبيلها نماذج محاكاة المنظمات الإقليمية والدولية (جامعة الدول العربية، الأممالمتحدة، الاتحاد الأوروبي..الخ). على صعيد آخر، أنتجت الكلية خلال مسيرة عطائها الممتد عشرات البحوث والدراسات توالكتب الموجهة لخدمة السياسة العامة للدولة وسياستها الخارجية بفضل لا ينكر لمراكزها البحثية ومراكز تفكيرها المحترمة ، كماأسهمت بدور مؤثر فى تقديم المشورة لدوائر صنع القرار، وقامت بتدريب الكوادر الشبابية على طائفة واسعة من المهارات ، وشاركت تفى تطوير المقررات الدراسية للتعليم ما قبل الجامعى ، وعملت على تنمية الوعى المجتمعى ونشر ثقافة التنوير. وكان دافعها الوحيد لممارسة هذا الدور المتشعب هو الحفاظ على الأمن القومى المصرى وإعلاء مصلحة الوطن دون التفات لأى اعتبارات حزبية أو سياسية أو مذهبية أو فئوية. من جهة ثالثة، شهدت الكلية على مدى السنوات القليلة الماضية تطورات مهمة تجلت ملامحها فيما يلى :الاتجاه نحو التعاون مع كبريات الجامعات الدولية عبر منح الشهادات المزدوجة والتعاون الطلابى وتبادل أعضاء هيئة التدريس،واستحداث ماجستير مهنى عن المرأة والتنمية بالتنسيق مع جامعة ساسكس البريطانية، وهو الماجستير الأول من نوعه بين مختلف الكليات المصرية.وفى مجال تطوير القدرات الطلابية لتلبية احتياجات سوق العمل استحدثت الكلية عددا من الوحدات الخدمية تمثل: وحدة اتنمية المهارات وريادية الأعمالب، ووحدة االدعم الطلابيب، ووحدة دعم المشاريع والأفكار والابتكارات والتى يجرى التجهيز لها حاليا. كما أن من الأفكار الرائدة للكلية إطلاقها قبل أسابيع أول مبادرة لإعداد شباب الباحثين المساعدين لنواب البرلمان.وسوف يتم تسليط الضوء على هذا العطاء الممتد للكلية فى الاحتفال بتكريم خريجى أول عشر دفعات ( الدفعات الذهبية من 1963حتى 1974) والمقرر إقامته يوم 19 أبريل 2016، ليصير ذلك تقليدا سنويا يجدد ذاكرة الكلية مع تكريم الدفعات المتتالية. لكن مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، اتجهت وزارة التعليم العالى إلى زيادة أعداد الملتحقين بالكلية إلى تألف وثمانمائة طالب وطالبة بما يزيد على ثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية للكلية؛ ولم يكن معلوما على وجه الدقة الهدف من وراء هذه الزيادة الضخمة، إلا أن استمرارها كان ينذر بآثار كارثية على الخدمة المتميزة التى تقدمها الكلية لطلابها. ومن موقعى على رأس الجهاز الإدارى للكلية بادرت بالاتصال بالسادة المسئولين لشرح خطورة الموقف، وللأمانة صادف تدخلى قبولهم لتعود سياسة الأعداد الصغيرة مجدداحاكمة لقواعد القبول بالكلية. وفى مقابل ذلك، أخذت الدولة فى التوسع فى إنشاء كليات جديدة فى تخصصات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، وذلك فى محافظات مختلفة مثل بنى سويف والإسكندرية والسويس، وللمرة الثانية سعت جاهدة لدى الأساتذة الأفاضل أعضاء اللجنة المناط بها اتخاذ قرارات إنشاء كليات جديدة لتوضيح ضرورة التنوع والتميز وليس النمطية والتكرار,حيث تستهل الجامعات تكرار إنشاء كليات موجودة فعليا، دون عناء البحث عن التخصصات والكليات الجديدة، فى الوقت الذى تحتاج فيه السوق إلى مزيد من الكليات فى التخصصات الأخرى مثل المالية واللوجستية والاستثمارية والعمرانية والتى تحتاج إليها سوق العمل , لكن هذه المرة دون جدوي, حيث يساعد على ذلك عدم الحرص على أن يكون فى كل جامعة مصرية مايميزها عن الأخري. إن نجاح أى مؤسسة تعليمية يتوقف بقدر كبير على كفاءة أعضاء هيئة التدريس بها، وليس على مجرد القدرة على توفير الأماكن والأبنية التعليمية (علما بأن هذا العنصر نفسه بات يعانى ضغطا شديدا عليه). لذا جاء دفاعى عن فرادة كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ونجاحها وتميزها كما هى فريدة كلية لندنLondon School of Economics، وكما أن كلية هارفارد لدراسة الحقوق ومدرسة ENA بفرنسا أيضا فريدتان.دفعنى لكتابة هذا المقال حرصى على زملائى وزميلاتى وأساتذتى الأفاضل وطلابي، وبالقدر نفسه حرصى على المصلحةالعامة للمجتمع ككل. وإذا كانت مساندة كليتنا لإنشاء التخصصات فى الاقتصاد والإدارة والعلوم السياسية تعد واجبا أساسيا، إلا أن تلك المساندة تبقى مشروطة بالتنافس الإيجابى من جانب، وبالتكامل الصحى لمصلحة العملية التعليمية من جانب آخر ، وغاية المراد وقصد السبيل إعداد الأجيال الشابة إعدادا سويا يلبى احتياجات المجتمع ويتجاوب مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية أخذا وعطاء. عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لمزيد من مقالات د.هالة السعيد