في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل اللجنة التأسيسية ووضع الدستور يبقي إعلاء شعار المواطنة هي الحل هو بوصلة التقدم صوب بناء نظام جديد; إن أردنا تحقيق ما تتطلع اليه وتستحقه وتستطيعه الأمة المصرية العريقة. أقصد الحرية والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية والوطنية والتقدم الشامل وأمن المواطن والوطن وغيرها من حقوق المواطنة, التي قاد هدرها الي ثورة25 يناير. ودفاعا عن ز س تهميش وإنتقاص, أذكر بضرورة التعلم الإيجابي من عبرة قصة أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! وتقول القصة بايجاز أن ثلاثة من الثيران; أبيض وأحمر وأسود, كانوا يعيشون آمنين في غابة, ويواجهون تهديد أسد الغابة بقوة باتحادهم. فذهب الأسد يوما إلي الثورين الأسود والأحمر, وقال لهما: إن الثور الأبيض يلفت انتباه وحوش الغابة إليكم, فدعوني أجهز عليه حتي تعيشا في سلام; فوافقاه علي جريمته!! وبعد فترة همس الأسد إلي الثور الأسود: اني أعتزم افتراس الثور الأحمر, وسأتركك تنعم بالمرعي وحدك, فاقره الثور الأسود علي تكرار جريمته!! وحين لم يبق إلا الثور الأسود, صارحه الأسد: لقد جاء الدور عليك لالتهامك.. فاستسلم الثور الأسود قائلا يوم لا ينفع الندم: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! وفي تقديري أن القوي الثلاث الأساسية, التي شاركت برؤي متباينة في ثورة25 يناير, لم تتعلم من حكمة هذا الدرس في إدارة تناقضاتها الموضوعية والذاتية, التي ظهرت في الفترة الأولي من مرحلة الإنتقال!! فقد تبادل المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها أدوار الأسد والثورين الأحمر والأسود, فعليا, ويمكن للقوي الثورية والمدنية, ولو نظريا أن تلعب دور الأسد, حتي وإن بدت- حتي الآن- في مكان الثورين الأحمر والأبيض. وكان الحصاد المرير لعدم تعلم هذه القوي الفاعلة من عبرة أكلت يوم أكل الثور الأبيض, أن دفعت الأمة ثمنا فادحا; حين اتسعت الفجوة بين القول والفعل, وساد جشع المغالبة علي روح المشاركة, وغاب التمييز بين الهدف المركزي والأهداف الثانوية. ولنتذكر أن المجلس العسكري, لم يستوعب معناها; أي أنه لا يمكن أن يدير البلاد بأساليب النظام الذي ثارت الأمة ضده وأن الأمة لا يمكن أن تقبل أن تدار أمورها وتبقي الأوضاع التي ثار ضدها, فتصور أن الثورة قد انتهت يوم أن أطيح بحكم مبارك ومشروع التوريث, واتسعت الفجوة بين إعلانه تأييد الثورة وسعيه الي وأدها, بلعب دور الأسد. وهكذا, ورغم مآثر: إنتصاره للثورة بوأد التوريث وخلع الرئيس وحفاظه علي الدولة من السقوط وتحمل تداعيات إنهيار النظام, عمل المجلس العسكري علي كسر إرادة شباب الثورة, فأكل الثور الأبيض, ثم غدر بهم وبقية القوي المدافعة عن وضع الدستور أولا حماية لمدنية الدولة, فأكل الثور الأحمر!! بتحالفه تكتيكيا مع الثور الأسود, الذي قامت مقامه جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من دعاة دولة الفقهاء والخلافة. وهو ما كان لدي وضع التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها, وبقبوله تكوين الأحزاب الدينية, وبسماحه باستخدام الشعارات الدينية ودور العبادة في الإنتخابات البرلمانية!! ولكن حين إستحوذت جماعة الإخوان المسلمين علي البرلمان, بالمغالبة بدلا من المشاركة كما زعموا, تصوروا أنهم أسد الغابة, فانقلبوا علي وعدهم ورشحوا الشاطر رئيسا, وهتفوا بسقوط حكم العسكر, فاضحين جشعهم الي السلطة وسعيهم مع حلفائهم لإقامة دولة الفقهاء والخلافة الدينية. وربما حفزت الجماعة أشباح افتراسها المحتمل بحل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية, واخفاق سعيها لإختطاف سلطة تشكيل الحكومة من المجلس العسكري ثم من رئيس الجمهورية; فاندفعت دون ترو تحاول إختطاف الدستور والسلطات التشريعية والتنفيذية, ليأت الدور علي القضاء والاعلام والاقتصاد لاحقا!! وبرفع المرشح الإحتياطي المرسي مجددا شعار الاسلام هو الحل, عاودت الجماعة مخادعة أن التصويت سيكون إختيارا بين الدين والكفر, أو أنه سيكون: إما للإسلام أو لخصوم الإسلام!! ورغم ما راوغت وتراوغ جماعة الإخوان في إخفائه باللغو عن الدولة المدنية الوطنية الديموقراطية الحديثة, يسجل للشاطر إعلانه بإستقامة مسعي الجماعة الي ز س ز س ليكونوا سلطة فوق جميع السلطات الدستورية المنتخبة وفوق الدستور. كما يسجل للمرشد إعلانه باستقامة أن مسئولياته مرشد الجماعة/الخليفةس ز/ س ز المحتمل من البيعة!! لكن تداعي مصداقية الأسد الإخواني لم تتح له فرصة التحالف مع الثورين الأبيض والأحمر, أي القوي المدنية والقوي الثورية, التي بدا أنها قد جرحت دون أن تموت بعد أن غدر بها الإخوان حين كانوا مكان الثور الأسودس!! مكان الثور الأسود, لم يجد مفرا من محاولة استنهاض القوي المدنية والقوي الثورية, مستهجنا إنفراد الأسد الإخواني بهما من قبل ومستنفرا بسبب استهدافه هو نفسه من بعد!! وإذا كان ضعف وإضعاف القوي المدنية والقوي الثورية لم يمكن المجلس من كسب المعارك الأولي بشأن ضوابط تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور والتوافق علي مبادئه الأساسية, فان هذه القوي, رغم جراح مؤامرة الإفتراس, نجحت في إفشال مخطط إختطاف اللجنة التأسيسية للدستور من جانب الأسدس!! الثورية, أو الثورين الأبيض والأحمر, من الثور الأسود أي المجلس; إن تمكن من إسترداد دور الأسد!! ويبقي أن أقول أن القوي المدنية والقوي الثورية, خاصة وإن سيطرت عليها تيارات فكرية وسياسية عقائدية, ولو أتيح لها أن تكون في مكان الأسدس!! زس زس, برفعه شعار كل السلطة للسوفييت, فور أن نال البلاشفة الأغلبية فيها, وتصفيته للقوي الديموقراطية والإشتراكية الحليفة, ثم تصفية ستالين لمخالفيه في الرأي من البلاشفة أنفسهم!! ولنتذكر في حالة الليبرالية تصفية قوي الثورة الفرنسية لقوي النظام الملكي, ثم لبعضها البعض في صراع اليعاقبة والجروند علي السلطة; حتي إختطف نابليون للجمهورية وأقام الإمبراطورية الوراثية!! وتأييد الحزب الديموقراطي لتملك العبيد في أمريكا باسم حرية الفرد, واستمرار دفاع الحزب الجمهوري عن التمييز العنصري والتمييز ضد المرأة في ظل أكثر الدساتير ليبرالية!! ولنتذكر في حالة العقائدية القومية إختطاف هتلر بالإرادة الشعبية لسلطات الدولة في ألمانيا, ثم إقدامه علي تصفية جميع القوي المعارضة والمهادنة, قوة وراء أخري, بل ورغم الفارق لنتذكر قيام سلطة يوليو بتصفية الأحزاب الليبرالية والشيوعية وجماعة الإخوان وغيرها من القوي التي اعتبرت أعداء الشعب حتي جري تأميم كامل الحياة السياسية, فكان يسيرا علي السادات أن ينفرد بالناصريين!! وأختم فأقول إن الدفاع عن دولة المواطنة, دولة جميع مواطنيها, التي لا تعرف التمييز والإقصاء أو التهميش والإنتقاص لأي من مواطنيها وقواها ومكوناتها, ورفع راية أن المواطنة هي الحل, هو واجب كل من يريد سلامة ومناعة الوطن, ووحدة ونهضة الأمة, ومن يتوهم غير هذا سيجد نفسه نادما يوم لا ينفع الندم, مرددا: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! المزيد من مقالات د. طه عبد العليم