قبل عام تقريبا رحلت أمي، لم تتركنى وحيدا، وإنما أعيش معها وبها مستذكرا حضنها الدافئ وكلماتها الرقيقة وحكمتها التى أورثتنى أياها بعد غياب أبى فيَّ طفولتي، فكانت الأب والأم والمعلم، فلقنتنى فنون الحياة وغرست فينا الإنسان. أمي..لن تغيب عن عقولنا وقلوبنا ما حيينا، فلا يكفى قدرها زيارة لقبرها ولا كل أدعية الرحمة والمغفرة، فهى تستحق حياتنا التى غمرتها حبا وحنانا ودفئا. إنها الأم التى كرمها القرآن والإسلام وكل الأديان السماوية، فنظرة من عينها رسالة أمل، وحضنها لا تضاهيه حياة. لقد أهدتنا أمنا ولدانا وفتيانا وكبارا أملا لا ينضب، وكلمات لا تنسي. نستذكر خفة ظلها التى لا تضاهي، كانت لأحفادها أختا قبل الجدة، تلاعبهم وتحنو عليهم، يوم أجازتهم كان عيدا لهم ولها عندما ينطلقون فى بيتها أحرارا فلا سقف لحركاتهم وشقاوتهم، حتى يأتى موعد الرحيل، فتضيق عليها دنياها. وياليتنا بقينا ولم نغادرها حتى لا تضيع دنيانا هدرا بدونها حينما ترحل، لننهل من دفئها وحبها وودها وحنانها. غابت أمى بجسدها وهى التى ظننت إنها لن تتركنى وحيدا، وبقيت روحها لتسكن فينا، فهى وإن كانت فاضت روحها بعد رحلة عذاب مع مرضها اللعين الذى قضى عليها ليتركها عظاما بعد قوة، إلا أننا ما زلنا نعيش مستذكرين بسمة وجهها الطفولى الصبوح. غابت أمى أحلى من نطق اسمى حتى وإن كان مجردا بلا كنية..لا أقول بعد عام أننى أتذكرها، فهى لم تغب عنا، وتعيش داخلنا بضحكاتها وقفشاتها، وهى التى تعذبت فى دنياها برحيل بنت وابن، وتجلدت بالصبر مع حزنها واحتسبتهم عند ربها شهداء بعد أن نهشتهما خبائث الأمراض التى لا ترحم . أمي..أعز وأحب إنسانة خلقها الله وأغلاها على نفسي، نفتقدك نعم، ولكنك تعيشين فينا لأتذكرك دائما مع كلمات محمود درويش «أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي، وتكبر فيّ الطفولة يوما على صدر أمي، وأعشق عمرى لأنى إذا متُّ أخجل من دمع أمي». لمزيد من مقالات محمد أمين المصري