دعا الإسلام إلى التكافل الاجتماعي، وحث على فعل جميع صوره التى تتحقق بها أهدافه، ولا شك أن المبادرات والحملات الخيرية التى تهدف إلى سد حاجات الفقراء وغير القادرين من طعام وكساء ودواء وتعليم، من أفضل صور التكافل فى المجتمع، خاصة فى الوقت الراهن الذى تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة يعانى ويلاتها الجميع. وطالب علماء الدين بدعم هذه الحملات والدعوة إلى الإكثار منها، باعتبار أن الإنفاق والمشاركة فى مثل هذه الحملات ولو بالجهد واجبا شرعيا ومجتمعيا على كل من لديه القدرة والاستطاعة، وذلك لتحقيق الألفة والتناغم المجتمعى بين أفراد المجتمع، مؤكدين انه يجوز إخراج الزكاة قيمة أو عينية فى مثل هذه المشروعات الخيرية التى تهدف الى توفير احتياجات الفقراء من وسائل التدفئة فى القرى والنجوع. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن البعض يعمد إلى جمع ما يعين به الفقراء والمساكين وذوى الحاجة، فى كل فصل من فصول السنة، أو فى مناسبة معينة منها، كشهر رمضان ونحوه، وذلك بتقديم صدقات عينية إلى هؤلاء، متمثلة فى صورة الأكسية، أو الأغطية أو وسائل التدفئة فى الشتاء، أو الأطعمة والأشربة فى شهر رمضان، أو الأمتعة أو الأدوية لمن يفتقر إليها خلال أيام السنة، أو نحو ذلك، إعانة لمن يحتاج إلى ذلك من ذوى الحاجة، وليس فى الإسلام ما يمنع من ذلك، لما فى ذلك من مراعاة مصالح المحتاجين، وحيثما تكون المصلحة المشروعة، فثم شرع الله تعالي. إخراج قيمة الزكاة وأشار إلى أن الإسلام قد فرض على الأغنياء مقدارا معينا من المال فى أموالهم، كحقوق للمحتاجين، فقال سبحانه فى صفة أهل الجنة المستحقين لنعيمها : (والذين فى أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم)، وإذا كان هذا الحق يؤدى من كل شيء وفق قواعد مقررة فى الشرع، إلا أن التشريع لم يمنع من دفع أموال الزكاة كقيمة من غير أعيانها، فقد أجاز هذا بعض الفقهاء، ومنهم الحنفية والثورى وزيد بن على والحسن البصري، وهو مروى عن عمر بن عبد العزيز، ودليل هؤلاء على جواز أخذ القيمة فى الزكاة مطلقا: ما روى عن طاوس قال: « لما قدم معاذ اليمن قال: ائتونى بعَرْض ثيابكم آخُذُه منكم، فإنه أهونُ عليكم وخيرٌ للمهاجرين بالمدينة «، وروى عن عطاء قال: «كان عمر رضى الله عنه يأخذ العُروض فى الصدقة من الدراهم «، ورُوى عن أبى إسحاق قال: «أدركتُهم (يقصد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهم يؤدون فى صدقة رمضان الدراهمَ بقيمة الطعام»، فقد كان معاذ بن جبل عاملاً لرسول صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن، يأخذ منهم الصدقات ويأتى بها إلى المدينة، فلو كان أخذُ القيمة فى زكاة المال غيرَ مُجزِئٍ، لأنكَرَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخْذَه القيمةَ بدلاً من الجنس، ولأَمَرَه بردِّ القيمة على أهلها، إلا أنه لم يُنكر عليه ولم يأمره برد القيمة على دافعيها، فدل هذا على إجزاء دفع القيمة فى الزكاة، وفعلُ عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح عنهم، فإنه يكون بمنزلة المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هذا لا مجال للرأى فيه، ففعل عمر وسائر الصحابة من قبول القيمة أو إعطائها فى الزكاة عامةً، توقيفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأضاف قائلا: إن هذه الزكاة يراعى فيها حال من تعطى لهم ومدى نفعها لهم، وبذل القيمة أنفع لمن تصرف لهم الزكاة من دفع الجنس؛ لأنها تُصرَف لهم للوفاء بحاجاتهم الضرورية، وليس الطعام هو كلَّ هذه الحاجات، فحاجتُهم إلى الدواء والكساء والغطاء، والسُّكنَي، وغير ذلك، لا تقل أهمية عن حاجتهم إلى الطعام، ودفعُ الطعام إليهم لا يَفى بمثل هذه الحاجات، فكان فى دفع القيمة وفاءٌ بحاجاتهم الضرورية، وتيسيرٌ لذوى الحاجات فى إشباع رغباتهم من مال الزكاة، دون حاجة إلى تحويل الطعام إلى نقود، ومن ثم فما يفعله بعض الناس اليوم من دفع الزكاة إلى المحتاجين، فى صورة أكسية أو أغطية أو أدوية، أو نحو ذلك مجزئ عنهم فى دفع ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم. إشراف الدولة ضرورة وفى سياق متصل، رحب الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، بكل مبادرة أو حملة من أهل الخير لسد حاجات الفقراء وغير القادرين، سواء كانت هذه المبادرات والحملات من خلال أشخاص أو جمعيات أو مؤسسات أهلية معروف عنها الإخلاص والمصداقية وتوجهها الصحيح الذى يخدم ويحقق مصلحة الفقراء والمحتاجين، دون استغلال لأى هدف سياسى أو تخريبى يعادى الدولة، وأيضا لابد ان يكون معروفا عن هذه الجهات حسن التصرف فيما يوكل إليها من أموال، ويخضع نشاطها بالكامل تحت إشراف الجهات والأجهزة المختصة فى الدولة، وذلك لضمان معرفة طرق الإنفاق وفق الأهداف المعلن عنها، كما يجب على تلك المؤسسات والجمعيات الالتزام بالشفافية الكاملة فى كل ما تقوم به من نشاط حتى يكتب لها القبول والمصداقية عند الناس. وأشار إلى انه يجب شرعا على كل مستطيع قادر دعم هذه المبادرات والمشاركة فى الحملات الخيرية، من خلال التبرعات سواء بالأموال النقدية أو الأمور العينية او بالجهد بقدر الاستطاعة، وذلك لضمان استمرار هذه الحملات، لان حاجات غير القادرين ليست موسمية فقط وإنما هى قائمة باستمرار الحياة، كما أنها ليست مقصورة فقط على المطعم والملبس والعلاج، وإنما تتعدى ذلك إلى التعليم بكل أنواعه ومراحله، وهو استثمار جيد للبشر، وأيضا تنمية المهارات الحرفية لدى البعض منهم ، بحيث نجعله فردا قادرا للاعتماد على نفسه، وليس عالة على غيره يسأل الناس حاجته، أعطاه الناس أو منعوه، وتقوم بهذه المهمة بالفعل بعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ووفرت كثيرا من الوظائف المهنية فى مختلف المجالات، موضحا أن تلك الحملات الخيرية تعد من أبواب التكافل الاجتماعى والتعاون التى دعا إليها الإسلام . وأكد أن علماء الدين لهم دور مهم فى دعم هذه الحملات والمبادرات الخيرية، وذلك من خلال توجيه الناس إلى جواز إخراج الزكاة والصدقات فى مثل هذه المشروعات الخيرية، وتوضيح ثواب من يفعل ذلك عند الله سبحانه وتعالي، سواء أكان ذلك فى وسائل الإعلام أو الدروس الدينية، أو وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تتبنى مثل هذه الحملات والمبادرات وتدعو رجال الأعمال المخلصين إلى المشاركة فيها، ومساندتها قدر الاستطاعة حتى يكتب لها النجاح، وإبراز النماذج الجيدة فى مثل هذه الأمور، حتى يقبل الناس عليها.