رئيس الجمهورية.. يمثل بلده في المحافل الدولية.. يتحمل مسئولية قرارات مصيرية.. حياته جولات ومعارك داخلية .. ورحلات خارجية.. أعباؤه كثيرة تتطلب يقظة وانتباها وصحة ودرجة عالية من الحيوية. رغم هذا كله فالحالة الصحية لرئيس الجمهورية لا تزال سرا حربيا.. ولا يزال لدينا دستور لا يشير للمواصفات الصحية والنفسية الواجب توافرها فيمن يتم ترشحه لرئاسة الجمهورية, والجميع لا ينشغل الآن إلا بالبحث في شروط الجنسية, أو أداء المرشح للخدمة العسكرية, وننسي أن من حق الشعب أن يعرف ما هي علل وأمراض الرئيس القادم للبلاد, وما إذا كان يصلح للحكم أم أنه سيظل ضيفا علي المراكز الطبية العالمية أو مسافرا للخارج في مهمات علاجية؟ نعلم جميعا أن من شروط العمل أو مسوغات التعيين بأي جهاز حكومي أن يخضع الموظف لفحص طبي شامل, يتم بعده إعداد تقرير يحدد مدي صلاحيته للوظيفة المتقدم لها.. ورغم أن هذا يحدث في وظائف عادية للغاية ليس بها قدر من المسئولية, أو خطر اتخاذ القرار فإن هذا لا يحدث مع أخطر وظيفة في الدولة وهي وظيفة رئيس الجمهورية, وحسبما يقول المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق إن المتقدم لشغل وظيفة ساعي في أي مؤسسة أو جهاز حكومي لابد من التأكد أولا من حالته الصحية وإخضاعه لكشف طبي, والمفروض بل من الأولي أن يتم الكشف علي رئيس الجمهورية بواسطة لجنة طبية عالية المستوي للتأكد من خلوه من الأمراض التي تؤثر علي قراراته أو تعوق نشاطه وتحركاته, أو يمكن بدلا من الكشف الطبي أن يتقدم كل مرشح بتقرير طبي مفسر عن حالته الصحية والأمراض التي يعاني منها علي أن تتم مراجعة هذا التقرير بواسطة أطباء ثقات, فالحالة الصحية للشخص حال ترشحه لمنصب خطير كهذا لا تصبح أمرا شخصيا, وتكون من مقومات اختياره أو استبعاده حسبما يري الناخبون وفي ضوء الإعلان بكل شفافية عن الحالة الصحية لكل مرشح. ويري المستشار الجمل أن المشكلة في أن الدستور لا يشير من قريب أو بعيد لاشتراط الحالة الصحية, كما أن الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري اكتفي بشروط مثل السن والجنسية للمرشح ولوالديه متجاهلا تماما القدرات الصحية والعقلية إذ تنص المادة29 من الإعلان الدستوري علي الآتي:( يشترط فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخري ولا يكون متزوجا من غير مصري ولا تقل سنه عن40 سنة ميلادية) ويضيف: بما أننا نتحدث عن اللياقة الصحية والبدنية فمن المهم أيضا أن يكون هناك حد أقصي لعمر المرشح مراعاة لأمراض وأعراض الشيخوخة. دعوي قضائية مما يذكر أن هذه النقطة استلفتت انتباه أحد المحامين الذي تردد أنه أقام دعوي قضائية أمام مجلس الدولة للمطالبة بإصدار حكم قضائي يلزم كلا من رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة ووزير العدل ورئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإصدار قرار بخضوع كل من يتقدم للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية للكشف الطبي وإلزامهم كذلك بإصدار قرار يحدد الجهات المختصة بتوقيع الكشف الطبي علي من يتقدم للترشيح. وأشارت الدعوي التي اقامها طارق محمود المحامي إلي أن إغفال شرط اللياقة الصحية فيمن يتقدم للترشح لانتخابات الرئاسة مخالف للمادة20 من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم74 لسنة1978 والذي يشترط فيمن يتعين في احدي الوظائف ان يثبت لياقته الصحية للوظيفة بمعرفة المجلس الطبي المختص, ولما كان رئيس الدولة يعتبر موظفا مدنيا في الدولة كان لابد من إضافة شرط اللياقة الصحية واللياقة الذهنية فيمن يتقدم للترشح لهذا المنصب خاصة ان البلاد في تلك الفترة تستلزم أن يكون قائدها ذا لياقة صحية وذهنية تمكنه من تحمل الاعباء الصحية. واكدت دعوي قانون العمل المصري رقم133 لسنة1981 الزام بعض الهيئات السيادية في الدولة ومنها وزارة الخارجية ووزارة العدل المتقدم لشغل وظائفها ان يخضع للكشف الطبي واستبعاد غير اللائق طبيا من شعل الوظيفة, وبالتالي فالأولي ان يكون المرشح لرئاسة الجمهورية لائقا صحيا وذهنيا. ونعود للإعلان الدستوري الذي جاء خاليا من أي نص يؤكد وجوب الوقوف علي الحالة الصحية لرئيس الجمهورية, وهو ماعلق عليه الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري قائلا: هذه شروط لا تحتاج إلي نص دستوري لإعمالها وتفعيلها لأنها مما تفرضه طبائع الأمور ولا يشترط أن يكون هناك تعديل دستوري ينص عليها, لكي نبدأ في تطبيقها من الآن, لافتا إلي أن رئيس البلاد يتولي منصبا من المناصب العامة ويجب أن يخضع لما يخضع له أي موظف عام بما في ذلك الكشف الطبي وصحيفة الحالة الجنائية وإقرار الذمة المالية, ويشير إلي أن أهمية الحالة الصحية أنها تعكس القدرات الذهنية والعصبية لمن يشغل هذا المنصب الخطير. العقل السليم في الجسم السليم ولكن هل هناك علاقة فعلا بين الأمراض العضوية وبين صلاحية الشخصية لمنصب رئيس الجمهورية؟ سؤال كان لابد من توجيهه لطبيب, وجاءتنا الإجابة من الدكتور صلاح أبو طالب رئيس أقسام الجراحة بمستشفي التأمين الصحي بالفيوم بادئا كلامه بالقول الشائع: العقل السليم في الجسم السليم, مؤكدا ضرورة إخضاع المرشح لفحص طبي يشمل أمورا كثيرة منها صورة الدم كاملة, وتحليل المسكرات والمخدرات, وعمل وظائف كلي ووظائف كبد, والهدف ليس البحث عن رئيس خال تماما من الأمراض العضوية وإنما اختيار من لا توجد لديه أمراض عضوية خطيرة تعوق تحركاته وتضعف نشاطه, أو ذات تأثيرسلبي علي العقل والإدراك أو القدرة علي اتخاذ القرارات الحكيمة دون تهور أو انفعال, وكذلك للتأكد من صلاحيته جسديا لمهام وأعباء منصب الرئيس وإلا سننتخب شخصا يتنقل بين المصحات والمستشفيات ولا يتفرغ لمهام البلاد, فلابد أن من يشغل وظيفة أن يكون صالحا لها, ويدعو الدكتور أبو طالب هنا إلي تغيير الثقافة المصرية فيما يتعلق بتجاهل الجوانب الصحية لشخص رئيس الجمهورية قبل انتخابه وبالتكتم الشديد عليها أيضا بعد إختياره, مشيرا إلي أن في أمريكا يعتبرون إخضاع الرئيس لتأثير التخدير الطبي موجبا للتنازل المؤقت عن صلاحياته لقرارات خطيرة كتحريك الجيش, كما أن كل مرشح هناك يقدم ملفا طبيا شاملا بحالته ويضعه تحت تصرف اللجنة المشرفة علي الانتخابات وهو ما يحدث في فرنسا أيضا, وبالنسبة لتنظيم القانون المصري للكشف الطبي قال محدثنا: إن القانون رقم47 لسنة1978 المنظم للياقة الطبية ينص علي وجود لجنة مختصة تصدر تقارير السلامة واللياقة الطبية لمن يتم تعيينه, علي أن يكون هناك الحق في إعفاء الموظف من الشروط للوزير المختص أو المحافظ المختص أو رئيس الهيئة المختص.