تحتدم حاليا المعركة الانتخابية بين ساركوزي وخصومه السياسيين من الأحزاب الأخري, ولأول مرة يقترب الرئيس الفرنسي من المواطن الفرنسي العادي من منطلق أساسي, لا يختلف عليه اثنان, وهو أن صندوق الاقتراع هو الذي يمكنه وحده أن يجعل ساركوزي يتولي أمر فرنسا لمدة ولاية ثانية. وتؤكد استطلاعات الرأي التي تعتبر شكلا من أشكال الممارسة الديمقراطية أن ساكوزي لن يحقق النصر الذي يريد في الانتخابات الفرنسية المقررة في الشهر المقبل, وأن الناخب الفرنسي سوف يقول كلمته بعيدا عن صخب الدعاية الانتخابية, فلم ينس بعد أنه رفض تقييمه بعد مرور مائة يوم, وقال إن مسألة هذا التقويم يجب أن ترجأ إلي نهاية الولاية الانتخابية, كما لم ينس أنه عجز عن تسوية خلافاته مع زوجته الأولي التي تركته في عز صولجانه في قصر الإليزيه, وذهبت لتعيش مع شخص آخر من أصول مغاربية! وإنه حاول أن يحقق مجدا فرنسيا عندما حصل علي صك البراءة للممرضات البلغاريات من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. لكن هذا الناخب عينه هو الذي يتحدث في هذه الأيام عن تمويل القذافي لحملة ساركوزي الانتخابية الأولي. علي أي حال من يتابع هذه الحملة سيكتشف أن الرئيس الفرنسي يضع يده علي قلبه خوفا من نتائج هذه الانتخابات خصوصا بعد أن أعلن جاك شيراك, الرئيس الفرنسي السابق, دعمه للمرشح الاشتراكي, ناهيك عن أن فرنسا بكاملها تميل إلي المرشح اليساري بشكل عام لأنها اعتادت في الفترة الأخيرة أن تعطي أصواتها تارة إلي اليمين وتارة إلي اليسار.. وهي هذه المرة قد عقدت العزم علي ترجيح كفة الاشتراكيين لأنها لا تذكر حسنة واحدة لرئيسها الفرنسي في الداخل أو الخارج باعتباره يمينيا متطرفا تصب جهوده منذ الوهلة الأولي في صف رجال الأعمال الذين يقضي اجازاته في بواخر أحدهم, كما يركب في سفرياته طائرات خاصة لنفر منهم, علي أي حال لقد غلبت يهودية ساركوزي كل انتماءاته الحزبية, فلم يخل من ضرب مصلحة فرنسا مع العرب مرجحا علاقاته باللوبي اليهودي في داخل فرنسا وخارجها, وما موقفه من حادث تولوز الإرهابي وتصريحاته ضد الإسلام والمسلمين إلا أكبر شهادة علي رغبته في كسب ود إسرائيل. ولا يفوتنا أن ننكر كل أساليب العنف التي يتعرض لها البشر سواء في فرنسا أو أي دولة أخري, لكن أن يتجه أصبع الاتهام إلي صدر العرب والمسلمين علي النحو الذي سارت فيه القضية. فهذا لعمري ما نرفضه من ساركوزي خصوصا أن عداءه للعرب وتصريحه بأنهم حثالة المجتمعات عندما كان وزيرا للداخلية ومسئول عن الأديان في فرنسا لايزال حاضرا في الأذهان! أما عن امتنانه بالولاياتالمتحدة, فحدث ولا حرج! فمنذ أن كان ساركوزي مرشحا للرئاسة في الدورة الأولي, سافر إلي الولاياتالمتحدة وأنكر علي سابقه جاك شيراك أن يتقاعس عن نصرة أمريكا في العراق وقال بالحرف الواحد: لقد أخطأ شيراك عندما أدار ظهره لجورج دبليو بوش في العراق, ثم قال إن النظام الاقتصادي والمالي الأمريكي هو أفضل النظم في العالم, وسمح ساركوزي بأن تسير فرنسا معصوبة العينين وراء الولاياتالمتحدة, وهو غير نادم علي ضياع هيبة فرنسا التي حاول جاك شيراك تقويتها بعد أن أسسها ديجول العظيم الذي انسحب من حلف الناتو عندما رفضت أمريكا أن تكون فرنسا شريكة في قيادة الحلف! اليوم تأخذ الإنسان بعض الحيرة عندما يحاول ساركوزي أن يكسب ود الجالية الإسلامية بسبب صناديق الاقتراع, ولكنه نسي أن الذاكرة العربية لن تنسي له أنه أذكي نيران الإسلاموفوبيات في فرنسا, والإسلاموفوبيا هنا تعني الخوف المرضي وغير المبرر للدين الإسلامي, فساركوزي صاحب شعار فرنسا للفرنسيين, ويطالب بعودة العرب والمسلمين إلي بلدانهم, وقام بتجامل الصداقة التي تربط بلاده بمستعمراتها القديمة في إفريقيا وآسيا بمعني آخر لقد جعل ساركوزي بلاده لا تبحث إلا عن ذاتها فقط! وما أعجب له, وقد عشت في باريس نحو عشرين عاما, أن بعض إعلامنا العربي والمصري يختزل علاقة فرنسا والعالم العربي في شخص ساركوزي وبعض القادة العرب, كان يوصف الرئيس الفرنسي ورأس النظام السابق في مصر بالزعيمين! فالحق أنهما أصغر من أن يوصفا بالزعيمين فالأول رئيس بالكاد, والثاني شاءت أقدارنا التعسة أن يحكم مصر بالمصادفة وحدها, والمؤسف أن الرجلين قد غابا عن بالهمها أنهما زائلان, أما مصر وفرنسا فباقيتان كدول منذ أقدم العصور! وأشهد أني أعاصر الزيارات التي كان يقوم بها رأس النظام في مصر إلي فرنسا, وكنت أري أن جميع المؤسسات المصرية لا تعمل إلا لخدمة رأس النظام, وقالها لي بالحرف الواحد أحد رؤساء المكاتب عندما أكد أن مكتبه لم يفتح إلا للعمل أثناء زيارة رأس النظام المصري إلي باريس! وكلنا يذكر كيف احتفي ساركوزي بالمدعو الاتحاد من أجل المتوسط بل كيف كان الأب الروحي للمشروع برمته.. ومثلما كان لشيراك الفضل في بعث ما يسمي بمجموعة الخمس ويقصد بها أن يلتئم شمل دول المغرب العربي مع الدول الأوروبية المناظرة لها في الشمال, كان لساركوزي مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.. وكلاهما كان يرمي إلي ابتعاد الصراع عن دولة إسرائيل, وبدلا من الضغط عليها لكي تختفي المسافة المفتعلة بين الأعمال والأقوال تدعإسرئيل كما هو الحال مع مشروع ساركوزي مثلما تدع دول المنطقة العربية ثم يكون لها دور في الناحية الأمنية, فضلا عن تميزها مثل أن تحظي بالدولة الأولي بالرعاية. والموسف أن كتابات كثيرة قد حذرت من أن يحيك ساركوزي الحبال حول عنق مصر وتكيبلها باتفاقات ومعاهدات تصب في النهاية في مصلحة إسرائيل, وذهبت إلي أن الاتحاد من أجل المتوسط هو شبيه بمعاهدة كامب ديفيد.. ولكن علي الطريقة الساركوزية, لكن لم يستمع رأس النظام المصري السابق إلي هذه التحذيرات, ورأي أنه الوحيد الذي يعرف ويفهم وفرض وصايته علي الشعب المصري, فكان مصيره في النهاية الخلع والوقوف أو بالأحري النوم وراء القضبان! ومما يؤسف له أن إعلامنا اعتمادا علي سياسة التعتيم والمغالطة التي كان يعتمدها طوال الثلاثين عاما الماضية كان يصر علي وصفه بالصديق لكن الإعلام الفرنسي والحق يقال لم يكن يسمح بكتابة هذه الأكاذيب, فساركوزي يهودي هنغاري يميل بقلبه إلي إسرائيل علي حساب العرب, وهو استعماري حتي النخاع صحيح أنه كما قال ولد بعد الحرب العالمية الثانية, وبالتالي لا يحمل أوزارها, لكنه يري في الإسلام خطر ما بعده خطر.. ويعتبره العدو الأخضر بعد زوال خطر العدو الأحمر المقصود به الشيوعية. باختصار يتعرض ساركوزي لمنافسة قوية في بلاده.. وقد يكون أو لا يكون رئيسا لبلاده في المرحلة القادمة لكن يبقي أنه لا يضمر إلا الشر للعرب والمسلمين, وهو الذي يقف وراء الإسلاموفوبيا, ولا تنسي له الذاكرة العربية أنه شتت أسرا ونفي عربا لا لشيء إلا لأنهم يعملون بكرامة في مطار شارل ديجول, لكن ما الحيلة وقد تأثر بكتاب صديقه عن قنابل شارل ديجول ويقصد بها الزوايا والمساجد الإسلامية المفتوحة لصلوات المسلمين داخل المطار وعددها125 مصلي ومسجدا. بمعني آخر أن ساركوزي كغيره من رجال الغرب الشانئين علي العرب والإسلام ويبدو أنه يواجه مصيره في بلاده التي تحاسبه اليوم أشد المحاسبة, فقط علينا ألا نتحمس له لأن قواعد الديمقراطية التي أرتضها بلاده تذهب إلي أنه لا مجال للرومانسيات في أمور السياسة فليتنا نتعلم منهم! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي