لماذا لا نقدر قيمة الشئ إلا بعد أن نفقده؟ أتحدث هنا عن واقعة بيع متحف نورث هامبتون البريطاني لتمثال " سخم كا"، وعن حملة تبرعات لم تؤت ثمارها، تم إطلاقها من جانب وزارة الأثار لاسترداد التمثال وإعادته مرة أخري إلي مصر، في محاولة واضحة للتنصل من المسئولية وإلقائها كالعادة علي عاتق المواطن ! غدا تنتهي مهلة المتحف البريطاني ولم تنجح وزارة الأثار كما أكد وزيرها السيد الدكتور ممدوح الدماطي في جمع أو تلقي أي تبرع، وأنا بدوري لا ألوم أحدا أو أتهم أحدا بعدم الوطنية - التي تعد أحدث أنواع التهم - فهذه ليست مهمة المواطن بل مسئولية الدولة بكافة أجهزتها، المواطن لديه ما يكفيه من الأعباء والإلتزامات وهو لم يسمح بسرقة هذه الأثار أو غض الطرف عن نهبها ! قضية هذا التمثال ستجعلني أنكأ جروحا قديمة في جسد الأثار المصرية الذي يئن من الإهمال والتقصير، ويتألم من النهب والسلب، ويتجرع مرارة الجهل بقيمته الحقيقية في وطنه في حين تقدره بلدان العالم . تكفيك زيارة واحدة للأقصر وأسوان لتري عظمة أجدادك الفراعنة وتتنفس عبق التاريخ، وتأخذك العزة والفخر لأنك ابن هذه الأرض وحفيد هؤلاء العظماء، ولكن يد الإهمال والتقصير ستقطع عليك هذه الفرحة وستعكر صفو سعادتك لضعف تأمين المزارات وغياب الرقابة ، وعدم تمتع العاملين في هذا القطاع بمستوي معيشي لائق يساعدهم علي مواجهة أعباء الحياة، لدرجة دفع البعض منهم للعزوف عن العمل في مهنة السياحة التي كانوا يتوارثونها عبر الأجيال! رغم أن رحلتي للأقصر وأسوان قد مضي عليها شهور، إلا أنني مازلت أتذكر مقولة مرشدنا الشاب زكريا سعد أحمد وهو يقول لي : " حائط واحد من هذه المعابد تقوم له الدنيا في بلدان العالم، أما نحن فلا نقدر قيمة وعظمة ما نملك !" مقولة تهز كيان أي عاشق لتراب هذا الوطن، غيور علي بلده يتمني رؤيته في المكانة التي يستحقها بأثاره وثرواته الطبيعية التي لا حصر لها. مقولة بسيطة تكشف لك أننا كالعادة نعدم الرؤية التي ترشدنا لتوظيف كنوز هذه الحضارة العريقة لصالح أبنائها ! من حق زكريا ومن حقنا جميعا أن ندافع عن ميراثنا العريق الذي لا يقدر بثمن ، وأن نطالب أولي الأمر في هذا البلد للبحث عن عقول مصرية مبدعة تمتلك من الحرفية والمهارة ما يمكنها من وضع مصر في المكانة التي تستحقها علي خريطة السياحة العالمية. حتي لا تمر قضية تمثال " سخم كا" مرور الكرام، وكأن شيئا لم يحدث، وحتي لا نصحو من جديد علي زوبعة أخري، علينا تحديد البؤر المصابة في جسد هذا الملف وسرعة معالجتها إن كنا نريد أن نلحق بدول سبقتنا رغم أنها لا تملك ربع ما نملك من حضارة شهد لها العالم أجمع ! لمزيد من مقالات علا حمدى