يعد مفهوم الخلافة من المصطلحات التى يتم تداولها بكثرة فى الفترة الأخيرة، فى وسائل الاعلام المختلفة، حيث يستخدمها أعضاء التنظيمات الجهادية لنشر أفكارهم بين الناس. وعن ظهور وتطور مفهوم الخلافة، يوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، مفهوم الخلافة قائلا:هي: رئاسة عامة للمسلمين فى الدنيا لإقامة أحكام الشرع وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهى عينها الإمامة الكبرى, وقد نشأ منصب الخلافة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإثر مداولات جرت فى سقيفة بنى ساعدة، حيث اتضح أن جميع المسلمين فى ذلك الوقت رغم تباين آرائهم، كانوا متفقين على ضرورة إقامة رئيس للدولة يخلف الرسول ، صلى الله عليه وسلم فبويع أبو بكر للخلافة، وأرسيت منذ تلك اللحظة قواعد لازمت المنصب طوال قرون بقائه, واجتازت مؤسسة الخلافة أولى مراحل حياتها فى فترة الخلفاء الراشدين، الذين عُدَّ عهدهم العهد المثالى والواقعي، وتميز بكون الطابع العام لاختيار الخليفة وممارساته طابع الشورى, وقد أوضح أبو بكر أن الخلافة للحفاظ على الدعوة ونشرها, والإشراف على تماسك المجتمع فى مجال الدين والدنيا، كما حددت سلطة الخليفة بالرأى العام مع تقييدها بدستور الإسلام وهو القرآن والسنة، وكان على الخلفاء الاجتهاد فى المستجدات التى لم يرد فيها نص, كما شملت مهام الخلفاء القيادة العامة فى الحرب، وتطور هذا المنصب زمن معاوية إلى نظام حكم العائلة الوراثي، وفى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى بدأ الخليفة يفقد سلطاته بالتدريج، وسيطر الأتراك على الخليفة, فكانوا يتلاعبون بالمنصب, بقتل خليفة وعزل آخر, وفرض أوامر وأحكام على ثالث، ورافق الضعف فى سلطة الخلافة زوال سلطان الخلفاء، مما أوجد فى ديار الإسلام ثلاث خلافات، عباسية بالعراق، وفاطمية بمصر، وأموية بالأندلس، وكل منها تدعى أحقيتها بالتسيد على المسلمين, والإسلام لم يضع شكلا معينا للحكم, ليتشبث به البعض, بل وضع نظام الشورى كأساس لسياسة أمور الرعية, أيا كانت صفة الراعي, ومن العبث القول بأن نظام الحكم فى الإسلام يقتضى تنصيب خليفة, تلك فكرة أقرب ما تكون إلى الخرافة منها إلى الواقع, فقد تعقدت ظروف الحياة ومجريات الأمور, ومصالح الناس عن الزمن الأول, فإذا كانت الدولة الواحدة ذات المساحة المحدودة والتى يرعاها حاكم واحد, يبيت أكثر أهلها يجأرون إلى الله تعالى بالدعاء لرفع الظلم, وإزالة الفاقة والفقر والعوز والمرض عنهم, ولا يعلم بحالهم حاكم الدولة, مع توافر وسائل العلم بحالهم, فأنى لمن يحكم ثلث العالم تقريبا بمقتضى الخلافة أن يعلم بحال من يتضورون جوعا وقد أضناهم الفقر والمرض وغيرهما فى أرجاء دولة خلافته, وهو مسئول عنهم يوم القيامة, فأنى لهؤلاء الواهمين أن يقيموا هذه الدولة, إلا إذا كانوا يريدون إقامتها فى الخيال, بحسبان أنهم لم يصطدموا بواقع, لا يعلمون عن حقيقته شيئا.