لقد تحدثت في مقالتي السابقة تحت عنوان 'ثقافة المواطنة والدين.. الخلاف والاختلاف' والتي بدأتها وختمتها بآية تتحدث عن هذه الثقافة وهي: 'لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون'. وهذه الآية الكريمة خير دليل علي أن جماعة الإخوان، لم ولن يتفقهوا في الدين، وهم أكثر الناس بعدا عن عمق الدين، وجماله، وسماحته، وروعته، وقيمته، وقامته، وقوته. واستكمالا لهذا النوع من الثقافة أتحدث اليوم عن سقيفة بني ساعدة، وفي الجدال الذي دار بين المسلمين حول الخلافة. ولقد استشهد سيدنا أبو بكر بقول أسنده الصديق إلي النبي: 'الخلافة في قريش'، فنشب الخلاف بين المهاجرين بعضهم بعضا، في أولوية سيدنا أبي بكر في الخلافة، وكان سيدنا عمر بن الخطاب من رشح الصديق، والبعض منهم رأي أن سيدنا علي بن أبي طالب أولي بالخلافة لقرابته من حضرة النبي 'صلي الله عليه وسلم'، لأنه ابن عم النبي، وزوج ابنته فاطمة، وكان الإمام حزينا مهموما ومشغولا بموت النبي ودفن جثمانه الشريف، لذا تغيب عن اجتماع سقيفة بني ساعدة، فتعقدت الأمور، وتعلثمت الصدور، وازدادت حدة التوتر، وإرتفع سقف الخلاف، واتسعت هوة الجدال. فلما علم الجليلان أبو بكر وعمر، باجتماع سقيفة بني ساعدة، واختلاف الأنصار فيها، انطلقا إليها كالريح. وخطب الصديق خطبة مقنعة، حاور فيها الأنصار، وأقنعهم بأولوية المهاجرين الأولين في الخلافة، وبهذه الخطبة الموفقة، كفي المهاجرين خلاف الأنصار، لذلك تمسكوا بشجرة النبي، ولم يضيعوا خليفة رسول الله سيدنا أبو بكر. ومن هنا نعلم ونتعلم أمورا كثيرة وأشياء متعددة من هذه الخلافات والمشاحنات بعد موت النبي، وأحداث سقيفة بني ساعدة. ولهذا سأذكر بعضا من الدروس والعبر من وراء هذه الأحداث، لتكون تذكرة للإخوان، وتنبيها بأنهم لا يفقهون من أمور دينهم شيئا، مثل: إن الأنبياء والرسل أحب الخلق إلي الله تعالي وقد ماتوا، لأنه سوف لا يبقي علي وجه الأرض مخلوق، وهذا يدل علي أن الدنيا متاع زائل، ومتاع الغرور الذي لا يدوم، لا يبقي للإنسان من تعبه وماله إلاّ ما كان يبتغي به وجه الله تعالي، وما عدا ذلك يكون هباء منثورا. إن الرجل وإن كان عظيما قد يفوته بعض الشيء، ويكون الصواب مع غيره، وقد يخطئ سهوا ونسيانا. فَضل أبي بكر وعلمه وفقهه، ولهذا قال: 'من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت'. حكمة عمر العظيمة في فض النزاع في سقيفة بني ساعدة، بمبادرته بأخذ يد أبي بكر الشريفة، فبايعه، فانصب الناس وتتابعوا في مبايعة أبي بكر، وانفض النزاع. كذلك بلاغة أبي بكر، حيث تكلم في السقيفة، فأجاد وأفاد، حتي قال عمر 'رضي الله عنه': 'تكلم أبلغ الناس'. وقد نفع الله بخطبة عمر يوم موت النبِي 'صلي الله عليه وسلم' قبل دخول أبي بكر، فخاف المنافقون، ثم نفع الله بخطبة أبي بكر، فعرف الناس الحق. مع ظهور حكمة أبي بكر، وحسن سياسته، في خطبته يوم الثلاثاء، بعد وفاة حضرة النبي 'صلي الله عليه وسلم'، وبيّن الصديق أن الصدق أمانة، والكذب خيانة، وأن الضعيف قوي عنده حتي يأخذ له الحق، والقوي ضعيف عنده حتي يأخذ منه الحق، وطالب الناس بالطاعة له إذا أطاع الله ورسولَه، فإذا عصي الله ورسوله فلا طاعةَ له عليهم. وحكمة عمر 'رضي الله عنه' وشجاعته العقلية والقلبية، حيث خطب الناس قبل أبي بكر، ورجع عن قوله بالأمس واعتذر، وشد من أزرِ أبي بكر، وبيّن أن أبا بكر صاحب رسول الله، وأحب الناس إليه، وثاني اثنين إذْ هما في الغار. علما بأن النبي 'ص' لم ينص صراحةً علي الخليفة من بعده، وإن أخبر بمن سيتولّي، وفي هذا دلالة علي أنه لابد للإمام أن يترك الاختيار للمسلمين من بعده. إن بيعة أبي بكر 'رضي الله عنه' تمت بعد مشاورات بين فضلاء المهاجرين والأنصار، وفي هذا دلالةٌ علي أن الذي يقوم بالإختيار هم أفاضل القوم وعلماؤهم ورؤساؤهم، وهم من يسمون بأهل الحل والعقد.لا يشترط الإجماع التام علي اختيار الخليفة، فلا تضر مخالفة بعض القوم كما لم تضر مخالفة سعد بن عبادة 'رضي الله عنه'. مشروعية البيعة للخليفة المختار من قبل أهل الحل والعقد أولاً، ثم من قبل عامة المسلمين ثانيا، كما تم لأبي بكرٍ. لا يشترط في الانتخاب حضور جميع أهل الحل والعقد، كما لم يضر تخلُّف علي بن أبي طالب والزبير بن العوام 'رضي الله عنهما' حيث تخلفا لتجهيز النبِي 'صلي الله عليه وسلم' وإن كانا بايعا بعد ذلك. سبب اختيار الصحابة أبا بكر للخلافة هو سابقته، وتقديم النبي له في الصلاة علي جميع الصحابة 'رضي الله عنهم'. وكذلك فضل الصديق، وتعامله مع النفوس، وقدرته علي الإقناع. وزهد عمر وأبي بكر 'رضي الله عنهما' في الخلافة، وحرص الجميع علي وحدة الأمة. وسوف أستكمل في مقالتي القادمة باقي الدروس والعبر من هذه الأحداث، حتي يعلم ويتعلم الإخوان، وما اقترفوه من ذنوب، وكوارث ومصائب في حق الشعب المصري، والشعوب العربية جمعاء، وحتي يعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. المتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي [email protected]