لست بحاجة إلى التذكير بالعديد من الحوادث والمواقف التى قام المسلمون العاديون فيها بمراجعة الخلفاء الراشدين فى أمور الدنيا. وبمناسبة الحديث عن الخلفاء الراشدين قد يكون من المفيد أن نتوقف عند وصف «الخليفة» الذى نعت به حاكم الدولة، بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. يقرر «ابن خلدون» أن الخلافة تعنى «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة. فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به». والخلط بين مفهوم الدين والدولة فى هذا التعريف «الخلدونى» واضح لا لبس فيه، والسر فى ذلك أن الخليفة ينظر إليه على أنه نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم البون الشاسع الذى يفصل ما بين النبى المعصوم الذى يأتيه الخبر من السماء، وأى شخص آخر يجتهد بعقله ونظره فى الأمور والنصوص، فيخطئ ويصيب. وربما كان السر فى هذه التسمية يعود إلى العبارة العمرية الشهيرة التى قالها «ابن الخطاب» فى اجتماع السقيفة الشهيرة فى معرض دفاعه عن حق أبى بكر الصديق فى الخلافة، وذكر فيها: «رضيه رسول الله -يقصد أبا بكر- خليفة له فى دينه أفلا نرضاه خليفة له فى دنياه». وحقيقة فإننى أشك أن هذه العبارة، على ما تتمتع به من بريق بلاغى، جاءت على لسان عمر بن الخطاب، لعدة أسباب؛ فهى تحمل إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالأمر من بعده لأبى بكر الصديق، والمعلوم فى فقه أهل السنة والجماعة أن النبى لم يوصِ بأمر الحكم لأحد من بعده، بل وقد رفض عمر بن الخطاب نفسه الاستجابة للنبى صلى الله عليه وسلم، حين طلب كتابة وصية للمسلمين، ويردد فقهاء أهل السنة ذلك فى معرض الرد على الشيعة الذين يزعمون أن النبى أوصى بالأمر من بعده لعلى بن أبى طالب فى حديث «غدير خم»، وما تزخر به كتب التاريخ من ميل بعض الأنصار إلى تولية سعد بن عبادة، انطلاقاً من أن النبى أوصى له بالأمر من بعده. كل هذه الأطراف استشهدت بوقائع أوكل فيها النبى صلى الله عليه وسلم بمهام معينة إلى صحابته الكرام، ولم يكن معنى ذلك أنها إشارة إلى أن ينتقل إليهم أمر الحكم من بعده. فكما أوكل أمر إمامة المسلمين فى الصلاة إلى أبى بكر الصديق وقت مرضه، أوكل حمل الراية فى غزوة خيبر إلى على بن أبى طالب، وأعطى راية الأنصار فى غزوة بدر إلى سعد بن عبادة. فهل يمكن أن يحتج أنصار أو أشياع أى شخصية من هذه الشخصيات بذلك على أن النبى أعطى بذلك إشارة إلى أحقيتهم فى الحكم من بعده؟ أخبار متعلقة الإسلام دين وليس دولة (3) الإسلام دين وليس دولة (2) الإسلام دين وليس دولة (1)