أمينة وأوديت,اسمان محفوران في العمر والقلب والذاكرة,تتواصل روحاهما دائما. ويبقي الرحيق, رحيق صداقة غالية امتدت لسنوات وسنوات. أمينة وأوديت صديقتان حميمتان جمعت بينهما الإسكندرية وبحرها, وصيفها بمرور الأيام أصبحت كل منهما الصديقة الأثيرة للأخري. كانت أمينة وقتها في العاشرة من عمرها, أما أوديت فكانت في العاشرة وثلاثة أشهر. كانت تعيشان زمن الطفولة الرائع, تولدان كل صباح, حتي إذا أقبل الليل نامتا لتولدا في غد جديد بعد تلك الصداقة الغالية, انضم إليهما أخو أمينة وأخو أوديت اللذان صارا أيضا أصدقاء, كانوا جميعا يقضون في الصيد بالسنارة في منطقة السلسلة علي بحر الإسكندرية التي يغزر فيها السمك اللذيذ وقتا رائعآ, مليئآ بالمتعة والضحك من القلب. كانت جدة أمنية تشوي لهم السمك الذي صادوه وتطهي بعض الأرز وتعد متنوعات من السلطة الشهيرة ويتسابق الجميع حول ألذ سمك( في الدنيا). وجمعت الأيام السعيدة أمينة وأوديت أيام كانتا تلعبان علي الشاطيء بالمضرب والكرة أو تنزلان إلي البحر عائمتين تتسابقان ضاحكتين أو تجلسان في الكبينة تلعبان الكوتشينة وفي لعبة الشايب كان الجميع يصر علي أن الخاسر لابد أن ينفذ الأمر فيمضي الوقت بين اللعب واللهو والضحك. وفي يوم أسرت أمينة إلي أوديت بأنها تريد أن تذهب معها إلي الكنيسة, رحبت أوديت وذهبت أمينة لأول مرة وأعجبت بالتراتيل وأكلت خبز البركة القربان بعدها عبرت أمينة لأوديت عن أمنيتها أن تتعلم اللغة القبطية حتي تفهم أمينة تلك التراتيل الجميلة. كانت أوديت تزور أمينة في رمضان وهي صائمة مثلها, كي تفطرا معا وتجلس لمشاهدة البرامج الخاصة بشهر رمضان, وكانت والدة أمينة دائما ما تعد لهما ما تيسر من الكنافة والقطائف وشراب قمر الدين ومضت سنوات العمر وتبدلت حكايات أمينة وأوديت الصغيرة إلي سير المراهقة, ثم باغتتهما أول الأحاسيس الطازجة والمخاوف الصغيرة. كانتا تقرآن لنزار قباني شاعر كل الأجيال الموجود في كل مكان علي الخارطة النفسية للشباب. كانتا تقولان إن شعره هو احلي عطر يمكن أن تتعطر به أنثي. تقول أوديت لأمينة: تعرفي يا أمينة ليس أجمل من شعر نزار إلا نثره. كانت رويات إحسان عبد القدوس تجذبهما بشدة. كان جديدا في فكر مثل نزار.لم تهملا في رحلة القراءة قصص يوسف إدريسأو يحيي حقي التي تشرب من نهر مصر. أما عبد الحليم حافظ فقد كان النجم والغناء والأسطورة. أغانيه نقشت علي قلبيهما. كانت أمينة تقول لأوديت تعرفي أنا باشعر أن أغاني عبد الحليم تجري في دمي فتضحك هي بصوت عال وتقول إنك لا تتغيرين. رومانسية حتي النخاع. ثم تزوجت أوديت وسافرت مع زوجها إلي كندا, وتزوجت أمنية أيضا لكنها بقيت في القاهرة لم تسمح الصديقتان لبعد المسافات أن تؤثر في صداقتهما, فقد بقيتا دائما علي صلة عن طريق الموبايل والخطابات والإيميل والفيس بوك, ذهبت أمينة لزيارتها مرة,وكانت أوديت تأتي إلي الإسكندرية كل سنتين. وأوشكت سنة جديدة علي الإشراق, سنة جديدة من عمر صداقتهما الفريدة, صداقتهما الحبيبة. كانت أمينة تمني نفسها بأن أوديت ستلقي بها في مكالمة عزيزة تسمع صوتها فتكاد تحس بكل ما بها, واوديتأيضا تحمل نفس المشاعر. بعد ماحدث ليلة رأس السنة الميلادية سنة2011 في الاسكندرية لم تستطع أمينةأن تهنيء أوديت لا بالسنة الميلادية ولابالعيد في7 يناير كما كانت معتادة. أصابتها أحزان لا تجد دموعا, شعرت أنهم قد توجوها للحزن, قالت أمينة لنفسها أوديت صديقة عمري لا أستطيع أن أهنئها, لا أستطيع أن أمسك بالموبيل كي أهنئها.. سأقول لها.. وكأني لا أعرف رقم الموبايل الخاص بها أو رقم منزلها. كنت أمسك الموبايل لأتركه سريعا.. وأقول في نفسي لن ينفع, لاأستطيع. فجأة في مساء يوم عيد7 يناير رن جرس تليفوني ففوجئت بصوتها الحبيب أوديت هي التي حدثتني في يوم عيدها. قالت: أنا فاهمة ومقدرة, لا شيء يمكن أن يفرقنا دائما سنبقي أصحب أصحاب..فاكرة يا أمينة؟ أجابت طبعا أصحب أصحاب يا أوديت وانهمرت دموع تشبه الفرح. وفي أوائل مارس2011 حادثتها تليفونيا كنت في شدة القلق, بدأت بالأسئلة المعتادة عن الأولاد والأسرة قلت لها: أعلم أنك تعرفين آخر أخبارنا.. لم أكمل..لأنها أكملت.. وفي آخر يناير2012 وصلت أوديت إلي القاهرة في اجازتها السنوية, استقبلتها أمينة بحرارة بالحب كله وبالشوق كله. كان من المقرر أن تقضي أوديت في القاهرة شهرين. أتت أوديت إلي منزل أمينة في بشر وفرحة, أخبرتها أنها قد حجزت تذكرتين لمباراة النادي الذي يشجعانه. وفي بورسعيد حدث شغب كبير بعد انتهاء المباراة أثناء انطلاق الرصاص وتناثر الدماء كانتا بين الضحايا, لم يعرف أحد أكانت الدماء الطاهرة التي تحيطهما هي دماء أمينة أم دماء أوديت فقد وجدتا متعانقتين في محاولة كل منهما أن تفدي الأخري بروحها. المزيد من مقالات د. سامية الساعاتى