هنيئا للبابا شنودة بالفردوس الأبدي بعد أن جاهد الجهاد الحسن في الحياة الدنيا التي وصفها الكتاب المقدس بأنها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل, وانطبق عليه الكلام المقدس: نعما أيها العبد الصالح كنت أمينا علي القليل فأسقيمك علي الكثير, ادخل إلي فرح سيدك, وكان ذلك واضحا علي وجه البابا بعد موته, حيث بدا عليه الارتياح وكأنه في نوم عميق بعد مجهود شاق. إن انتقال البابا شنودة إلي أحضان القديسين هو استرداد السماء سفيرها علي الأرض, وإضافة لأفراحها, وهو الذي ترك الهموم التي كان مثقلا بها منذ جلوسه علي كرسي مارمرقس الرسول قبل أربعين عاما, شهدت تغيرات غير مسبوقة, كان أغلبها أثقالا تنوء بها الجبال احتملها هذا القديس في صمت كان حسب تعبيره أصدق من الكلام, وفي عصره أصيب الجسد المصري بأمراض تمزيق النسيج الواحد, التي بدأت بحرق كنيسة الخانكة وانتهت في آخر أيامه بمحاولة طرد المسيحيين من بيوتهم وبيع ممتلكاتهم في العامرية غرب الإسكندرية, مرورا بمئات الأحداث المشابهة التي كانت توجع قداسة البابا, إلا أنه كان يظهر غير ذلك ويتمسك بالإيمان الصحيح والتعايش مع الواقع بكل متغيراته. هذا الملاك الطاهر عاش إلي النفس الأخير مهموما بمشكلات المصريين التي كانت تأثيراتها تتعدي حدود مصر الحبيبة وتحدث دويا هائلا في كثير من بقاع العالم, وكل ذلك كان يحتويه البابا لأنه كان محبا للسلام والتعايش الأخوي وحريصا علي عدم النطق ولو بكلمة واحدة قبل أن يزنها ويعرف تأثيرها علي كل من يسمعها, ولكل هذه الفضائل التي أصبحت نادرة في هذه الأيام, بكاه كل المصريين وخرج الجميع لوداعه في مواكب مهيبة لأن البابا كان مصريا حتي النخاع فاستحق كل هذا التكريم.