تشهد العلاقات الامريكية الإسرائيلية توترا مصطنعا بين حليفين لم يعد لتحالفهما معنى بعد أن تأمركت المنطقة العربية ولم تعد تشكل خطرا على إسرائيل والمصالح الامريكية ويضطرد تراجعها حتي لغويا.ومن عجائب علاقاتهما أن امريكا التى تفاخر بتفردها ،حد النرجسية، بديمقراطيتها وبمركزية دور الرئيس وبمبدأ الفصل بين السلطات فى نظامها السياسى الذى يمنح السلطتين التنفيذية والتشريعية قوة الكبح المتبادل لمنع تغول أحدهما على الأخرى أنها تستثنى علاقاتها بإسرائيل من مبدأ الفصل بين السياسات. وفى سابقة هى الأولى من نوعها فى العلاقات الدولية تدعو سلطة تشريعية رئيس سلطة تنفيذية ليلقى خطاب عدم ثقة بسياسة بلادها. ياترى لو كان الرئيس الحالى أبيض البشرة واختلف مع رئيس وزراء إسرائيلى هل كان يمكن أن يحدث هذا التحدى المشترك لمقامه ولهيبة امريكا التى إن قالت للشيء كن فيكون وخاصة فى منطقتنا التى أنشأت فيها مؤخرا تحالفا دوليا بسرعة القهوة سريعة الذوبان ضد داعش. نيتانياهو حضر مؤتمر إيباك السنوى فى واشنطن الذى لايتخلف عنه رئيس وزراء إسرائيلى وكان حضوره هذا كافيا ويغنى عن إهانة رئيس الدولة الحليفة فى الكونجرس، والمؤتمر سوق للمزايدة فى دعم إسرائيل وتقديم أوراق اعتماد المذلّة لنيل رضاها فى الانتخابات التشريعية والرئاسية.نيتانياهو جعل من المؤتمر ومن الكونجرس منبرين يعلن منهما عدم ثقته بمصداقية حلفائه الذين يتفاوضون نيابة عن بلاده ومنهم امريكا التى قدمت لإسرائيل عشرين مليار دولار فى الست سنوات الأخيرة وحمتها فى نفس الفترة من مئات الانتقادات والقرارات فى الأممالمتحدة ومع هذا فواشنطن فى ذات اللحظة التى كان فيها وزير الخارجية كيرى يدافع عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان غير جديرة بثقتهالأنها غير مهتمة بأمنها المطلق الذى لاتتمع به امريكا نفسها وساذجة لاستسلامها للخداع الإيراني. مجموعة 5+1 ستوقع اتفاقا نوويا مع إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووى التى على عكس إسرائيل وقعت على معاهدة منع الانتشار النووى عام 1968 وتخضع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. أطراف التفاوض مع إيران ستة وكان يفترض أن يكون العرب هم الطرف السابع ومنهم أربعة من أخلص حلفاء إسرائيل وهم امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا.موقف نيتانياهو الذى أعمى صوابه جشعه للسلطة ورفضه للسلام يرى أن استقواءه باليمين الجمهورى سيدير دفة التفاوض إلى المسار الذى يريده ومن الآن حتى الانتخابات البرلمانية فى إسرائيل لن يتوقف عن اتهام الحلفاء بالاستسلام لإيران. وطبيعى أن للموقف الإسرائيلى علاقة بالتدليل الغربى والخنوع اللذين طالا أكثر من اللازم ونلحظهما فى الإكليشية الغربية الجماعية «لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها» لتبرير اعتداءتها الموسمية واليومية فى الأراضى المحتلة . إسرائيل مهووسة بأمنها الذى لايهدده أحد حتى إيران التى تخوض معارك أخرى فى المنطقة لن تدخل فى صراع عسكرى مع إسرائيل مهما كانت الأسباب. إن المشكلة تكمن فى أن إسرائيل تنظر إلى أى رئيس امريكى كضيف عابر يستحق ثناءها بمقدار قبوله لسياساتها، أما إذا قال أو فعل غير ما تريد فتنتظر غيره لكى يكون أكثر طواعية واستيعابا لدروس السلف وسيأتى وقت لايوجد فيه أدنى اختلاف بين سياسات ساكن البيت الأبيض ورئيس وزراء إسرائيل. فى يونيو 1989 قال مارتن انديك لدبلوماسيين عرب بمعهد الشرق الأدني، خزان تفكير إيباك،لاتركنوا كثيرا على البيت الأبيض لأن لدينا الكونجرس. وتحسبا لتقلبات مواقف الرؤساء راهنت إسرائيل على أعضاء الكونجرس وغسلت أدمغتهم وأحكمت اللجام على أفواههم وكتاب «من يجرؤ على الكلام» للسناتور بول فندلين وكتب غيره من الأكاديميين الناقدة لإسرائيل تكشف مواضع ضعف واشنطن القاتلة لنا . لقد قدم كل رئيس امريكى خدمات كبيرة لإسرائيل فجونسون كان متواطئا معها فى حرب 1967 وكارتر وبوش الأب خدماها الأول باتفاق كامب ديفيد والثانى بضرب العراق عام 1991 و لم يتمرد بوش عليها عندما تبنى موقفا معتدلا جدا من الاستيطان وحجب قروضا قال إنها لايجب أن تخدمه وقامت قيامة إسرائيل ليس بسبب وقف القرض ولكن لأنها ترفض أن تعامل الضفة كأرض محتلة. قال البروفسورالراحل إيان بروانلى أستاذ القانون الدولى بجامعة اكسفورد لطلابه عام 1974 أنه أرسل رسالة لصديق إلى القدس وكتب على الظرف «القدسالمحتلة» وأن الظرف عاد إليه ومكتوب عليه «القدس ليست محتلة».أما بوش الابن فقد أكمل سياسة كلينتون بتجويع العراقيين التى جزمت مادلين اولبرايت بأنهم يستحقون «لأنهم صفقوا لصدام» ثم احتل العراق وفككه وخلال الانتفاضة الثانية رفض شارون طلبه بالانسحاب السريع من جنين وماطل فى تنفيذ مشروعه بإعلان الدولة الفلسطينية فى سبتمبر 2005 التى أعلن قيامها فى الأممالمتحدة. أما اوباما فيفتت المنطقة ويغير خريطتها لصالح إسرائيل غير الراضية عنه. بعدبوش الأب لم يعد يجرؤ أى من رؤساء الترانزيت أن يربط بين المساعدات وبين الاستيطان وهكذا يتم ترويض إسرائيل للرؤساء حتى يتم التماهى الكلى بين مواقف العاصمتين. قادة إسرائيل لن يرضوا عن أى زعيم غربى يريد هامشا من الاستقلال لقناعتهم بأنهم زعماء ترانزيت حتى ولو تصهينوا ولبسوا الكيباه اليهودية قبيل تسلمهم مناصبهم. وتحت سوطى الإعلام واللوبى الصهيونى وسطوة الكونجرس تحصل إسرائيل على ماتريد ومالا يأتى فى عهد هذا تحصل على أكثر منه من الخلف .أما النخبة الامريكية فمد جّنة وخائفة من تهمة العداء للسامية لذلك يندر وجود ناقدين لإسرائيل أما ناقدوها من اليهود فتسميهم ب«اليهود كارهى أنفسهم» . لقد بلغ تحدى نتانياهو لاوباما حد أنه لم يكلف نفسه بإ رسال« علم وخبر« عن زيارته وهو يتحداه لأنه يشعربأنه أقوى منه فى امريكا نفسها. لم يحدث فى تاريخ العلاقات الدولية سابقة توجيه رئيس سلطة تشريعية دعوة لرئيس سلطة تنفيذية والأدهى أن هذا يحدث بين حليفين ضاعت ولا أقول ضاقت بينهما القيود والحدود الدبلوماسية واعتبارات احترام السيادة. ثالث الأثافى هو القضاء الامريكى وهو منحاز لإسرائيل وقريبا رفعت قضية على السلطة الفلسطينة وحكم للمدعين ب 260 مليون دولار لتعويض امريكيين قتلوا فى الضفة الغربيةالمحتلة أثناء اشتباكات استخدمت إسرائيل فيها القوة المفرطة. القضاء الامريكى لم يحمل الاحتلال المسئولية كسبب وكنتيجة ولم يقل أن الضحايا مزدوجى الجنسية ويقاتلون مع المحتل ويدعمون استيطانا غير مشروع يخالف اتفاقية جنيف الرابعة.قبل عشرسنوات قتل إسرائيلى بجرافة امريكية المواطنة الامريكية راشيل كورى وهى تحاول منع هدم بيت فلسطينى على سكانه وتجاهل القضاء والخارجية الامريكيين قضيتها. لقد تمت صهينة الفكر الغربى برباط لاينفك بقيم ذات مرجعية دينية بحتة تسمى «اليهو- مسيحية» ولأنها تخدم إسرائيل فلا اعتراض عليها كمرجعية فى مجتمعات علمانية تفصل بين الدين والسياسة. الغرب هو وحده من يمد إسرائيل بذخيرة مقاومة السلام ورفض الانسحاب وتعد الهجرة أحدها مع أن دوافع بعض اليهود اقتصادية بحتة. هذه الهجرة يجب أن تتوقف بقرارملزم من الأممالمتحدة وتحظر حتى إلى داخل إسرائيل 1967 حتى يتحقق السلام والعدالة للفلسطينيين. بدون ذلك ستظل إسرائيل هى الحقيقة الثابتة وغيرها عابر وطوع إرادتها وفى خدمة استيطانها ولا بارقة أمل فى السلام. لمزيد من مقالات على محسن حميد