ليس من السهل الكتابة عن اليمن فى أيامه الكئيبة هذه نظرا لسرعة وتيرة التغيرات فيه خارج المؤسسات والحوار والتوافق. إن مايجرى يزيد من عدم الاستقرار ويضعف الثقة بين الفرقاء ويدمر ماتبقى من وحدة النسيج الوطنى التى لم ينجح الرئيس السابق صالح فى تفتيتها. كان لبنان مضرب المثل فى التعايش الطائفى وكنا فى اليمن مثله تماما ولكن لكل شئ جميل عند العرب نهاية للأسف. لقد مرت شعوب أخرى بمثل ما يمر به اليمن من اضطرابات ولكنها »خرجت إلى طريق« كما نقول فى اليمن، ومن المبكر القول بأننا لا نرى حتى الآن إلا سرابا. لقد عشنا قرابة ثلاث سنوات ونحن نتحاور لبناء يمن اتحادى جديد تنتهى فيه كل مظالم الماضى ومستقبل تصنعه كل الأطراف بعد أن اكتوينا بانفراد صالح بالسلطة باسم قيم ومثل كبرى ثم فجعنا بمن يريد العودة بنا إلى السيرة الأولى لكى نبدأ من أول السطر لأنه يظن أن لديه قدرات خارقة تربع الدائرة. الثورة الشعبية التى قامت عام 2011 ضد صالح كان من أسبابها انفراده بالسلطة وكانت سلمية لأن ثوارها لم يريدوا أن يسيروا فى طرق صالح الدموية وهذا درس على أنصار الله أن يعوه . ولهذا السبب وغيره انتفضت غالبية الشعب ضد نسفهم بالقوة للمرحلة الانتقالية وتوافقاتها وهذا لا يعنى نكران وجود قوى سئمت وتعبت وتريد الخروج من الحلقة المفرغة ومن التدهور المستمر فى مستوى المعيشة وعدم الاستقرار بأى ثمن وعلى أيدى أى طرف لأنها لم تعد قادرة على الصبر وهى ترى حلمها فى التغيير يتهاوى يوما بعد يوم. من جهة ثانية هناك من يرى أن ثورة اليمن ليست استثناء بين الثورات وأنه لكى يقام نظام سياسى سليم لابد من بعض العراك والدماء والتضحيات لأن بريطانيا لم تعرف ديمقراطيتها الحالية بالحوار وحده بل بالصراعات والحروب وأن الثورة الفرنسية لم تجسد مبادئها الثلاثة إلا بعد صراعات دامت أكثر من قرن كانت تحكم خلاله من قبل حكومات أقلية أغلبها كان عمرها أقل من ستة أشهر. ولكن ينسى هؤلاء أن عدم الاستقرارفى فرنسا لم يوقف عجلة الانتاج والبحث العلمى والاختراعات والتوسع الاستعمارى وأن الصراع كان سياسيا بحتا ولم يلق بظلاله على الأهداف الكبرى لفرنسا وخاصة الاستعمارية منها خشية أن يتقاسم الاستعمار الهولندى والبريطانى والبرتغالى العالم وثرواته فى غيابها. ذكر كاتب مصرى عاش فى ستينيات القرن الماضى فى اليمن فى مذكراته بأن اليمن يحتاج إلى أكثر من ثورة لعمق وشمول تخلفه ولكن لم يدر بخلده أن ثورة واحدة تكفى لو أحسن الثوار إدارتها ولم يوجدوا أسبابا لانقلابات وثورات تالية. إن اليمنيين يعرفون طريقهم إلى المستقبل الذى لامكان فيه لدولة ثيوقراطية أو قبلية أو عسكرية أو طائفية وأنه لانجاة لهم من الانقسامات إلا بإنشاء دولة مدنية حديثة وديمقراطية واتحادية وأن أى طرف مهما امتلك من القوة لن يستطيع أن ينوب عنهم أويخدعهم. لقد صدّق اليمنيون أنفسهم بأن ثورة شبابهم فى فبراير 2011 ضد »لانظام » صالح لن تهزم ولم يدركوا أنهم ليسوا وحدهم أصحاب الحق فى تقرير مصيرهم لأن هناك مصالح أجنبية يسوؤها أن يستقر اليمن وأن يخطو إلى الأمام. لقد أصبح اليمن فى قلب الأحداث منذ سبتمبر 2014 وحتى اليوم ليس لأنه يصنع المعجزات ولكن لأن أنصار الله الذين لم يعترض أحد فى داخل اليمن أوخارجه على مشاركتهم فى الحوار الوطنى ثم فى السلطة لاحقا خيبوا آمال الغالبية الساحقة من اليمنيين بتصرفاتهم غير العقلانية التى بدأوها فى 21 سبتمبر باسم الثورةالشعبية وانتهاء بإجبار الرئيس هادى والحكومة على الاستقالة فى 21 يناير . كان 21سبتمبر بداية تغول وبعثرة العمل المشترك برعاية الأممالمتحدة ومؤشر على دخول نفق جديد لايبدو أن الخروج منه سريع لأن أنصار الله يتعاملون مع الغير تعاملا إيديولوجيا كرساليين وليس كسياسيين. لقد نجحوا فى أن يجعلوا من أنفسهم بعبعا مخيفا ولعبت ، ولاتزال ، فضائيات عربية متناقضة الولاءات فى التخويف منهم، وهم لقصر تجربتهم السياسية وثقتهم العمياء بأن مايعملونه هو الصواب بعينه لأنهم يطبقون تعليمات قائد المسيرة القرآنية جعلهم لايدركون قوة الرأى العام المحلى والعربى وأهمية التوضيح أونفى مايقال عنهم بأنهم :1- يريدون إعادة حكم الأئمة إلى اليمن و 2 - يمثلون مصالح إيران و3 أنهم ينتمون إلى المذهب الشيعي. لاشك إنهم يدركون أن اليمنيين لن يقبلوا وجودا أو وصاية أجنبية مهما كانت وأنهم تغاضوا عماحدث فى 21 سبتمبر لأن تحسين الوضع الاقتصادى للمواطن وليس الإقصاء كان غايتهم ولأن الشراكة الوطنية استمرت . ولكن ماحدث فى 21 يناير باستقالة الرئيس هادى ثم حصاره هو والحكومة أثار التخوفات ثم أدى إلى نفض اليد من حوارلايمكن أن يتواصل تحت تهديد السلاح والتخوين وثقافة محاكم التفتيش. لقد بدأت أطراف تدرك أن الشراكة بالنسبة لهم شعارا وتكتيكا. أما بعد 21يناير فقد غاب الرشد وفلت الزمام لأنهم توهموا بأنهم يستطيعون التفرد بالسلطة المقسمة الأن بين رأسين وفى عاصمتين. هم لايعون أيضا بأنهم قدموا للوردات الحروب ولأعداء الوحدة اليمنية هدية ثمينة على طبق من فضة فالأول يقتاتون على الحروب والآخرون لايريدون يمنا موحدا وقويا ويتطلعون إلى قضم بعض أطرافه التى طالما تاقوا إليها لأهميتها الاستراتيجيه ولدفن مبدأ الوحدة إلى الأبد. ومع القبول بنكسة أصابت العمل السياسى فلايزال فى الوقت متسع ليرجع أنصار الله عدة خطوات إلى الوراء قبل أن تحل الكارثة بهم وباليمن كإلغائهم الإعلان الدستورى وحل اللجنة الثورة العليا واللجان الشعبية والثورية وسحب قواتهم من العاصمة وعدم مزاحمة القوات المسلحة والأمن فى واجباتها كمحاربة القاعدة التى هى من مهام الدول وحدها لأن الكثير رأوا فى اقتحامهم لمعاقلها رغم تضحياتهم الكبيرة له بعدا مذهبيا أكثر منه عملا وطنيا. أما الرئيس هادى والقوى السياسية التى اختلفت معهم وأوقفت مشاركتها فى الحوار فعليها تقديم جزرة لهم بالاعتراف بأن اتفاق السلم والشراكة لايزال إحدى مرجعيات الحوار . هذا الاتفاق لايمكن التنصل منه لأن الأممالمتحدة ومجلس التعاون الخليجى والجامعة العربية ورعاة المبادرة الخليجية والحكومات العربية التى تهتم بالشأن اليمنى اعترفت به. ويهمنى هنا أن أعرج على موضوع التشيع حيث نجحت فضائيات عربية عديدة وكتابات صحفية فى إقناع جزء كبير من العرب بأن أنصار الله شيعة وإذا ما قلت لا، إنهم زيود ومنهم شوافع وربما إسماعيلون وأن الزيدية أقرب إلى السنة منها إلى الشيعة فلا يريد البعض أن يبذل أى جهد ليعرف الفرق بين الزيدية والإثنى عشرية . إن خطورة ذلك هو شرعنة حرب طائفية يرشحها البعض لنا ونحن لانريدها.ولذلك يجب تجنيب اليمن الوقوع ضحية سياسة غير بريئة تهدف إلى تسويق الحرب وتسهيل قبول الرأى العام لها دفاعا عن أغلبية سنية مستهدفة من شيعة اليمن عملاء إيران إن الصراع فى اليمن ليس طائفيا بل سياسيبدليل أن اليمنيين لايرونه كذلك وأن السعودية السنية تحالفت مع إيران الشيعية فى الستينيات لدعم أئمة اليمن الزيود ضد ثورة سبتمبر اليمنية السنية. لمزيد من مقالات على محسن حميد