فى محاضرات عديدة فى لندن كان الراحل البروفسور فرد هاليدى أستاذ العلوم السياسية فى كلية لندن للاقتصاد ثم فى جامعة برشلونة يضع اليمن مع أربع حضارات قامت فيها دول قديمة وهى مصر والصين وإيران والعراق . وفى إحدى كتاباته قال لمن كانوا يخافون من اليمن الجنوبية إن ميزانية هذه الدولة لاتتجاوز رأسمال شركة بريطانية صغيرة. كانت تلك الجمهورية ،جمهورية شعبها لاحكامها، وكانت مهيبة الجانب داخليا وخارجيا برغم صراعات حكامها الدموية. أما جمهوريتنا فى الشمال فقد تلاعب بها قادتها اللاجمهوريون باستثناء رمزها الشهيد إبراهيم الحمدي. اليمن منذ 1962 يثير قلق هذا وذاك لأنه ليس على هامش التاريخ ولا الجغرافيا. ومهما تكن أحوال اليمن وماتثيره أوضاعه من قلق لدى الآخرين عربا وغير عرب فإن مايمر به الآن مرت به شعوب أخرى وسرعان مايلتئم شمل بنيه من صعدة حتى سقطرة.صعدة التى تقلق كثيرين ومنهم السيدان فؤاد السنيورة وعمرو موسى كاتبا مقال «تفكك اليمن والخطر على الأمن العربى» المنشور فى الأهرام الخميس الماضى يشكل سابقة فى الكتابات الصحفية كونهما ليسا صحفيين محترفين كهيكل أو فريدمان مما قد يثير التباسا بين النظر إليه كمقال أو كإعلان سياسي.استفاد الحوثيون بعد سقوط نظام صالح من ضعف الدولة خلال المرحلة الانتقالية وزحفوا جنوبا حتى أطبقوا على صنعاء فى 21 سبتمبر2014. لقد قيل كثيرعن تبعية الحوثيين لإيران لتخويف السعودية التى تحاددها صعدة ولم يقل شيئا عن السيدعلى سالم البيض المدعوم من إيران الذى يريد فصل جنوب اليمن عن شماله وتبث قناته «عدن لايف» من جنوبلبنان مثل قناة أنصار الله «المسيرة». الأمر الثانى البعيد عن الاهتمام هو عودة رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب الحر (رابطة أبناء اليمن سابقا) السيد عبد الرحمن الجفرى قبل بقبل قبل أيام إلى عدن من الرياض وليس من القاهرة حيث يقيم لدعم انفصال الجنوب. هذان الأمران الخطيران لم يثيرا قلق السيدين السنيورة وموسى على وحدة اليمن. إن أنصار الله مكون وطنى لم يأت من الفضاء وشريك فى العمل السياسى بموجب وثيقة الحوار الوطنى واتفاق السلم والشراكة الوطنية الموقع فى 21 سبتمبر وإذا اعتبر نفسه ممثلا لمصالح أجنبية فإن عمره السياسى سيكون قصيرا. ملاحظاتى على المقال: 1- عنوانه «تفكك اليمن والخطر على الأمن القومى العربى» لم يسبقه إليهما أكبر المتشائمين حول وضع اليمن ومستقبله، ويبدو أن مراجع الكاتبين الثانوية عن اليمن هى السبب فيما كتبا لأنهما استندا كما قالا إلى «الاستفهام من اليمنيين الذين نعرفهم». وهذا غير كاف للجزم بتفكك اليمن وأنه سيشكل خطرا على أشقائه. 2- لايتآمر على الحوار فى اليمن من أطرافه سوى على عبد الله صالح وكان ينبغى عليهما توجيه إصبعيهما نحوه وحده باعتباره المستفيد الوحيد من فشل الحوار ومن سير اليمن على سكة الاستقرار والديمقراطية 3- من مشاكل المصادر الثانوية والشفهية خلق مطبات مثل القول بحدوث اقتتال بين فرق الجيش ووقوف بعضه إلى جانب أنصار الله لأن الجيش فى صنعاء وغيرها لم يقاتل بعضه بعضا ولم يقف إلى جانب أنصار الله لأن ضعفه وتعدد ولاءاته جعله يؤثر السلامة ولم يسلم قطعة سلاح واحدة ل «المتمردين»!.لقد أصدر الرئيس هادى تعليماته لقوات فى عمران فى مارس بصد الحوثيين ولكن ولاء تلك القوات كان لصالح ولم تنفذ التعليمات مما حدا بالقيادة العسكرية عدم تكرار تجربة عمران ، والصحيح هنا هو تواطؤ صالح مع أنصار الله من عمران إلى صنعاء. 4- قارن الكاتبان مقارنة غير نزيهة بين اتفاق السلم والشراكة فى اليمن الذى ينفذ وإن كان ببطء وبين اتفاقات معقودة مع حزب الله بعد سيطرة مسلحه على بيروت فى 7 مايو 2008 وإذا كان للسيد السنيورة قضية مع حزب الله فماهى قضية السيد موسى مع أنصارالله. 5 - ذكر الكاتبان أن خطر الحوثى أكبر من خطر عودة صالح وفى هذا الشأن لايشاركهما غالبية اليمنيين فيما ذهبا إليه ولو عاشا كيمنيين فى عهد صالح لغيرا رأييهما. صالح ثار عليه الشعب لأنه شن حربا على الجنوب وستة حروب فى صعدة وأفقر الشعب وأغنى نفسه وفى عهده قال رئيس وزراء إذا لم نغتن فى عهده فلن نغتنى أبدا. 6- صعود المذهبيات لم يبدأ فى اليمن فى عام 2004 تاريخ أول حرب شنها صالح فى صعدة كما جاء فى المقال لأن الحرب المذهبية الباردة والساخنة والتكفير بدأهما حزب الإصلاح قبل هذا التاريخ بكثير فى تمدده واستهدافه للمذهب الزيدى ثم تبعه السلفيين فى معهد دماج بصعدة - كرسى الزيدية - مما عدّ استقزازا متعمدا للزيود طال صنعاء وغيرها عندما كان السلفيون والوهابيون يستولون على مساجد زيدية ويطردون أئمتها. 7- اليمن عصى على التفكك لأن المذهبين الشافعى والزيدى متعايشان ومتقاربان كثيرا والزيدية أقرب المذاهب إلى المذهب السنى وهى سنة الشيعة وشيعة السنة ، أى أنها تجسد الوجدان المصرى عقل سنى وقلب شيعى ، وأتباعهما يصلون فى نفس المسجد ويتزاوجون وهويتهم وطنية وليست طائفية. المشكلة فى اليمن كانت فى حكم الأقلية الزيدية لألف عام الذى كان يجب تصحيحه عام 1962. صالح كان يعرف أنه آخر رئيس زيدي 8- من مجافاة الحقيقة والبعد عن الواقع القول بأن الشعب اليمنى مهدد بين إرهاب الحوثى وإرهاب القاعدة .وهنا يبدو أن الصورة اليمنية غير واضحة لأن الحوثيين شركاء اليوم فى صنع القرار وفى قلب عملية التحول السياسي. وقد رفض الامريكيون رسميا خلال الحروب الستة طلب صالح وصفهم بالإرهابيين وقريبا قد يحدث حوار امريكى معهم يزيل بعض الغشاوات ويبدد المخاوف 9- لم يكن متوقعا أن يشيد الكاتبان بحرب 1994 ضد الجنوب لأنها كانت حربا من أجل السلطة والتسلط والثروة النفطية الجنوبية وليس الوحدة ولأنها أدت إلى ضعف الدولة وتحويلها إلى دولة شبه فاشلة ووضعت بذور الحركة الانفصالية فى الجنوب. 10- لاقلق على أمن باب المندب والانتماء العربى لليمن، وأصل العرب لن يستقووا بصديق بعيد ضد جار شقيق قريب يحتاجونه ويحتاجهم ولن يفكروا مطلقا بإلحاق أى ضرر بمصالح مصرالأمنية والاقتصادية وهم يحملون دينا أبديا لمصر التى ساعدت ثورتهم وضحت بالدم والمال من أجل نصرة جمهوريتهم وهم كتجار وبحارة ماهرون يعرفون لغة المصالح جيدا، ولو طلبت مصر وجودا عسكريا لها فى باب المندب لما ترددوا فى رأيى بقبوله لأنه يخدم أمنهم أيضا .أما إيران فسيبقى اليمن علاقته بها فى حجمها الطبيعى وبما لا يضرب الأشقاء وأخيرا بدلا من اقتراح مالايمكن تحقيقه كتوسيع مفهوم الدفاع العربى المشترك تمنيت لو حث الكاتبان دول الخليج على تقديم دعم مالى فورى اليمن للتغلب على تركة صالح الثقيلة وليبدأ بإصلاحات هيكلية شاملة تمكنه من زيادة الاعتماد على النفس ولكى لا نبكى فيما بعد جميعا على اللبن المسكوب. لمزيد من مقالات على محسن حميد