إلى القلقين من تطورات اليمن فى مصر وخارجها

تثير تطورات الوضع فى اليمن قلق كثيرين فى مصر وخارجها. بعض القلقين لالوم عليهم لأن الخريطة السياسة وموازين القوى تغيرت فى 21 سبتمبر لصالح شراكة وطنية متفق عليها بين جميع أطراف العملية السياسية بما فيها الخصمان اللدودان الإصلاح (الإخوان) والحوثيون (أنصار الله) .
بعض القلق ناتج عن فقدان بلد راهنت عليه جماعة سياسية منذ أربعينيات القرن الماضى ولتحقيق هذا الرهان خططت وشاركت فى انقلاب 1948 الذى أودى بحياة الإمام يحيى وحل محله إماما دستوريا لم يمكث فى الحكم سوى 17 يوما. الرهان على اليمن لم يتوقف وقد استغلت هذه الجماعة تدهور العلاقات المصرية السعودية بسبب موقف البلدين المتعارضين من ثورة اليمن عام 1962 وإسقاط النظام الملكى بحشد القوى القبلية ضد الوجود المصرى تحت مسمى ترشيد العلاقات مع مصر ورفض التدخل المصرى فى الشئون الداخلية اليمنية وكان للشاعر محمد محمود الزبيرى والسيد عبدالمجيد الزندانى صاحب «جامعة الإيمان»! التى تثار حولها العديد من الأسئلة لافتقارها إلى مقومات العملية التعليمية السليمة والشفافة والانحياز إلى مستقبل اليمنيين دور فى استقطاب بعض المشايخ القبليين البارزين كالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وقوى أخرى فجعها سوء إدارة البلاد بعد 1962ولكنها غفلت عن إدراك أن مصر لايمكن أن تكون شريكة فى القتال ضد الملكيين المدعومين من الخارج وأن تترك القرار العسكرى على وجه الخصوص بيد قيادة يمنية انفرط عقدها منذ الشهور الأولى للثورة.
كان الشعب اليمنى فى مجمله يقف مع الثورة ولايعيب على مصر سياستها فى اليمن ولكن هذه القوى واصلت جهودها ضد مصر بمساعدة قبلية بعضها جمهورى كالشيخ الأحمرالذى تطور موقفه من تأييد الدور المصرى إلى معارضته ثم قيادته لحزب الإصلاح. بعض القلقين فى مصر وخارجها معذورون لفداحة خسارة اليمن بعد خسارة مصر. ماحدث فى 21 سبتمبر تطور إيجابى لو نفذ بنزاهة عندما تم التوقيع على اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» والمعنى والمغزى واضح فى التسمية
البعض غاضب لماحدث رغم حبه لليمن ويصفه ب «النكبة» أويساوى بين داعش والحوثيين والبعض الآخر يخشى على السعودية أكثر من خشيتها هى على نفسها.كل هذا يعبر إما عن ألم لخسارة بلد كان ناضجا للقطاف ولاحتضان أول تجربة للإسلام السياسى فى الجزيرة والخليج وهذا الأمر يثير قلقا لدى الخليجيين لايقل عن قلقهم عمن يعتبرونهم صوابا أو خطأ وكلاء لإيران. اتفاق 21 سبتمبر يؤسس لشراكة وطنية شاملة هى الأولى من نوعها فى اليمن ولا يحل قوة سياسية محل أخرى وقد مهد لهذه الشراكة مشاركة الحوثيين فى مؤتمر الحوار الوطنى الذى كان أداؤهم فيه جيدا بشهادة أطراف يمنية وغربية وفيه لم يبدوا أى تشدد أو يعبروا عن مصالح طرف خارجي. البعض يقلق من دور إيرانى فى اليمن يزعج السعودية على وجه الخصوص ويؤذيها وفى هذا الصدد لايمكن لليمنيين سلطة وشعبا أن يقبلوا بالإضرار بمصالح السعودية وبأمنها أو أن يكون اليمن شوكة فى خاصرتها لأن استقرار اليمن ووحدته وتقدمه يعتمد جزئيا على علاقات طيبة ومتميزة ومتكافئة مع السعودية وهم لم ينسوا خطيئة الرئيس السابق صالح وموقفه من احتلال الكويت عام 1990 الذى تسبب فى طرد مليون و300 الف يمنى من دول الخليج.
وفى كارثة اقتصادية وتدهورطال أمده فى العلاقات مع السعودية ومع دول خليجية أخرى لانزال ندفع ثمنه حتى اليوم. واليمنيون لايمكن أن يقايضوا القريب بالبعيد وتجربة حزب الله فى لبنان غير قابلة للتكرار فى اليمن لسببين. أولهما أن أنصار الله لايعبرون عن غالبية أتباع المذهب الزيدى وثانيا أن الزيود أقلية فى اليمن (ثلث السكان) ومذهبهم بشهادة الأزهر الشريف أقرب إلى المذهب السنى منه إلى المذهب الإثنى عشري.المذهبان السنى والزيدى. تعايشا ولم يتصارعا وكان المأمول أن يحدث انتقال إلى حكم الأغلبية بعد ثورة 1962 ولكن حكم الأقلية استمر بأشكال أسوأ مما كان عليه الحال قبلها. أنصار الله ليسوا ملائكة وقد ارتكبوا أخطاء يتصيدها البعض لتخويف قوى فى الداخل والخارج وعليهم ولمصلحتهم عدم استفزاز حزب الإصلاح فى الدرجة الأولى، هذا أولا, ثم ثانيا تغيير تسميتهم هذه لأن كل اليمنيين أنصار الله وكانوا أنصار نبيه (صلى الله عليه وسلم) قبل كيانهم هذا, وثالثا عليهم تجنب إغواء وإغراء نداء القوة والغلبة لأنهما مؤقتان, ولأن اليمن لقمة كبيرة لايستطيعون بلعها ثم هضمها. ورابعا عليهم عدم تكرار خطيئة غيرهم بخلط الدين بالسياسة وأن يقلعوا عن تسمية زعيمهم عبد الملك الحوثى ب «قائد المسيرة القرآنية» وب «السيد» لأن نبينا الكريم يعرف باسمه فقط وكذلك آل البيت.
لقد تحفظ اليمنيون وهم شعب معتدل يمقت التطرف على تسمية الزندانى ب «الرّبانى» ولن يقبلوا من الحوثى أى تسمية دينية تتعارض مع مبادئ الدولة المدنية التى يقولون أنهم يريدون الإسهام فى بنائها. الحركة الحوثية حركة شابة ومندفعة وقد ارتكبت أخطاء بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية أضعفت هيبة الدولة وتتناقض مع اتفاق الشراكة وعليها وضع يدها فى يد بقية القوى بدون استثناء لبناء يمن جديد بدون إقصاء وألا تغريها نشوة النصر بما قد يعود بالضرر عليها لأن خصومها كثر ومنهم القاعدة التى بدأت فى اغتيال عناصرها قبل وبعد توقيع اتفاق الشراكة فى صنعاء وفى محافظة صعدة نفسها. وإذا كانت الأطراف التى وقعت اتفاق السلم والشراكة حريصة على وحدة واستقرار اليمن فعليها كلها تنفيذ الاتفاق وعدم خرقه أو التلاعب به وتسهيل دور الرئيس عبد ربه منصور هادى والحكومة القادمة فى رعايته وتنفيذه, وإلا فإن مصير اليمن ومصيرها إلى خسران كبير، واليمن من كل النواحى لايحتمل المزيد من الكوارث التى خلفها نظام صالح فى الجنوب وصعدة وفى كل مناحى الحياة.
لمزيد من مقالات على محسن حميد