كان يجب علي نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل ان يبدأ حملته للانتخابات المقررة في مارس المقبل، من الخارج حيث شهد قبل أسابيع قليلة موجة كبيرة من تأييد البرلمانات الأوروبية لإقامة دولة فلسطين، ومن توجه عام ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تعمل علي اقامة مستوطنات غير شرعية في اراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية. كما تتوقع تقارير من الخارجية الإسرائيلية بتزايد الفجوة بين إسرائيل وأوروبا، التي بدأت مخاوف من ان تطبق سياسات ضد المصالح الإسرائيلية مثل منع استيراد محاصيلها التي زرعت في المستوطنات غير القانونية. بل ومطالبة إسرائيل بدفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بالمشاريع الأوروبية التي تعمل في الاراضي الفلسطينية. لذا كان يجب ان يقوم نتانياهو بحملة قوية لاستعادة مكانته في أوروبا وامريكا حتي ولو كان غير مرحب به. كانت أولي خطواته في باريس حيث جاءته مذبحة شارلي ابدو فرصة غير متوقعة استطاع استغلالها الي اقصي درجة. فدعا نفسه لحضور المسيرة الحاشدة والسير كتفا بكتف مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. وذلك بالرغم من ان الرئيس الفرنسي أوضح له بلا مواربة الا يحضر المسيرة حتي لا يقحم المسألة الفلسطينية علي الفكرة الرئيسية التي من اجلها نظمت المسيرة وهي الوحدة الأوروبية في مواجهة الإرهاب. ولكن نتانياهو جاء الي باريس وشارك في المسيرة، وفرض نفسه في الصف الأول مبعدا رئيسا من افريقيا ليأخذ مكانه بالقرب من الرئيس الفرنسي. بل وذهب الي حد ان حول الحادث الذي هز فرنسا واعتبر عملا ضد الديمقراطية وحرية التعبير، الي عمل معادي للسامية، فركز الأضواء علي الهجوم الذي وقع علي متجر للطعام اليهودي، وربط بين ما تتعرض له أوروبا مع ما تعانيه إسرائيل من إرهاب؛ وطالب أوروبا بان تساند إسرائيل في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب مثلها تماما. بل وذهب الي حد انه مارس ضغوطا شديدة علي عائلات ضحايا المتجر اليهودي حتي يوافقوا علي دفن ذويهم في إسرائيل وليس في فرنسا، فتقيم لهم إسرائيل جنازة كبيرة ويحذر نتانياهو يهود فرنسا من تزايد معاداة السامية في أوروبا ويدعوهم الي الهجرة الي إسرائيل؛ نفس الدعوة التي كان يرددها ارييل شارون قبل اكثر من عشر سنوات، ولكن كان يرفضها يهودو فرنسا. ثم وجه نتانياهو حملته الي الولاياتالمتحدة. فقد ضغط من اجل ان يحصل علي دعوة من الكونجرس الامريكي ذي الأغلبية الجمهورية، لكي يوجه خطابا الي مجلسي الكونجرس في جلسة مشتركة، في الشهر المقبل، وقبل الانتخابات الإسرائيلية لتقديم موقف إسرائيل من العقوبات ضد ايران، وهي القضية التي تضع الهيئة التشريعية في مواجهة مع الهيئة التنفيذية الامريكية؛ ولكن الأهم ان الدعوة وجهت بدون المرور بالبيت الأبيض، برئاسة الديمقراطي، وهو ما اعتبر «صفعة» علي وجه الرئاسة الامريكية لان البروتوكول الدولي يفرض علي رئيس هيئة تنفيذية في دولة ما ان يتصل بنظيره في الدولة الأخري في حالة ما كان يريد ان يزورها. ولكن نتانياهو تجاهل هذا البروتوكول. ومن جانبه أوضح الرئيس الامريكي انه لا ينوي مقابلة رئيس الحكومة الاسرائيلي. في الحالتين، الفرنسية والأمريكية، يقامر نتانياهو بمستقبل حكومته وحزبه؛ فقد يكسب نتانياهو شعبية جديدة لحزبه، ولكن الواقع يشير الي انه بالتأكيد خسر شعبية في باريس، سواء مع المسئولين او الطائفة اليهودية هناك، فلم يرحب الرأي العام الفرنسي ولا الرأي الرسمي هناك، بمحاولة نتانياهو تحويل مسألة فرنسية/أوروبية الي قضية إسرائيلية/يهودية، ومن حادث يشهد علي معاداة حرية التعبير والرأي الي حادث يشهد علي معاداة السامية. وفي واشنطن، يتساءل الخبراء هل يستطيع نتانياهو تحمل عداء رئيس الهيئة التنفيذية الامريكية له، خاصة وان أوباما أوضح تماما انه لازال امامه عامين علي انتهاء مدة رئاسته الثانية؟