كان من أكثر المشاهد اللافتة فى التظاهرة الرافضة للإرهاب بالعاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع الماضى، مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» إلى جانب 50 من قادة العالم، فلم يتوقع أحد أن يشارك نتنياهو فى مسيرة ضد الإرهاب، وهو الذى ارتكب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، وكان مسئولا عن مقتل 17 صحفيا فلسطينيا فى غزة العام الماضى، ولم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلى بالمشاركة فقط، بل سعى بإصرار غريب على التواجد ضمن الصف الأول للزعماء المشاركين فى المسيرة، على الرغم من إدراجه وفق قواعد البروتوكول الفرنسية فى الصف الثانى، ليثير غضب واستنكار الجميع، بمن فيهم الصحف الإسرائيلية التى وصفت تصرفاته بالبعيدة عن اللياقة والإتيكيت الفرنسى، وأقرب إلى الفوضوية. ولم تقتصر الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلى فيما يتعلق بمزاحمته للقادة حتى يصل للصف الأول فقط، بل أيضا بسبب تصريحاته التى طالب فيها يهود فرنسا بالعودة إلى إسرائيل، عقب حادث المتجر اليهودى، حيث قال نصا « إلى كل يهود فرنسا ويهود أوروبا، أقول إن إسرائيل ليست فقط المكان الذى تتوجهون إليه للصلاة، بل دولة إسرائيل هى وطنكم»، ليرد عليه « مانويل فالس» رئيس الوزراء الفرنسى قائلا « إن فرنسا بدون يهود فرنسا لا تكون فرنسا». وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلى قد نجح فى استغلال هذا العمل الإرهابى لصالحه، فإن الصحف الإسرائيلية لم تفوت الفرصة هى الأخرى، فاستغلت الحادثة لاستفزاز مشاعر المسلمين، حيث قامت صحيفة « يديعوت أحرونوت» بإعادة نشر الكاريكتير المسىء للرسول y، والذى نشرته مجلة «شارلى إبدو» عام 2006. واهتمت العديد من الصحف العالمية فى سياق تحليلاتها لمذبحة شارلى إبدو، والهجوم على المتجر اليهودى فى باريس، بمناقشة قضية استغلال قادة إسرائيل للموقف، وفى هذا السياق نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تصريحات نتنياهو التى ذكر فيها بأنه يرغب فى إخبار كل يهود فرنسا وأوروبا بأن إسرائيل هى وطنهم، وذكرت الصحيفة الأمريكية أن القادة الإسرائيليين اتهموا أوروبا بأنها سمحت بصعود خطير فى العداء للسامية، وأن هذا أدى لمعاناة اليهود فى القارة الأوروبية ليس فقط من العداء، بل أيضا الهجوم الصريح، ونقلت الصحيفة عن « يائير لابيد» وزير المالية الإسرائيلى السابق قوله إن اليهود يتم اغتيالهم لأنهم يهود، والمفكرون يتم قتلهم لأنهم مفكرون، والأوروبيين بدأوا يفهمون أنه لا يمكن أن يكون هناك تسوية مع الإرهاب والعنصرية ومعاداة السامية، مضيفا أنه على اليهود الأوروبيين أن يفهموا أن هناك مكانا واحدا فقط لليهود وهو دولة إسرائيل، واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول بأن يهود فرنسا يقدر عددهم ب600 ألف، ويشكلون أكبر جالية يهودية فى أوروبا، والثالثة فى العالم بعد إسرائيل والولايات المتحدة. من ناحية أخرى، تحدث عدد من وسائل الإعلام عن أن حضور نتنياهو لمسيرة باريس كان من أجل أغراض انتخابية، حيث تشهد إسرائيل انتخابات مبكرة فى 17 مارس المقبل، وذكرت القناة الثانية الإسرائيلية أن فرنسا كانت تفضل عدم مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى المسيرة، خشية إثارته بعض الإشكاليات، وذكرت صحيفة « هآرتس» الإسرائيلية أنه عندما بدأت فرنسا بإرسال الدعوات لحضور التظاهرة، قام مستشار أولاند الدبلوماسى بإبلاغ « يوسى كوهين» مستشار نتنياهو للأمن القومى أن الرئيس الفرنسى يفضل عدم حضوره، فوافق نتنياهو فى البداية، لكنه عندما علم بذهاب وزير الخارجية ليبرمان ووزير الاقتصاد بينيت لباريس للمشاركة فى التظاهرة، قام بإبلاغ الفرنسيين بحضوره، ويقود ليبرمان وبينيت حزبين يمينيين ينافسان حزب نتنياهو فى الانتخابات.