هذا الحزن الخام.. هذه الإيماءات.. النظرات والتنهيدات.. هذا الرقص.. البكاء.. الصراخ وحتى الضحك.. نعيشه الآن مع مسلسل «سجن النساء» الذى يعرض على شاشات التليفزيون.. «سجن النساء» هذا المسلسل الرائع،، الذى لم أر له مثيلا من قبل، هو عمل درامى ننحنى ونرفع له القبعة ولكل العاملين على انتاجه وإخراجه بهذا الشكل الجدير بكل تقدير. استخدم كلمة «خام» لأنها تحمل بين معانى حروفها القليلة جوهر الموضوع وقوته وسيطرته على المشاهد دون افتعال ودون ان يدرك ما هو سر هذا الانجذاب وسر هذه المصداقية التى يصدرها السيناريو والحوار وأداء الممثلين ذلك لأن كل شىء هنا خام.. على طبيعته. إن قضايا وحكايات سجن النساء ما هى إلا عبقرية استطاعت ان تجمع وتلخص صوتا نسائيا واحداً يصرخ من عقود طويلة.. يتألم.. يصارع ويكافح مع صفعات الحياة لامسا كل من الغنى والفقير.. صوت يكشف بواطن ومواطن النفس البشرية ورغباتها ونفسيتها السيكولوجية التى تزيد من تعقيدها وتفسيرها لعبة الحياة وقسوتها.. نساء القناطر..تجسيد وفضيحة لمجتمع ذكورى.. يضرب المرأة.. يسرق فلوسها.. يغتصبها.. يستغلها.. ينتهكها.. يشغلها لحسابه.. وفى النهاية وبعد ذلك كله هى التى تدفع الثمن على مسمع ومرأى قوم لا يبالون بمشاعر وأحاسيس نساء تعانين الذل والمهانة لحق البقاء ويفتح الباب على مصراعيه أمام صدمة التناقضات والفوارق التى تعيشها النساء تحت سماء واحدة..! «نساء القناطر» ليس كلهن نسوة مجرمة.. هن نسوة مضطربة العقل والتوازن الاخلاقى الذى «شوشه» المجتمع حاذفا معاييره وثوابته التى تتأرجح «كل شوى» بين ما هو حلال وحرام.. بين الحقوق والقوانين وتطبيقها!! بين الضعف الإنسانى والرغبات والشعور بالأمان.. بين خيبة الأمل ورجل الأحلام الذى خاب ظنها فيه!!.. تراجيديا درامية خامة.. عذراء لا تكذب ولا تتجمل.. تنتقل بين قصصها بين مشاهدها البيضاء والسوداء فى آن واحد لمزيد من التأكيد على الواقع وفجاعة التناقض. كان من الممكن تصوير وإخراج هذه القصص بأحداثها المحزنة فى مكان اخر، لكن اختيار سجن النساء كان اختيارا صائبا عبقريا يجسد حالة السجن النفسى،، الجسدى والمعنوى الذى يغلف المرأة ويكبلها بقيود مؤلمة.. القضبان الحديدية بالسجن ما هى الا رمز للحواجز العقيمة التى صدأت وتآكلت وعفا عليها الزمن والتى مازالت تحجب المرأة عن الانطلاق الحقيقى الذى تستحقه.. تؤلمنى الموسيقى الحزينة المصاحبة للمشاهد والتتر ولكنها قادرة على تحريك المشاعر وإثارة الشجن والتعاطف الموضوعى دون مبالغة أو تصدير افتعالى للحزن والانكسار.. وهو توافق غريب وصعب لتحقيقه حيث توازن ذلك ببراعة وحس عال مع الطبيعة الايجابية للمرأة المصرية.. القاهرة للصعاب المتعايشة مع الواقع والتحديات التى تصفعها بها الحياة بين الحين والآخر فنجدها وبالرغم من كل ذلك ترقص وتغنى وتضحك وتأمل وتنتظر الفرج.. وتنظر الى المستقبل عاشمة ان يتقدم ويأتى لها بالإشراق. صور مؤلمة.. ومرة أخرى لخبطة من التناقضات الحياتية والنفسية المتلاحقة للأغلبية من النساء المصريات.. هذه القوة الناعمة التى تكمن بداخلها عناصر لم تكتشف بعد ولم تعرف الدولة وحتى الآن كيف توظفها وتستغلها بأفضل الطرق،، خامة ايجابية تنتظر التشجيع والتوجيه.. وربما تكون هذه الانتفاضة التى ترأستها المرأة منذ ثورة 25 يناير وتوجت عند انتخاب الرئيس عبدالفتاح هى تعبير حى عن هذه الايجابية وهذا الشوق للخروج من خلف القضبان والبدء فى حياة جديدة أكثر اتزانا ووضوحا للثوابت التى تحدد المصير والطريق وتسمح بالوقوف على أرض صلبة لا تتأرجح بين الأبيض والأسود. لمزيد من مقالات سيلفيا النقادي