من يصدق أن لدينا قضايا متداولة منذ قانون الاصلاح الزراعي الصادر بالقانون رقم 871 منذ عام 2591 منها ما لم يزل منظورا أمام اللجان القضائية للإصلاح الزراعي لم يفصل فيها ولم تبدأ طريقها بعد إلي الطعن أمام قضاء مجلس الدولة .. ومنها ما بدأ طريق الطعن علي قرارات اللجنة القضائية .. وما زال منظورا أمام القضاء .. أي أن إجراءات التقاضي ما زالت ماضية في طريقها علي مدي ستين عاما!! ثم من يصدق أننا ما زلنا نتحدث عن قوانين ضمانات وحوافز الاستثمار .. ولجان تسوية المنازعات واللجنة الوزارية لفض المنازعات .. ونجري عليها التعديلات .. ونتحدث عن تيسير الإجراءات والشباك الواحد ومحاكاة «جبل علي».. وعدم جواز الحجز الادراي أو المصادرة أو مواجهة المنازعات الكيدية أو محاولة الابتزاز .. ويظل الحديث والتشريعات في واد .. والواقع في واد آخر .. فلا اللجان تنعقد .. ولا اللجنة الوزارية تتحمس للبت .. ولا المنازعات تفض .. ويظل الحديث عن تشجيع الاستثمار وجذب رءوس الأموال وتوفير الضمانات في دائرة الكلام والشعارات التي لا تثمر ولا تغني .. بل لقد كان الصمت خيرا وأجدي .. ولهذا عندما تطرق الحكومة الأبواب وتبدأ جولتها بالحديث عن حوافز الاستثمار وحسم الخلافات .. نسمع كلاما ونقدا مرا ولاذعا.. ويضرب المستثمرون كفا بكف!! وعندما يلجأ الناس إلي القضاء .. ويطرقون أبواب المحاكم .. من أول أبوابها في أولي درجاتها .. يجدون كما من القضايا مكدسا.. وفي الاستئناف وأمام مجلس الدولة أكثر عددا.. وأمام المحكمة الادارية العليا والنقض لسنوات طوال .. وربما يصدر الحكم بعد الأوان ونظل نتحدث طويلا عن تيسير الإجراءات وتقريب جهات التقاضي وسرعة الفصل في المنازعات .. وحتي لو صدرت التشريعات يظل التطبيق عائقا يجري التقدم فيه إلي الخلف. وآن الأوان بعد طول الزمن وكثرة الكلام وتفاقم المشكلة لدراسة أسباب هذه الإرباكات القضائية ومعالجة مسبباتها .. لأننا نستسهل معالجة المشكلات والقضايا بنصوص تشريعية تصدر بغير دراسة موضوعية أو معالجة علمية للمشاكل ذاتها .. ويترتب علي تطبيق القانون بشكله الجامد كثرة عدد القضايا وازديادها تعقيدا .. ولا نجد سبيلا لحل المشكلة ذاتها من ذلك تشريعات الإسكان وتشريعات الاستثمار وتشريعات البيئة والصناعة .. وغيرها. كذلك من أسباب تكدس القضايا وتأخر الفصل فيها وتأذي العدالة .. أن الحكومة والأجهزة الادراية لا تحسن فهم وتطبيق القانون .. ويؤدي تطبيقها بخطأ وسوء نيَّة.. قصدا أو اهمالا إلي كثرة القضايا .. لأنها تجبر الناس علي اللجوء إلي المحاكم فتتكاثر أعدادها .. وتسهم في البطء وتعطيل الفصل في المنازعات. وإذا كانت الحكومة قد ضربت المثل والقدوة في سوء تطبيق القانون وامتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية علي الحالات المتماثلة وإجبار كل مواطن إلي اللجوء إلي القضاء حتي في الحالات المتشابهة كمقابل الأجازات .. فهي تفرض علي كل مواطن أن يلجأ إلي جميع درجات التقاضي حتي تمسح له بالمطالبة بحقه .. وبعدها تبدأ مرحلة العذاب في تنفيذ الأحكام والإشكالات والعقبات .. فيتولد من القضية الواحدة عدة قضايا فيتكاثر عددها ويتباطئ الفصل فيها. كل ذلك يدفع الناس إلي التعامل مع بعضهم البعض .. كما تتعامل الحكومة مع الناس .. فالقوي يستقوي علي الضعيف .. والقادر يستقوي علي غير القادر. والقضاة وسط هذا الزحام وتكدس القضايا وسوء الأحوال وكثرة المشاكل والمشاغل وتعدد التشريعات وقلة الوقت للتأمل والبحث واصرار المتقاضين علي اللدد في الخصومة والمعاندة في الخصام واستخدام الحيَّل لتحقيق المقاصد الخبيثة لإطالة أمد النزاع .. كل ذلك يؤدي إلي كثرة عدد القضايا وتأخر الفصل فيها .. فلا يصل الحق إلي صاحبه إلا بشق الأنفس .. وبعد حين وقد يضيع وسط الزحام. هذه كانت الأسباب لكثرة القضايا وتأخر الفصل فيها وتأذي العدالة وايقاع الظلم .. وكل تلك الأسباب متساندة .. تشير بأصابع المسئولية والاتهام .. بدءا من صناعة التشريع ذاته وكثرة التعديلات .. ومرورا بتطبيقه من جانب المخاطبين بأحكامه سواء كانت الحكومة أو الأفراد وغياب ثقافة التسامح والتصالح والبعد عن الخصام وافتقاد القدوة في ضرب المثل وتأخر الفصل في القضايا وعدم احترام تنفيذ الأحكام. وتشير هذه الأسباب جميعا إلي ضرورة الاصلاح القضائي الأمثل الشامل .. وهو تعبير أطلقه الدكتور عبدالرزاق السنهوري عندما أشار في تقريره في العدد الرابع من مجلة مجلس الدولة عام 1591 إلي أن امتناع الحكومة عن تنفيذ الأحكام يتطلب اصلاحا قضائيا شاملا .. واقترح نصاي يعاقب بالحبس والعزل .. وصدر التعديل بالفعل في العام ذاته .. ومع ذلك ما زالت الآفة مستمرة رغم مضي أكثر من نصف قرن من الزمان. والآن وقد تغيرت الدنيا .. ونتحدث عن ثقافة القانون وتعزيز حقوق الانسان وتشجيع الاستثمار وحل المنازعات وحماية الحقوق وضمانات التفاضي .. وقد عادت النصوص الدستورية تؤكد علي كل ذلك وتجعل من القانون اساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون .. كما تلتزم بتقريب جهات التقاضي وتعمل علي سرعة الفصل في القضايا .. وبما يتطلب اصلاحا قضائيا شاملا .. يحمي الحقوق والحريات وضمانات الاستثمارات بنصوص فاعلة تجعل التطبيق امرا مقضيا واحترام أحكام القضاء .. وإلا سوف يبقي الحال علي ما هو عليه .. لمزيد من مقالات د . شوقى السيد