لا شك أن الولاياتالمتحدة قد نجحت بالفعل فى التخلص من تهديدات كبرى من قبل تنظيم القاعدة, على غرار 11 سبتمبر, فقد عملت ببراعة فائقة وبخطط أعدتها على نار هادئة, على تصدير كل عنف وتكفير تنظيم القاعدة الراديكالى وجميع التخريجات التى سارت على هداه, إلى قلب العالم الإسلامي, وأراحت بالها من التهديدات اليومية التى كان يوجهها «بن لادن» ومن بعده الظواهرى إلى «أمريكا الكافرة» وأصبحت التهديدات اليومية توجه إلى «العالم الإسلامى الكافر» قيادات وشعوبا أيا ما كان يحمله هذا الجنون, ولكنها بالرغم من كل هذا لم تتخلص تماما من التهديدات الأمنية, فقد خرج وزير الأمن القومى الأمريكي, المعين حديثا, فى أول تصريح علنى له, ليؤكد أن مصدر القلق الأمنى الأكبر لأمريكا, أصبح فيما يعرف بظاهرة "الذئاب الوحيدة". كان التهديد من هجمات إرهابية منفردة فى إطار ما أطلق عليه الخبراء الأمنيون أخيرا, «الذئب الوحيد» هو ابرز ما جاء فى أول خطاب رسمى لجيه جونسون وزير الأمن القومى الأمريكى الجديد, أمام جمهور من الخبراء الأمنيين فى مركز وودرو ويلسون بواشنطن, وقد شدد فيه على القلق الغربى عموما والأمريكى خصوصا, من الأمريكيين والأوروبيين الذين يسافرون إلى سوريا للانضمام إلى الحرب الأهلية الدائرة هناك, وقال أن هذه القضية كانت هى القضية الأبرز خلال لقاء عدد من المسئولين عن إنفاذ القانون الأمريكيين والأوروبيين فى مؤتمر عقد أخيرا فى بولندا, حيث شدد على أن الإرهاب فى سوريا قد أصبح «مسألة امن قومي». وقد صرحت جين هارمان, الخبيرة بمركز ويلسون, أمام لجنة الأمن الداخلى فى مجلس النواب الأمريكى فى 15 يناير الماضي, بأن معظم تهديدات «الذئب الوحيد» أصبحت تأتى ممن اعتنق الإسلام أخيرا من الأمريكيين, أو من أمريكيون المولد, يميلون إلى العنف ويتبنون آراء متطرفة تجاه الأحداث من حولهم. ووفقا للخبراء الأمنيين, فان القاعدة لم تعد هى من تدير أمور الإرهابيين بشكل مباشر, ولا حتى التنظيمات التابعة لها فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, لكنها مع هذا أصبحت أكثر خطورة مما كانت عليه, خاصة بتبنيها توجيه بشكل غير مباشر ذئابها الوحيدة حول العالم. وعلى الرغم من أن مصطلح «الذئب الوحيد» يبدو جديدا نسبيا, ولكنه كان بالتأكيد ظاهرة ملموسة, تنمو فى كل من الولاياتالمتحدة والغرب, ويعنى المصطلح وفقا لتعريفات العديد من مراكز الأبحاث الأمنية والاستخباراتية ومن بينها مركز ستراتفور للأبحاث الاستخباراتية الجيوسياسية, انه فرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد, يستخدمون تكتيكات إرهابية تقليدية, بما فى ذلك العنف واستهداف المدنيين من أجل تحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية بشكل صريح, دون أن يكونوا أعضاء بشكل رسمى فى منظمة إرهابية أو جماعة, والى هذه الظاهرة يعزى حاليا على الأقل 2% من مجمل العمليات الإرهابية فى معظم دول العالم, وان كانت ظاهرة قابلة للتزايد, حيث أكد بعض الخبراء انه ما بين عامى 1955 و1977, قتل ما يقرب من 7% من جميع ضحايا الإرهاب, على يد ذئاب وحيدة, ولكنها تزايدت ما بين عامى 1978 و1999 إلى 26% من مجموع ضحايا الإرهاب.تركز معظمها فى الولاياتالمتحدة ودول أوروبية بمعدلات اقل, وربما كان ابرز الضربات الإرهابية الفردية فى الولاياتالمتحدة التى تعد نموذجا, هى قتل تيموثى ماكفى 168 مدنيا فى تفجير مبنى أوكلاهوما سيتى عام 1995, وأيضا تيودور كاتشينسكي, مخترع العبوات الناسفة المعروفة باسم "يونى بومبر" الذى قتل ثلاثة أشخاص, خلال حملة لإرسال عبواته إلى من يعملون فى مجال الأبحاث العلمية ما بين عامى 1978 و1995 . يرى راندال لو, أستاذ التاريخ بجامعة برمنجهام, وزميل معهد مشروع الأمن القومى الأمريكي, ومؤلف كتاب «تاريخ الإرهاب», ان نموذج ماكفي, يمنح الباحثين نظرة فاحصة على نوعية من يقومون بالإرهاب الفردي, فالذئب الوحيد طبقا له, غالبا يكون من بين الأقليات, ولا بد أن لديه من الممارسات ما يفيد بمناهضة عنيفة ضد الحكومة تصل إلى حد الكراهية, كل هذا يتزامن مع شعوره بأنه يتصرف نيابة عن جموع المؤمنين. ووفقا إلى اتحاد بحوث تحليل الإرهاب «تراس», فانه مع التدابير الأمنية الهائلة التى حشدت لها الأجهزة الاستخباراتية, خاصة على شبكة الانترنت, فان هذه التدابير قد خلقت تحديات جديدة أمام المنظمات الإرهابية, علاوة على ذلك فان العديد من المخططين الاستراتيجيين للقاعدة إما قتلوا أو سجنوا, لذا فانه من المرجح إن يكون المنظرون الجدد قد اتجهوا إلى تدابير تتضمن تحفيز خلايا كانت نائمة للإيعاز بهجمات فردية لا يمكن ربطها بجماعة معينة, ويتم هذا الإيعاز من خلال نشرات الكترونية, من أبرزها مجلة انسباير التى تعنى بالعربية, تديرها وتتولى نشرها على الانترنت, مؤسسة الملاحم لوسائل الإعلام, التابعة لتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية وتنشر كل ستة إلى عشرة أشهر تقريبا, وهى مكونة من 70 صفحة باللغة الانجليزية, تصف تفاصيل كيفية صناعة قنابل فى المنزل, أو كيفية تنفيذ هجوم فردى, بالإضافة إلى الكثير من الرسائل التحريضية للعنف ضد جميع «الكفار», وقد قامت الجهات الأمنية الأمريكية بإتلاف محتوياتها أكثر من مرة وان كانت لم تستطع الوصول إلى وصلاتها, وقد كتب محررها فى العدد الأخير, إن الحرب لم تتوقف, لقد بدأت بالكاد...السؤال المهم, ما هى الخطوة التالية؟