اوكرانيا !! من التالى ؟ هذا السؤال يتردد كثيرا فى العديد من بلدان الفضاء السوفييتى السابق فى الوقت الذى تتوقف عنده العاصمة الروسية طويلا، يقينا من جانبها انها كانت وتظل المستهدفة اكثر من غيرها منذ انهيار الاتحاد السوفييتى السابق. وما يجرى فى اوكرانيا يؤكد عودة واشنطن الى ما كانت تصبو اليه، وهو كثير يبدو على غير وفاق مع مصالح اوكرانيا والدولة الروسية على حد سواء." الاقاليم" الحاكم فى مجلس الرادا كشف فى حديث الى قناة "روسيا 24" عن علاقات ارسينى ياتسينيوك زعيم حزب باتكفشينا" المعارض مع الملياردير الاوكرانى رينات احمدوف الذى قام بتمويل الحملات الانتخابية للرئيس يانوكوفيتش، فضلا عما ارتبط به كليتشكو زعيم حزب "اودار" من علاقات مع يانوكوفيتش. استعاد تساريوف كذلك ما قدمه يانوكوفيتش من دعم للقوى القومية المتطرفة وزعيمها اوليج تياجنيبوك ساعد فى حصولها على 10 % من مقاعد البرلمان. ونمضى الى الطرف الاخر فى المعادلة الاوكرانية اى احزاب المعارضة التى ركزت كل نشاطها نحو تحقيق التقارب غير المشروط مع بلدان الاتحاد الاوروبى بما يتفق مع سيناريو "الثورات الملونة" التى كانت موسكو نجحت فى احتواء تداعياتها بعد الاطاحة برمزيها فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكو. وكانت المصادر الرسمية الاوكرانية كشفت عن تدريب الكثيرين من النشطاء السياسيين ممن وصفهم بممثلى "الطابور الخامس" و"خبراء حرب الشوارع"، تحت اشراف السفارة الامريكية فى كييف فضلا عن تاسيس المئات من منظمات المجتمع المدني، بتمويل مباشر من الدوائر الامريكية سعيا نحو تحقيق مخططات انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبى والناتو. وكان الكثيرون من المراقبين فى موسكو اشاروا الى تطابق ما تشهده كييف من اعمال شغب وتخريب مع ما سبق وشهدته القاهرة خلال احداث "رابعة" والنهضة" صيف العام الماضي، ما قالوا انه جرى ويجرى بموجب سيناريو واحد. وفى حديثه الى قناة "روسيا 24" الاخبارية الروسية الرسمية اشار تساريوف احد قيادات حزب "الاقاليم" الحاكم فى اوكرانيا، الى ان حجم الانفاق المالى الذى خصصته واشنطن لتحقيق هذه الاهداف بلغ ما يقرب من خمسة مليارات دولار. وكشف عن تقلد الكثيرين ممن تلقوا تدريباتهم بين جنبات السفارة الامريكية فى كييف، ولدى العديد من المؤسسات الغربية خارج اوكرانيا، للكثير من المناصب المحورية فى اجهزة الدولة ومنظوماتها الاعلامية وكذلك مجالسها النيابية والتشريعية. ولعل ذلك يكشف ضمنا عما كانت واشنطن ولا تزال تضمره من خطط بعيدة المدى تستهدف النيل من مصالح ورصيد منافسها التقليدى اى روسيا، فضلا عما تعنيه ضمنا من ضرب لمواقع الاتحاد الاوروبى على المدى البعيد، من خلال انهاك اقتصاد بلدانه المدعوة الى المساهمة فى رفع المستوى الاقتصادى والاجتماعى للاعضاء الجدد من ممثلى اوروبا الشرقية، ومنها اوكرانيا. وهنا نعيد الى الاذهان المكالمة الهاتفية لفيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الامريكية التى سجلتها ونشرتها اجهزة استخباراتية، وكانت نعتت فيها الاتحاد الاوروبى بالفاظ خارجة فى حديثها مع سفير واشنطن فى كييف. لكن ماذا عن مواقف موسكو تجاه ما يجرى على مقربة فى فنائها الخلفى وهو التعبير الذى يرمزون به فى روسيا الى اوكرانيا التى طالما حملت اسم "مالايا روس" (روسيا الصغري) وكانت اساس انطلاقة الامبراطورية الروسية من "امارة كييف"؟. الكثيرون من انصار التقارب مع روسيا فى اوكرانيا يحملون على الكرملين بسبب ما يقولون بتقاعسه تجاه التصدى لمحاولات التغلغل الغربى فى الشئون الاوكرانية، ومنهم من اشار الى وجود ما يقرب من عشرة ملايين روسى فى اوكرانيا الى جانب اغلبية كبيرة ناطقة بالروسية، فضلا عن ارتباط الملايين من ابناء الدولة الاوكرانية باواصر علاقات عائلية ومصالح اقتصادية بروسيا ولا سيما فى شرق اوكرانيا، ناهيك عن شبه جزيرة القرم الارض الروسية التى كان الزعيم السوفييتى الاسبق نيكيتا خروشوف اهداها الى اوكرانيا فى عام 1954. ونستعيد ايضا ما قاله الرئيس الروسى بوتين خلال لقائه نظيره الاوكرانى يانوكوفيتش يوم الثلاثاء الماضى حول وجود خمسة ملايين اوكرانى الى جانب ما يزيد عن المليون ونصف المليون اوكرانى ممن يعملون فى روسيا، يحتاجون الى رعاية مصالحهم فى العمل وحرية التنقل عبر الحدود لمساعدة عائلاتهم فى اوكرانيا. وذلك ما قاله اوليج تساريوف القيادى الاوكرانى تاكيدا لتقصير روسيا فى الاستفادة منه لتوطيد علاقات البلدين والتصدى لمحاولات الغزو الغربى لاوكرانيا التى ثمة من قال ان هناك من يريدها "سوقا للنفايات الاوروبية"، ومسرحا لممارسة الاعمال التخريبية ضد روسيا.واعاد تساريوف الى الاذهان ما اعلنت عنه موسكو من قرض مالى لاوكرانيا تبلغ قيمته 15 مليار دولار الى جانب عشرة مليارات اخرة اعربت الصين عن استعدادها لتقديمها الى اوكرانيا، ساخرا من عبثية العجز عن الاستفادة منها كاليات لتحويل اتجاهات الراى العام بعيدا عن الارتباط بالغرب. واذا كانت موسكو نجحت فى وأد مشروع "الثورات الملونة" فى اعقاب ما حققه من نجاح نسبى فى كل من جورجياواوكرانيا وقيرغيزيا والحد من تاثيراته فى الفضاء السوفييتى السابق بل وتغيير ما جاء به من انظمة فى اوكرانيا وقيرغيزيا، فانها تبدو اليوم مدعوة الى الدفاع عن مصالحها المباشرة وهو ما يتوقع البعض ان "يتفرغ" له بوتين بعد انتهاء اوليمبياد سوتشى الذى شهد مؤخرا انسحاب نصف الفريق الاوكرانى احتجاجا على ما يجرى فى اوكرانيا. وكان يانوكوفيتش سبق واستجاب لمطالب اقالة الحكومة ووافق على الافراج عن المعتقلين فى احداث الشغب، واصدار عفو برلمانى عن جرائمهم، الى جانب اعرابه عن الاستعداد لتعديل الدستور فيما وافق مؤخرا وحسب تصريحات دونالد توسكا رئيس الحكومة البولندية على اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة!. وفيما عادت واشنطن عن خطة الاطاحة بالرئيس الاوكرانى على ضوء ما قاله سفيرها جيفرى بايت فى كييف حول ضرورة بقاء يانوكوفيتش فى منصبه الى حين اجراء الانتخابات وتغيير النظام السياسى فى اوكرانيا، سارعت موسكو الى ايفاد مبعوثها فلاديمير لوكين للانضمام الى جهود الوساطة التى يبذلها وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبولندا، الى جانب اتصالات بوتين مع المستشار الالمانية انجيلينا ميركل ورئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فى محاولة للعثور على الحلول الوسط الرامية الى احتواء الازمة.وكانت اوكرانيا شهدت خلال الايام الاخيرة تصاعد الاعمال العدوانية التى بلغت حد تحطيم تماثيل لينين زعيم الثورة البلشفية واهانة و"تركيع" عدد من محافظى كبريات المدن غربى اوكرانيا، فى الوقت الذى دعا فيه ممثلو الادارات المحلية فى شرقى اوكرانيا الى عقد مؤتمر عام ثمة من يتوقع ان يعلنوا فيه توجهاتهم نحو الانفصال وتمسكهم بالصداقة مع موسكو.