محاولات مستميتة قامت بها الإدارة الأمريكية من أجل اقناع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي علي التوقيع علي اتفاق أمني ثنائي يسمح بموجبه استمرار تواجد عدد من القوات الأمريكية في أفغانستان, بعد انسحاب قوات الحلف الأطلسي العام المقبل زعما بضرورة تواجدها من أجل نقل الخبرات السياسية والقتالية للقيادات الأفغانية إلي جانب الاستمرار في مواجهة أي اعتداءات أو أعمال إرهابية من جانب حركة طالبان. وقام كرازاي بعدد من المناورات والمراوغات من آجل عدم التوقيع علي الاتفاق أو إرجائة لبعد الانتخابات الرئاسية فقد خرج عدد من المسئولين الامريكيين وعلي رأسهم السفير الامريكي جيمس كانينجهام ليدلوا بتصريحاتهم للصحف التي تنم علي يأسهم من توقيع كرزاي علي الاتفاق مما يعني آن الولاياتالمتحدة ستضطر الي سحب جميع قواتها ولن يكون أمامها خيار آخر. وقد لجأت واشنطن لاسلوب الترغيب تارة والترهيب تارة أخري بالتهديد بالعواقب الوخيمة التي ستلقاها أفغانستان في حال عدم التوقيع علي الاتفاقية إلي جانب اصدار عدد من التقارير المخباراتية التي تنبيء بحدوث فوضي علي مدي الأعوام القادمة وأهدار للتقدم الذي أحرزته قوات الحلف خلال الثلاث سنوات الماضية من الحفاظ علي الاستقرار وأنه بغياب الوجود العسكري المستمر وتواصل الدعم المالي, فإن الوضع في افغانستان سيتدهور بسرعة كبيرة. ولكن نبرة التهديد التي أستخدمتها واشنطن لم تؤد إلا لمزيد من العند من جانب كرزاي والتمسك بالشروط التي وضعها مقابل التوقيع علي الآتفاق والتي تتمثل في وقف الغارات الأمريكية علي القري التي عادة ما تخلف عشرات القتلي من المدنيين العزل, والافراج عن بعض المعتقلين الأفغان بمعتقل جوانتانامو وكذلك اتخاذ خطوات جادة تجاه عملية السلام الأفغانية وحفظ الأمن. وبينما يري بعض المحللين أن تلك الشروط ضرورية لما سيكون لها من تأثير إيجابي علي المدي الطويل إلا أن البعض الآخر يراها مجرد عرقلة متعمدة من جانب كرزاي من أجل عدم التوقيع علي الاتفاقية أو علي الأقل إرجائها لبعد الانتخابات الرئاسية التي ستكون في أبريل المقبل. بل ودخل كرزاي في تحد مع الحكومة الأمريكية, فبعد آن تراجع عن قرار الإفراج عن88 معتقلا من مقاتلي حركة طالبان بعدما أثار ذلك احتجاجات واسعة بالولاياتالمتحدة وغضب ضباط ونواب من مجلس الشيوخ الأمريكي خرج كرزاي أول أمس ليجدد تعهده بالإفراج عن72 من مقاتلي طالبان الموجودين في سجن باجرا حتي يتم البت في آمر ال16 الآخرين. جولات كرزاي وقد سعي كرزاي للاستقواء بدول الجوار من خلال الجولة التي قام بها مؤخرا والتي استهلها بزيارة إيران ثم بزيارة الهند, وهي الجولة التي اعتبرها المراقبون محاولات أفغانية لتعزيز أمنها من خلال التحالفات الاقليمية. فقبل24 ساعة فقط علي وصول وزير الدفاع الأمريكي, تشاك هيجل, إلي كابول لبحث اتفاق أمني مع أفغانستان كان قد توجه كرزاي لإيران حيث أبرم خلال زيارته اتفاقا للصداقة والتعاون طويل الأمد بين البلدين بعد أن أعلن الرئيس الإيراني صراحة رفضه لتواجد أي قوات أجنبية علي الأراضي الأفغانية, كما حث نظيره الأفغاني علي عدم التوقيع علي تلك الاتفاقية. أما زيارته للهند فقد كانت بهدف الحصول علي مساعدات عسكرية تشمل أسلحة ومدفعيات ثقيلة ودبابات وطائرات عسكرية وذخائر, بالإضافة إلي عدد كبير من الشاحنات وسيارات الجيب لتسليح بلاده إلي جانب تحالف من أجل إجراء التدريبات والإصلاحات الضرورية وصيانة المعدات حتي أن كرزاي أعلن لنظيره الهندي ترحيبه بنشر الجنود الهنود علي أراضيه. وقد أبرام كرزاي ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج اتفاقية تنص علي تلقي أفغانستان, الدولة ذات الاقتصاد الأكثر فقرا في آسيا, لمليارات الدولارات في شكل مساعدات مالية طوال العقد المقبل, لكن هناك دوما تخوفا من إمكانية وصول نلك الأسلحة إلي من يستخدمها بغرض الإضرار بالشعب مثل حركة طالبان, كانت الهند قد منحت أفغانستان ملياري دولار من قبل كمساعدات من أجل إعادة إعمارها وتدريب عشرات الضباط الأفغان. الانتخابات المقبلة ليس فقط التوقيع علي المعاهدة وجولات كرزاي هي ما تسيطر علي الساحة السياسية الأفغانية بل تستحوذ الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستكون في أبريل المقبل علي الجانب الأكبر من الاهتمام والتي ستكون ذو حدين.. أما نزيهة وتمثل بداية جديدة للاستقرار, وأما تتعرض للتزوير مما يجعلها بمثابة تكرار لسيناريو أنتخابات2009 التي شابها تزوير فاضح كاد يفضي بها إلي حرب أهلية. لذا فالأنتخابات القادمة سيتوقف عليها مستقبل الاستقرار في هذا البلد خاصة في ظل التخوف من أن يتبع عدم الأستقرار تجدد من حدة هجمات طالبان ويخيم الإرهاب والتوتر علي أفغانستان. فبعد أن فاز كرزاي بولايتين استمر خلالهما رئيسا للبلاد علي مدي عشر سنوات, فأنه طبقا للدستور, لن يترشح مجددا ولكن لا شك أنه سيساند أحد المرشحين بقوة وهو المرشح الذي سيضمن الحماية له ولأسرتة خاصة وأن هناك تهم فساد تلاحقهم. لذا فمن المتوقع أن يدعم كرزاي أحد المرشحين, إما شقيقه قيوم كرزاي أو وزير خارجيته زلماي رسول. العام الحالي هو الأكثر حسما لأفغانستان فخروج القوات الأجنبية وانتخاب رئيس جديد سيجعلاها تدخل حقبة جديدة تحقق بها الاستقرار وتلملم شتاتها وتستعيد قوتها أو بداية لموجة عنف أقوي تخلف المزيد من الضحايا وتبقي كلمة السر هي المصالحة مع حركة طالبان وإدماجها في الحياة السياسية لتحقيق الانتقال السياسي والاقتصادي والعسكري بشكل ناجح.