يبدو أن أفغانستان لن تدخر جهدا في سبيل السعي لتأجيل توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة, التي ستحدد شكل الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان بعد عام2014 وهو التاريخ المعلن لسحب قوات التحالف الدولي, اذ بينما تصر الولاياتالمتحدة علي ضرورة وحتمية توقيع هذا الاتفاق بحلول نهاية العام الحالي لاتاحة الفرصة أمامها للتخطيط لعدد القوات التي ستبقي في أفغانستان بعد الرحيل, قوبل هذا الاصرار بممانعة أفغانية واضحة. فقد وضع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي عدة شروط لتوقيع الاتفاق من أهمها وقف الغارات الأمريكية علي القري التي عادة ما توقع عشرات القتلي من المدنيين العزل والافراج عن بعض المعتقلين الأفغان بمعتقل جوانتانامو وكذلك اتخاذ خطوات جادة تجاه عملية السلام الأفغانية وحفظ الأمن, فضلا عن تصريحاته المتتالية حول تفضيله تأجيل التوقيع علي هذه الاتفاقية لما بعد الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في أبريل القادم, والتي يمنعه الدستور من خوضها بعد فترتين رئاسيتين. وفي هذا الاطار يمكن استقراء نتائج الجولة التي قام بها كرزاي خلال الفترة الماضية في دول الجوار الاقليمي والتي بدأها بزيارة إيران ثم اتبعها بزيارة الهند, وهي الجولة التي اعتبرها المراقبون محاولات أفغانية لتعزيز أمنها من خلال التحالفات الاقليمية قبل الانسحاب المزمع لقوات الناتو, حيث أبرم كرزاي مع نظيره الإيراني خلال زيارته اتفاقا للصداقة والتعاون طويل الأمد بين البلدين. كما انتهزت طهران فرصة الزيارة التي ضمت وفدا افغانيا رفيع المستوي لتأكيد معارضتها الصريحة لأي وجود أجنبي في المنطقة خصوصا في أفغانستان, وهو ما دفع واشنطن لابداء عدم ارتياحها تجاه ابرامها هذا الاتفاق مع إيران, خاصة أن هذه الزيارة تمت بعد أقل من24 ساعة من وصول وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل لكابول في زيارة مفاجئة لم يلتق خلالها مع كرزاي بدعوي أنها زيارة تفقدية للقوات الأمريكية هناك. وأدي ذلك إلي زيادة التكهنات حول التوتر الذي يشوب العلاقة بين الجانبين, فضلا عما يراه المراقبون من أن تعزيز العلاقة بين أفغانستانوإيران في هذا الوقت تحديدا سيساهم في مزيد من تعكير العلاقة بين الجانبين. وفي الوقت الذي استبق فيه بعض مساعدي كرزاي زيارته لطهران باتهام الولاياتالمتحدة بأنها تضغط علي أعضاء بالحكومة للموافقة علي هذا الاتفاق الأمني, فقد كانت زيارة كرزاي الهند مناسبة مهمة بالنسبة له لتأكيد وجهة نظره بضرورة تأجيل التوقيع علي الاتفاق, فضلا عن التحذير من أي محاولة ترهيب لارغامه علي التوقيع, خاصة في ظل التلويح الأمريكي بتوظيف الدعم المالي لتصعيد الضغط علي كابول لتوقيع الاتفاقية, باعتبار أن هذه المماطلة الأفغانية ستعرقل وصول عدة مليارات من المساعدات وهو ما سيعرض اقتصاد أفغانستان الهش للانهيار. بل أنه أكد في مقابلة مع احدي الشبكات الهندية أن الاتفاق سيوقع حين التأكد من أنه سيسمح باعادة السلام والأمن. وهنا يشير المراقبون إلي أن زيارة نيودلهي اكتسبت قدرا من التعقيد, فالهند تأمل ألا يؤدي انسحاب قوات حلف الناتو لعودة طالبان إلي السلطة, بينما تتطلع الولاياتالمتحدة لأن تستخدم الهند نفوذها لاقناع كرزاي بتوقيع الاتفاق, رغم تحذيرات الأخير من أي محاولة للتأثير عليه, أما الرئيس الأفغاني فقد اغتنم الفرصة لطلب مساعدات اضافية من نيودلهي بما فيها المساعدات العسكرية, خاصة أنه خلال زيارة سابقة في مايو الماضي تقدم بلائحة مساعدات عسكرية أعرب عن رغبته في الحصول عليها وتشمل مدفعية ثقيلة ودبابات وطائرات عسكرية وذخائر, خاصة وأن الهند استثمرت ملياري دولار كمساعدات واعادة اعمار وتدريب عشرات الضباط الأفغان, ولكنها أحجمت عن تقديم السلاح خوفا من استفزاز باكستان والجماعات المسلحة في أفغانستان, رغم مطالبات كابول المتكررة لنيودلهي بتنفيذ اتفاق المشاركة الاستراتيجية الموقع عام2011, حيث تؤكد كابول دائما أن أمن الهند مرتبط بأمن أفغانستان. وأيا كان الأمر فإن الشيء المؤكد في رأي المراقبين أن الهدف الاساسي من زيارات كرزاي لدول الجوار كان مناقشة الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة ومحاولة مواجهة الضغوط الهائلة المبذولة عليه لحمله علي توقيعها بأسرع وقت ممكن, وهو ما دفعه للقول بأنه يتفهم أن تحدي الولاياتالمتحدة ينطوي علي عواقب خطيرة ولكنه رغم ذلك لن يرغم علي اتخاذ هذه الخطوة, رغم التهديدات الأمريكية بأنها ربما تضطر لسحب قواتها بالكامل من أفغانستان وقد تحذو دول أخري حذوها وهو ما يهدد باشتعال العنف وربما حرب أهلية في أفغانستان. ورغم أن كرزاي قلل من شأن هذا التهديد واصفا اياه بأنه ممارسة لسياسة حافة الهاوية, ومؤكدا أنه يريد من واشنطن أن تساعده علي بدء عملية سلام علنية مع طالبان بدلا من المحادثات السرية التي لن تفيد, فقد عاد وطالب كلا من الولاياتالمتحدةوباكستان باعتبارهما يتمتعان بنفوذ لدي طالبان يكفي لاطلاق عملية السلام بأن تقوما بدورهما لمساعدة بلاده بدلا من التلويح بفرض مزيد من الضغوط, الامر الذي ينذر بان المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الخلافات والتجاذبات العلنية بين الجانبين لحين حسم مصير هذه الاتفاقية.