سادت خلال أعوام سابقة استعارة مصطلحات من علوم أخري واستخدامها في التحليل الاقتصادي منها علي سبيل المثال ما كان يقال إن الاقتصاد في غرفة الإنعاش أو تربيط صواميل الاقتصاد أو عملية نقل دم للاقتصاد وغير ذلك من مصطلحات يتم استخدامها لتقريب المفاهيم الاقتصادية. في هذا السياق يأتي المصطلح الطبي هشاشة العظام دلالة علي ما أصاب اقتصادنا خلال السنوات السابقة, وهو ليس مجرد تشخيص أو استدلال علي أحوال الوضع الاقتصادي الآن الذي تمر به مصر, لكنه بالدرجة الأولي محاولة لتنبيه القائمين علي إدارة شئون البلاد حاليا ومستقبلا إلي بعض جوانب هذا الوضع فضلا عن محاولة اخري لوضع تصور لخريطة طريق لتدعيم عظام الاقتصاد واستعادة صلابته. ومن المؤكد ان العبء ثقيل للغاية وان مواجهة الوضع الاقتصادي لن تتم بغير ثمن سوف يتحمله الجميع وقرارات صعبة يتعين اتخاذها, إذا كان الهدف تحقيق تنمية مع عدالة اجتماعية وقبل هذا وأهم منه نقل مصر إلي وضع أفضل يليق بها ونحلم به وتمتلك كل القدرات والإمكانات التي تؤهلها لذلك. هناك هشاشة في عظام القوي الاقتصادية وبروز سافر لتجارة الرصيف العشوائية يسندها تهريب مريع مع إهمال كامل للشأن الاقتصادي منذ يناير2011 وإلي يومنا هذا حتي عندما حاولت الحكومة التحرك لمواجهة التردي الاقتصادي راجعت الكتب ووجدت بين صفحاتها حلا عفي عليه الزمان منذ أمد بعيد فقد استقر رأيها علي ان ما يعانيه الإقتصاد المصري هو الكساد, ولذا وجدت في تجربة قدماء المصريين منذ سبعة آلاف سنة الحل كما استندت في هذا الحل إلي نظرية الاقتصادي كينز التي قدمها في ثلاثينيات القرن الماضي وتتركز التجربه الفرعونية والكينزية في ان الحل لاقتصاد يعاني من الكساد هو تشغيل الناس في بناء الأهرامات وشق الترع والمصارف والطرق وهم حين يحصلون علي أجورهم يقومون بإنفاقها علي شراء السلع فيحدث رواج في السوق. هكذا راحت الحكومة بناء علي هذا التصور النظري البسيط والمخل تستخدم ما وصل إلي يدها سواء من معونات عربية او فك وديعة ظلت مجمدة منذ عام1992 فيما يسمي خطة إنعاش او تنشيط الاقتصاد حيث ضخت المليارات في دهان بعض أرصفة العاصمة وتركيب أعمدة إنارة إلي جانب القائمة فعلا ورصف بعض الطرق ذات الكثافة المرورية العالية حتي يشعر المواطن بهذا العمل, غير ان كل هذا لا يحقق أي انتعاشة للاقتصاد فهو إنفاق بلا أي عائد مباشر لا علي الدولة ولا علي المواطن لأن العلاج لم يتم بالشكل السليم كأنك مثلا تعطي مريض السكر دهانا للروماتيزم. ومن ثم فإن ما يسمي خطة الإنعاش هي في حقيقة الأمر إهدار للمال العام بلا أي عائد حاليا أو مستقبلا وبلا مردود اقتصادي وتدل علي سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد وترحيل الأزمة برمتها لحكومة قادمة بعدما يتم الاستفتاء علي الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية بينما الوضع الاقتصادي يتفاقم ولا يتحمل التأجيل. وأن أصحاب القرار الاقتصادي لم يتخذوا الإجراءات المناسبة وإن اتخذوا قرارا فإما أنه ضعيف وعديم الأثر وإما ان آثاره سلبية تزيد الأمور تعقيدا. علينا أن ندرك أن مناخ الاستثمار حاليا في أسوأ اوضاعه وطارد للاستثمارات المحلية وغير جاذب بالمرة للاستثمارات الأجنبية؟ ويتطلب تحسين مناخ الاستثمار تحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي ووقف الانفلات في سعر النقد الأجنبي والتزام الحكومة بقراراتها وتعاقداتها واستقرار العمل في الموانيء ووسائل النقل ووضع خطط للاصلاح الاقتصادي جادة وحكومة قادرة علي تنفيذها واستقرار العمال. هناك حلول ممكنة تحتاج إلي فكر علي طراز عالمي يخاطب العالم بلغته. ولعل الإعلان عن مشروع تنمية إقليم قناة السويس؟؟. الباب السحري للحلول يبدأ بتوفير الأمن وتشغيل المصانع المعطلة وإعلان هدنة عمالية وتطبيق مبدأ المفاوضة الجماعية بين نقابات العمال وبين رجال الأعمال وإعلان سعر صرف جديد للجنيه المصري ومن جانب آخر علي الحكومة ان تعلن بوضوح أي سياسات اقتصادية تتبعها بمعني هل تتبع سياسة انكماشية أم سياسة توسعية؟ هل هي سياسة اقتصاد حر أم عودة إلي الوراء ببسط سيطرة الدولة وهيمنتها علي كل الجوانب الاقتصادية؟ كما أن عليها مواجهة ملفات ملتهبة كالدعم الذي يستفيد من نصفه الأغنياء بشرط توجيه الوفرللتعليم والصحة والعشوائيات وكذلك ملف البطالة وملف عدالة توزيع مشروعات التنمية لينال الصعيد وسيناء النصيب العادل المستحق منها وإعادة تشغيل المصانع والطاقات الإنتاجية التي تعطلت وتحقيق العدالة الاجتماعية بالإصلاح الضريبي بفرض ضريبة تصاعدية عادلة والأخذ بنظام الضريبة علي القيمة المضافة وفرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية بالبورصة وعلي الأموال الساخنة التي تدخلها وتخرج منها بسرعة وخفض الضريبة علي مرتبات الموظفين وزيادة حد الإعفاء الضريبي الممنوح لهم وتحصيل المتأخرات الضريبية. مصر بها من الطاقات الكامنة ما يمكنها من العودة للإنطلاق وتحقيق معدل للنمو بشرط أن يتوافر الإمان والإستقرار السياسي والاجتماعي وتعود وحدة المجتمع و الإعلان عن هوية الاقتصاد المصري ومؤسساته المالية ونظامه الضريبي وتثبيت الاقتصاد من خلال وضع رؤية اقتصادية متكاملة مالية واقتصادية كبرنامج صارم للإصلاح ووضع إستراتيجية للنمو المتوازن لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية وإعلان حزمة إجراءات محفزة للاستثمار وضمانات للمستثمرين تحمي استثماراتهم وطرح وسائل جديدة لتعبئة المدخرات المحلية واستخدام العائد المصرفي كوسيلة لتشجيع الإدخار ووقف الواردات الكمالية. لمزيد من مقالات عصام رفعت