لم أفهم التناقض في سلطة إصدار القرارات الإقتصادية مؤخرا حين ترك وزير المالية تقرير العلاوة السنوية للسيد الرئيس والتي قررها بنسبة15% للعاملين والمعاشات وفي هذا عودة مبكرة إلي نظام توجيهات الرئيس. فهل هذا القرار يدخل في نطاق عمل الرئيس أم مجلس الوزراء الذي انفرد بقرار زيادة معاشات العسكريين بنسبة10% وهي أقل من نسبة زيادة معاشات المدنيين بكل ما تحمله من معاني عدم العدل والمساواة ويتدخل الرئيس ويرفعها إلي15% فهل هذه حركة من المجلس ليكسب الرئيس بنطا واستمرارا لنظام الإدارة القديم الذي ثار عليه الشعب ؟ أم سوء إدارة يستحق عليه المجلس اللوم ولفت النظر ؟ هذا الأسلوب لن يجدي في معالجة الموقف الاقتصادي الآن والذي يتسم بالفوضي وهذا هو الوصف الدقيق لأحوالنا الإقتصادية, كما أشار إليها الرئيس المنتخب محمد مرسي في خطابه بجامعة القاهرة: إزالة آثار الفوضي الاقتصادية التي اجتاحت مصرنا وهي مهما كانت تكلفتها الا أنها تهون إذا أدت بالفعل إلي إصلاح إقتصادي حقيقي في مصر يحقق التنمية والعدالة الإجتماعية وبإدارة اقتصادية فاهمة وحازمة. هل تدهورت أحوالنا الاقتصادية؟ الإجابة: نعم ولكن السؤال لماذا لم يشعر بها المواطن؟ ببساطة لأن سعر الدولار مكبوت وتحت ضغط حتي لا يفلت وتنفلت معه الأسعار وكان ثمن ذلك أن مصر فقدت ثلثي احتياطيها من النقد الأجنبي الذي تجاوز حدود الأمان ومن هنا سعت السلطات إلي قرض بقيمة مليار دولار مع مؤسسة التنمية الإسلامية سوف يخصص للسلع الاستهلاكية والمواد البترولية أي أننا نأكل اليوم وعلي الاجيال القادمة أن تسدد لنا الفاتورة. ما يعنينا الآن هو الا تتم مواجهة المشكلة الاقتصادية بطريقة إطفاء الحرائق. إن الخيار الوحيد المتاح أمامنا بالفعل إذا كنا جادين هو إتخاذ قرارات ترقي إلي مستوي المسئولية خاصة أن لدينا فرصة تاريخية لم تتح من قبل إذ أن مصر في حالة تغير وليس مجرد تغيير ومن ثم يصبح المهم هو كيف نغير فعلا ومن الذي يقود التغيير الاقتصادي ؟ كيف يتم الإصلاح بمن ولمن؟ أمامنا وضع كان للقطاع الخاص دور كبير ولكن بغير قواعد وضوابط وكوابح للفساد وسيطرة المال علي الحكم وضعفت الدولة حين كان يجب أن تكون قويه وتحقق نمو بغير عدالة اجتماعية أدي إلي تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء وزاد من الإحتقان ولم يوفر فرص العمل المناسبة وإتسعت الفجوة بين الأجور وبرز الاقتصاد غير الرسمي ومصانع, بير السلم بشكل مثير وحصد ثمار النمو أصحاب المصالح الخاصة في الدوائر القريبة من الحكم واتخاذ القرار. كان الوضع يحتاج إلي زلزال أحدثته ثورة الشعب وعلينا أن نتأمل النتائج بعد عام ونصف العام: ما الذي حدث وما هو الوضع القائم الآن ؟ لا يزال هناك غياب للاستقرار والأمن رغم الإشارات الإيجابية التي أظهرها انتخاب رئيس جديد وغياب رؤية وتوجهات إقتصادية واضحة وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار وانخفاض الائتمان المصرفي وعدم قدرة الحكومة علي إتخاذ حزمة إجراءات إصلاح إقتصادي وعدم رغبة أطراف خارجية التعاون مع مصر سواء دول خليجية أو مؤسسات دولية كالبنك الدولي. وتشير النتائج الأولية إلي تراجع الأداء في العديد من القطاعات وتعميق الإختلالات القائمة منها علي سبيل المثال الإنخفاض الحاد في الاحتياطي لدي البنك المركزي ويبدو أن هناك ملامح أزمة سيولة لدي الجهاز المصرفي عالجها البنك المركزي بتخفيض نسبة الاحتياطي القانوني وهي سياسة محمودة ولكنها أقرب إلي المسكنات منها إلي الدواء ولم تنجح الحكومة في توفير سيولة خارجية بالنقد الأجنبي من خلال إصدارها سندات المغتربين كما زاد إقتراضها من البنوك و إرتفع العائد علي أذون الخزانةإلي أعلي مستوي منذ15 سنة وهو ما يعني زيادة تكلفة إقتراض الحكومة ويوجه السيولة بالبنوك إلي الإستثمار في أذون الخزانة وتفضيلها ذلك عن منح الائتمان للأنشطة الأخري نظرا لغياب الرؤية الحكومية من ناحيه ووقوف الاستثمار والمستثمرين عند محطة الانتظار. لاينبغي أن نقف كثيرا عند تأمل المشهد الراهن للاقتصاد المصري إذ أننا في هذه اللحظة نكون قد فقدنا بأيدينا الفرصة التاريخية علينا أن نحدد بوضوح الطريق إلي الامام: ما هو شكله وما هي فلسفته وما هي آلياته وما هي القوي الفاعلة فيه وإذا كان التوجه هو إسناد دور قيادة التنمية للقطاع الخاص فيجب توفير الإطار الذي يصحح خطواته بدون أن يقع في أخطاء الماضي من خلال الشفافية وعدالة تطبيق القانون وقيامه بدوره في العدالة الاجتماعية ودعم مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقوانين منع الإحتكار وحماية المستهلك. علينا أيضا مواجهة ملفات ملتهبة كالدعم الذي يستفيد من نصفه الأغنياء بشرط توجيه الوفرللتعليم والصحة والعشوائيات وكذلك ملف البطالة وملف عدالة توزيع مشروعات التنميه لينال الصعيد وسيناء النصيب العادل المستحق منها وإعادة تشغيل المصانع والطاقات الإنتاجية التي تعطلت وتحقيق العدالة الإجتماعية بالإصلاح الضريبي وفرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية بالبورصة وخفض الضريبة علي مرتبات الموظفين وزيادة حد الإعفاء الضريبي الممنوح لهم ونتصور الدعوة إلي مؤتمر إقتصادي عالمي يعد له جيدا تحضره القوي الإقتصادية المصرية ويدعي إليه المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة للقروض والشركات العالمية يستهدف الإعلان عن وجه مصر الجديد وتوجهاتها الديمقراطية وكذا حزمة إجراءات تحفيزية للقطاع الخاص المصري تزيد الاستثمار وحوافز وفرص الاستثمار الأجنبي وتحويل مصر إلي الموقع الاقليمي للاستثمار والانتاج والمعارض والمطارات والنشاط المالي نحن نريد النهضة لمصر وعلينا أن نبدأ. المزيد من مقالات عصام رفعت