منذ ان تولي نبيل فهمي مسئولية وزارة الخارجية, أعلن انه سوف يضع إفريقيا في مقدمة أولويات السياسة الخارجية المصرية في ضوء العلاقات الاستراتيجية بيننا وبين هذه القارة الواعدة. لقد ظهرت بالفعل روح المجموعة الوزارية التي قامت مؤخرا بزيارة كل من أوغندا وبوروندي متمثلة في وزراء الخارجية والزراعة والإسكان وهم يمثلون لإفريقيا ولدول حوض النيل اهتماما بالغا وبالذات أن هناك نية في دعم الوجود المصري في إفريقيا من خلال تعزيز دور شركات المقاولات المصرية الكبري وإقامة المشروعات الزراعية المشتركة في ضوء تفوق الزراعة المصرية والسمعة التي تتمتع بها مصر في هذا المجال الحيوي الذي أخفق وتراجع للأسف, وظل برغم كل الأزمات واعدا بسبب جغرافية مصر... وعراقة مزارعيها وفلاحيها. الحقيقة ان مصر وهي تتعامل مع قضية مياه النيل الشائكة لاتنسي الاخفاقات التي جرت بعد اقصاء الدكتور محمود أبوزيد وزير الري الأسبق, ووصول الإخوان المسلمين إلي الحكم بعد25 يناير, والأخطاء الفادحة التي جرت في هذا الملف, بسبب الجهل أو الاهمال أو سوء التقدير السياسي. ولقد نجحت مصر الآن في اقناع المسئولين في أوغندا وبوروندي بأن التوجه المصري لدول حوض النيل لايستهدف مصالح وقتية مرتبطة بملف مياه النيل رغم الاهتمام الذي توليه مصر لهذا الملف. وكان لدي الوفد الوزاري الذي زار أوغندا فرصة سانحة في تناول القضايا الاقليمية والوضع في البحيرات العظمي, والاتحاد الإفريقي وقضية الأمن المائي والمستقبل المشترك بين مصر وأوغندا بحرفية دبلوماسية بعيدة عن العنجهية التي كانت احيانا سببا في تراجع العلاقات المصرية الإفريقية. ولاشك ان الشهور القادمة سوف تشهد المزيد من التقارب المصري مع دول حوض النيل. ولعل من أهم مظاهر نجاح تلك الجولة الوزارية الإفريقية تبني الرئيس الأوغندي موقفا متطابقا مع الموقف المصري وهو أن نهر النيل يجب أن يكون مصدرا ومجالا للتعاون وأن احتياجات دول الحوض متنوعة وليست متعارضة والكل يحتاج نسبا مختلفة من المياه وعناصر مختلفة من التنمية والبعض يحتاج إلي مصادر اضافية من الطاقة. وجاءت زيارة الوفد الوزاري لبوروندي بمنزلة رسالة بأن لمصر وإفريقيا مصالح مشتركة وركزت علي الأمن المائي وعلاقاتنا بدول حوض النيل في اطار مستقبل مشترك وقضية البحيرات العظمي, والمتوقع أن تسهم الجولة في الإسراع بعودة مصر إلي الاتحاد الإفريقي وبانفراجة مؤكدة في قضية سد النهضة. ولاشك ان التحركات المصرية سوف تكسر محاولات إقصاء مصر من إفريقيا وتعود المياه إلي مجاريها بفضل ثقل التاريخ والجغرافيا. وإذا كنا نريد ان نبعث الحياة من جديد في علاقتنا مع إفريقيا فلابد أن يكف الاعلام المصري عن التحدث عن إفريقيا السوداء أو السمراء لأنه لفظ استعماري ترفضه الدبلوماسية المصرية منذ ان أسهمت في تحرير إفريقيا. ولقد أكدت زيارة وزير الخارجية للسنغال تعاظم الاهتمام بالقارة الأفريقية عموما, وبغربها خصوصا, خاصة أن العلاقات التي تربط بين القاهرة وداكار عميقة, ومرشح أن تتنامي في ضوء الدور الذي تقومان به في تنقية الأجواء بين دول القارة, الذي ظهرت معالمه في منظمة الفرانكفونية. الواقع أن القمة العربية- الأفريقية الثالثة تجسد مدي الاهتمام المصري بهذه القارة والروابط والقواسم المشتركة بينها والجامعة العربية. وربما تكون القمة واللقاءات التي ستعقد علي هامشها فرصة لدفع العلاقات بين مصر وغالبية الدول الأفريقية, وتفادي المخاطر التي تهدد الجانبين, وتجاوز محاولات الوقيعة التي جرت خلال الفترة الماضية بين مصر وبعض دول حوض النيل. وينبع ذلك من الدور الذي لعبته مصر في توطيد أواصر العلاقات بين الدائرتين العربية والأفريقية وإرساء التقاليد القوية لتأسيس القاعدة التي تجمع بين المحيطين, وفي ضوء نتائج القمة التي تعقد تحت شعار شركاء في التنمية والاستثمار سوف تتزايد روابط التعاون الاقتصادي والتنموي. وقد يكون ذلك مقدمة حقيقية لعودة مصر لفاعليتها السابقة علي مستويات مختلفة. لمزيد من مقالات عائشة عبد الغفار