عرضنا في المقال السابق جوانب مهمة من الملحمة الوطنية التي ظهرت خلال الفترة الماضية, والتي أكدت عبقرية هذا الشعب.. وهنا نستكمل الملحمة الحامي الرئيسي الثاني بل الأكبر, الذي نرحب بدوره الوطني هو القوات المسلحة لشعب مصر. ومن دواعي السرور والاحتفاء أن القوات المسلحة لشعب مصر تعود إلي الساحة الوطنية معلنة أنها لا تطمع في الحكم أو حتي الانغماس كطرف أصيل في السياسة, وإنما فقط تتدخل لإنهاء الأزمة السياسية التي أمسكت بخناق البلاد بسبب العناد المريب والمكابر لسلطة الحكم, وكأن محمد مرسي ومن وراءه يعيدون مسار محمد حسني مبارك بحذافيره. ومن حسن التقدير وكمال الفطنة أن أخرجت قيادة القوات المسلحة إنهاءها لسلطة اليمين المتأسلم علي درجة راقية من الوحدة الوطنية وتكامل أطياف الشعب المناصرة للدولة المدنية الحديثة فجاء عرسا وطنيا بكل معني الكلمة. هذا بينما ماطل الرئيس الذي كان حاكما طويلا وفي اللحظة الأخيرة وبعد رفض معاند لشهور طويلة, قرر إسقاط حكومته التي ظهر فشلها جليا منذ أيامها الأولي, وفقط بعد استقالة عدد كبير من اعضائها احتراما لإرادة الشعب, مع علم الجميع بأن الوزارة لم تكن لها قيمة ملموسة في ساحة اتخاذ القرار. كما بعد صمت طويل أشاع التوتر وعظم من الخلف بين اقسام الشعب, خرج بخطاب يكاد يعيد محتوي خطاب محمد حسني الأخير والأسوأ أنه بعد أن وقعت الواقعة وتحول إلي أسير بين ايدي من لجأ إليهم لحمايته من غضبة الشعب الذي لم يستحق يوما أن يحكمه, حاول الوقيعة بين القائد العام وجنده, وهدد أشياعه بإفساد العرس الوطني الرائع الذي استعاد الشعب فيه وطنه بجرائم العنف الخسيس التي اعتادوا توسلها لأغراضهم الدنيئة. وبدلا من السعي للانضواء في المرحلة الجديدة من الثورة الشعبية العظيمة خدمة لصالح الشعب والوطن, سارعت قيادات الإخوان الخداعون إلي ترتيب اختفائها تمهيدا لهروبها ربما إلي حمي فصائل أخري من تنظيمهم الدولي, بينما ظلوا يحرضون اشياعهم من الدهماء علي العنف المسلح وارتكاب الأفعال الإرهابية في حق مؤسسات الدولة وحتي المواطنين الأبرياء. وقد أدت هذه التصرفات الإجرامية إلي وقوع ضحايا وخسائر مادية لا تغتفر. وفي هذا دليل دامغ علي أن قيادات هذا التيار, وأتباعهم من بسطاء العامة الدهماء, تفتقر إلي أقل القليل من حسن الخلق, وهو في قول للرسول الكريم جوهر الإسلام. بل بلغ الإجرام بواحد من كبار مساعدي محمد مرسي عصام الحداد, وقد كان من قياديي التنظيم الدولي للإخوان في لندن, ومهندس الاتصالات بين الإدارة الأمريكية والإخوان المخادعين, أن يطالب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بإرسال قوات دولية تهاجم مصر لاستعادة منصب رئيس الدولة لجماعة الإخوان المخادعين. وأي خيانة للوطن لصالح فرد أو جماعة ضالة! هذه هي وطنية اليمين المتأسلم كما شهدوا علي أنفسهم, كما سيحدث لهم يوم القيامة. وفي كل هذا مؤشرات قوية علي أن الرئيس الساقط وعصبته سيلقون النهاية نفسها, إن لم يكن أسوأ, مما لقي الطاغية المخلوع وعصابته, والدلائل علي صحة هذا التنبؤ تتري. وهذا ما ينقلنا إلي الحامي الرئيسي الثالث. فقد كان قضاء مصر الشامخ دوما النصير الأزلي للحق والعدل في مصر, ومن ثم حاميا صنديدا لواحد من أهم أعمدة الدولة المصرية وأبرز الأسس المتينة للوطنية المصرية. ومن دواعي البشر والاستبشار أن خطة طريق المرحلة الانتقالية الثانية تضع رئيس المحكمة العليا في البلاد علي رأس الحكم إلي حين تصحيح الدستور المعيب الذي اختطفته سلطة اليمين المتأسلم وإجراء انتخابات شريفة ونزيهة لتكوين سلطة الحكم الجديدة التي نرجو أن تعمل باجتهاد لنيل غايات الثورة الشعبية العظيمة. ونتمني أن تنتج لنا نظاما للعدالة الانتقالية الناجزة علي الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن والشعب. ومن حسن الطالع أن الرئيس المؤقت مؤهل لقيادته بجدارة كونه رئيس المحكمة العليا في البلاد. ومصداقا للأمل المعقود علي قضاء مصر الشامخ, تبشر تصريحات الرئيس المؤقت الأولي بكثير خير. ومن المواقف التي تحسب لقضاء مصر العظيم, إعلان المستشار عبد المجيد محمود ترك منصب النائب العام وعودته لمنصة القضاء. وليس غريبا في ضوء عودة الحماة الأساس إلي أحضان شعبهم, أن نشهد الإعلام الرسمي يبدي تحولا حثيثا تجاه الوجهة الحميدة نفسها بعد هروب قياداتهم أو تواريها. علي أن من واجب الحماة وجموع الشعب المصري, خاصة طليعة الشبيبة, تأكيد أن نجاح هذه الموجة الثانية من الثورة الشعبية يعني, باستثناء من يقدمون لمحاكمات عادلة في نظام كفء للعدالة الانتقالية الناجزة لتورطهم في جرائم أضرت بالشعب والوطن, أو استحلوا المال العام من غير وجه حق, ضمان عدم إقصاء أي قوي سياسية من مختلف أطياف تيار الإسلام السياسي, وغيرهم, التي ترتضي العمل في الساحة السياسية كتيارات ترتضي مجمل مكونات النسق الديمقراطي السليم لدولة مدنية حديثة تقوم علي المواطنة المتساوية للجميع وفي احزاب مدنية بكل معني الكلمة وإن تبنت مرجعية إسلامية مستنيرة لا تبتغي إلا وجه الله والوطن ولا تستغل الدين ستارا لأغراض سياسية دنيئة يسمو عنها الإسلام الحنيف, وتنبذ أي لجوء للعنف بجميع أشكاله, من العنف اللفظي حتي اللجوء لتوظيف أي صنف من السلاح, وأن تمتنع تماما عن الكذب والخداع والمراوغة التي تصم سلوكهم السياسي فيما سبق, وليست من خلق الإسلام في شيء. غير أن الحيطة واجبة تجاه تيار لم يتورع عن الخداع والعنف وتتطلب مراجعة قوانين وإجراءات تكوين الأحزاب والانتخابات لكي يكون مستحيلا أن تنشأ أحزاب علي اساس ديني إقصائي ولو بالمراوغة, ويمنع أن تتنافس هذه الأحزاب في الانتخابات بتوظيف الإغراء والغواية الدينية المخادعين, منعا باتا. وهذا هو المضمون السليم للمصالحة الوطنية التي تستهدف إعادة بناء مصر في سياق مشروع جاد للنهضة الإنسانية يمهد له إقامة البني القانونية والمؤسسية للحكم الديمقراطي السليم. وهذه هي أيضا المعالم الرئيسية لمسار المرحلة الانتقالية الثانية بعد سقوط حكم اليمين المتأسلم, والتي نرجو أن تتفادي إخفاقات المرحة الانتقالية الأولي. ومرحبا بمن يريد الانضواء تحتها, مالم يجرم في حق الشعب والوطن أو يفسد في الأرض مستحلا المال العام بغير وجه حق, مواطنا متساويا في الحقوق والواجبات لبناء مصر القوية العزيزة. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى