حاول الرئيس فلاديمير بوتين ان يكون أكثر تماسكا وإن اتسمت نبرته بالتوتر لدي رده علي سؤال مراسلة بي بي سي عقب لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. حول ما اذا كان من الاخلاق ان تواصل روسيا تسليحها لأناس تلطخت إيديهم بدماء المواطنين المسالمين؟. تساءل بوتين عما اذا كان هناك من يستطيع دعم اناس يقتلون أعداءهم ويشقون بطونهم ويأكلون احشاءهم علانية وامام الكاميرات؟, وإن اعترف بان ايدي كلا طرفي الصراع ملطخة بالدماء. هذه المقدمة كانت مقدمة لجدل احتدم علي نحو اكثر حدة فيما وراء ابواب العديد من اللقاءات الثنائية للرئيس بوتين مع نظرائه من رؤساء بلدان قمة الثماني الكبار في ايرلندا الشمالية من منظور تباين المواقف تجاه مسألة تسليح المعارضة السورية. وكانت موسكو استبقت هذه اللقاءات بتفنيد اتهامات واشنطن للحكومة السورية حول استخدامها للاسلحة الكيماوية, والتي رد عليها سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية بقوله: ان النظام السوري ليس بحاجة إلي استخدام السلاح الكيميائي, وان هذه المعلومات لاتتفق معمعايير خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية, والتي تقول إن عينات الدم والأرض والملابس لا تعتبر دليلا يعتد به إلا إذا أخذها خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وراقبوها علي طول الطريق من مكان الحدث إلي المختبر.وأضاف أن ما قدمه الشركاء الأمريكيون, وقبلهم الإنجليز والفرنسيون من دلائل لا يتضمن اي تأكيد حول أن العينات التي تستند إليها الاستنتاجات المطروحة, تتتفق معالمعايير الصارمة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.واعاد لافروف الي الاذهان ما جري توجيهه من اتهامات للعراق حول امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل وما اسفر عن ذلك من نتائج يعرفها العالم بأسره, بينما اعلن عن ضياع فرصة إجراء الاممالمتحدة التحقيق في هذه المسالة, وهو ما قال انهم صارحوا به الامين العام للامم المتحدة خلال زيارته الاخيرة لموسكو. ومن اللافت بهذا الصدد ان العلاقات الروسية الامريكية تكاد تصل الي مرحلة يخشي الكثيرون ان تطيح بما سبق وحققه وزيرا خارجية البلدين سيرجي لافروف وجون كيري في مطلع مايو الماضي من وفاق حول العمل من اجل الدعوة الي عقد مؤتمر جنيف-2, وهو ما حرص الرئيسان بوتين واوباما التركيز عليه خلال لقائهما الثنائي قبيل قمة الثماني الكبار. وكان بوتين كشف في ختام هذا اللقاء الذي طال لما يقرب من الساعتين, انه خلص مع اوباما ورغم وجود الخلافات تجاه بعض جوانب الازمة السورية الي اتفاق في الرؤي حول ضرورة الحيلولة دون استمرار العنف ودون استخدام الاسلحة الكيماوية الموجودة في سوريا واهمية انعقاد مؤتمر جنيف-2 الذي قال انه لا مناص عنه لانتزاع فتيل الازمة, والتي يحذر الكثيرون من احتمالات تحولها الي حرب اقليمية واسعة النطاق طويلة الامد. وكان الجانب الروسي في كل اللقاءات الثنائية والمتعددة الاطراف يؤكد ثوابت سياساته تجاه هذه المسألة في اطار الاعلان عن عدم تمسكه ببشار الاسد. واعاد الي الاذهان ما سبق واكده بوتين حول أن روسيا ليست محاميا عن الحكومة السورية الراهنة وعن الرئيس الحالي بشار الأسد.واضاف الرئيس الروسي ان بلاده لا تريد ان تتدخل في العلاقات بين السنة والشيعة مؤكدا ان الغرب يحارب في مالي القوي التي يدعمها في سوريا. واذ حذر من خطورة جبهة النصرة الموجودة في سوريا, قال بوتين انها لا تخفي علاقاتها مع القاعدة, وتعتبر عنصرا اساسيا من عناصر المعارضة السورية المسلحة ومدرجة ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية ومع ذلك يفتقد الغرب الي سياسة واضحة تجاه هذه الجماعة, وقد سبق وقال لافروف ان موسكو لم تلاحظ أي قلق لدي الشركاء الأوروبيين بشأن القبض علي مسلحي جبهة النصرة وبحوزتهم غاز السارين في تركيا.وقال ايضا انه من الممكن قبول اي معارضة في حال اذا كانت تتصرف في إطار القانون, معربا عن أمله في ان تسهم المبادرات الدولية, ومنها المبادرة المصرية والمبادرة البريطانية ومبادرة الخارجيتين الروسية والأمريكية, في إيجاد الفرصة للحل السياسي في سوريا. وبهذا الصدد اعرب الكسندر لوكاشيفتش المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية عن دهشته ازاء ما اتخذته القاهرة من قرارات تري موسكو انها تنسف الكثير مما سبق وتعهد به الرئيس مرسي في مباحثاته مع الرئيس بوتين في سوتشي. وقال لوكاشيفتش في مؤتمره الصحفي الدوري اول من امس( الاثنين17 يونيو) أن روسيا تريد أن تعرف أسباب قرار الرئيس المصري بقطع العلاقات مع سوريا, في نفس الوقت الذي اشار فيه الي ان هذا القرار لن يعكس الدور الايجابي لمصر في الجهود الاقليمية لتسوية الأزمة السورية. اما عن طلب فرض الحظر الجوي فوق الاراضي السورية قال لوكاشيفتش ان موسكو لن تسمح بمثل هذا السيناريو, مشيرا إلي أن جميع هذه المناورات حول مناطق الحظر الجوي والممرات الإنسانية سببها عدم احترام القانون الدولي. وأشار المتحدث الروسي إلي أن موقف روسيا واضح ومبدئي. لقد شاهدنا كيف تفرض هذه المناطق وكيف طبقت القرارات في ليبيا.. لا نريد أن يتكرر ذلك في الأزمة السورية.. لن نسمح بهذا السيناريو. وأوضح لوكاشيفتش أن عقد توريد منظومة اس 300 إلي سوريا وقع في وقت سابق, مشيرا إلي أن العقد لم ينفذ حتي هذه اللحظة, مشددا علي أن روسيا لا تخرق القوانين الدولية عبر توريد الأسلحة إلي الحكومة السورية في اشارة الي احتمالات التصعيد في حال اصرار الغرب علي امداد المعارضة بالاسلحة وسعيا وراء وقف امدادات بعض الدول العربية للمعارضة بالصواريخ المضادة للطائرات.وكان الجانب الروسي حذر في اكثر من مناسبة من احتمالات وقوع هذه الاسلحة في ايدي المتطرفين والارهابيين الذين يقاتلون في صفوف المعارضة السورية وهو ما يبدو انه لقي اذانا صاغية خلال لقاءات بوتين مع نظرائه الذين التقاهم علي هامش قمة الثماني الكبار. ولعل ما خلص اليه الرئيس بوتين مع العديد من نظرائه في قمة الثماني الكبار حول ضرورة دفع اطراف الازمة السورية الي الجلوس الي مائدة المفاوضات في جنيف-2, يقول ببصيص ضوء في نهاية النفق المظلم.. فهل يتسع المستقبل القريب لمثل هذه الآمال الي حين انعقاد القمة المرتقبة بين الزعيمين في مطلع سبتمبر المقبل؟!.