في مؤتمره الصحفي الاخير كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن موقف بلاده من الازمة السورية. ورغم ان ما قاله بوتين من حيث الشكل يبدو لا جديد فيه حيث سبق أن أكد اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة ان موسكو لا تقف وراء بقاء الرئيس الاسد, الا انه مفعم من حيث المضمون بالعديد من الاشارات التي تقول بالتغيير, ومنها حرصه علي توفير الضمانات اللازمة لرحيل الاسد. فماذا قال بوتين ؟ وما هو الجديد في الموقف الروسي اليوم ؟. كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي الذي عقده في نهاية الاسبوع الماضي بمشاركة ما يزيد عن1260 صحفيا يمثلون في معظمهم الصحافة الروسية المحلية عن موقفه من سبل حل الازمة السورية في تصريحات وإن بدت تكرارا لسابقاتها من حيث الشكل, الا انها كانت جديدة من حيث المضمون. وكان بوتين قد استهل هذه التصريحات بتأكيده حول عدم جواز تكرار التجربة الليبية التي قال انها اسفرت عن انهيار الدولة واندلاع الخلافات القبلية هناك. واكد الرئيس الروسي ان مقتل السفير الامريكي في ليبيا كان نتيجة اخطاء ورعونة السياسات التي انتهجوها هناك.وحول الموقف من سوريا قال بوتين نحن بكل بساطة لا نريد ان تقوم المعارضة الحالية بعد استلام السلطة, بمطاردة السلطة الحالية, التي سوف تتحول الي المعارضة, ولا نريدها ان تصبح عملية بلا نهاية. في هذه الجملة تحديدا يمكن ان نجد اعترافا ضمنيا من جانب بوتين بان المعارضة في سبيلها الي انتزاع زمام المبادرة من السلطة وهو ما تخشاه موسكو, وإن اكدت في نفس الوقت احتمالات تحول السلطة الي مواقع المعارضة وهو ما لا بد ان يطيل امد الحرب الاهلية. وكان الرئيس الروسي اشار ايضا الي ان الذي يهمنا طبعا هو موقع روسيا الاتحادية في المنطقة, وإن قال بعدم وجود المصالح الاقتصادية الكبيرة التي يمكن ان تدفع روسيا الي التمسك بها. واذا كان بوتين ألحق ذلك بقوله: ان روسيا ليست قلقة علي نظام بشار الاسد, بل نحن قلقون بسبب ما يجري هناك حاليا, فانه سرعان ما رفد هذا الموقف بتحذير ضمني للاسد من ضرورة الرحيل لان البقاء قد طال لاكثر مما ينبغي, حيث قال صراحة: نحن ندرك أن هذه العائلة توجد في السلطة منذ40 سنة, ولا ريب ان التغييرات لا بد منها. واضاف ان ما يقلقنا هو مستقبل سوريا. واذ اشار بوتين إلي ان الأسد لم يكن يزور موسكو بقدر زياراته لباريس والعواصم الاوروبية الاخري, قال: ان اقتراحاتنا ومواقفنا تتلخص لا في الحفاظ علي نظام بشار الاسد بل في العثور علي الحل الذي يمكن ان يقي المنطقة وهذه الدولة من الانهيار ومن الحرب الاهلية التي لا تنتهي. وهنا نتوقف لنرصد اشارة الرئيس الروسي الي الحلول المقترحة التي اوجزها في قوله: ان موقفنا لا يتلخص في الحفاظ علي بقاء الاسد في السلطة بل في انه يجب في البداية ان تتفق الاطراف فيما بينها حول كيفية العيش لاحقا وكيف يمكن ضمان امن ومشاركة هذه الاطراف في ادارة الدولة وبعد ذلك يمكن البدء في تنفيذ ذلك بموجب ما يتوصلون اليه من اتفاقات حول هذا الامر وليس العكس.. في البداية طرد وتصفية كل شئ ثم محاولة الاتفاق في وقت لاحق. ولعل الرئيس الروسي يكون بذلك قد طرح برنامج عمل يتضمن تأمين الخروج الامن للأسد, ومشاركة ممثليه في الادارة الانتقالية بموجب اتفاق الاطراف الان, وليس غدا علي أسنة الانتصارات العسكرية التي حرص علي تأكيد انها لا يجب ان تكون سلاحا تشرعه المعارضة في وجه السلطة لارغامها علي الاستسلام. ولعله من المناسب هنا استعادة ما قاله رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية حول انه طرح علي بوتين خلال زيارته الاخيرة لانقرة في مطلع ديسمبر الجاري خطة تنص علي ان يتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في الأشهر الثلاثة الأولي من عام2013, علي أن يتسلم السلطة لمرحلة انتقالية الائتلاف الوطني, وهي الفكرة التي قالت المصادر التركية انها راقت للرئيس الروسي, الامر الذي قد يدفعنا الي استنتاج تحول نوعي في الموقف الروسي, يمكن ان نضيفه الي ما قيل علي لسان ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصي للرئيس الروسي الي الشرق الاوسط حول الاعتراف بتقدم المعارضة علي الأرض وانحسار سيطرة الحكومة في مناطق جديدة في سوريا, رغم ما قيل لاحقا حول نفي هذه التصريحات. واذا اضفنا الي ذلك ما سبق وقاله ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصي للرئيس نائب وزير الخارجية لالاهرام الاسبوع الماضي حول احتمالات عقد جنيف-2 وما يقال اليوم حول اللقاء المرتقب بين الاخضر الابراهيمي المبعوث الاممي الي سوريا والرئيس الاسد فاننا نكون امام لقاء ثلاثي جديد يجمع بوجدانوف مع نظيره الامريكي وليام بيرينز والابراهيمي للاعداد للقاء اطراف جنيف1 علي المستوي الوزاري لطرح صياغة جديدة لاتفاقات جنيف تراعي نتائج المهام المكوكية التي قام بها الابراهيمي خلال الفترة الماضية.وفي ذلك ايضا يمكن رصد ملامح التغير في الموقف الروسي الذي تتحدث عنه المصادر الامريكية, وما يمكن ان تدعمه موسكو التي افصحت مؤخرا عن استعدادها للتعاون مع الائتلاف الوطني السوري الذي حظي دوليا باعتراف ما يزيد عن المائة دولة منها فرنسا والولايات المتحدة واطراف عربية. وكان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية قد اشار في حديثه الذي ادلي به في نهاية الاسبوع الماضي الي قناة يورونيوز الي أن روسيا لا تعترف بالائتلاف الوطني للقوي الثورية والمعارضة السورية, ولكنها مستعدة للعمل معه, وإن صاغ ذلك علي نحو مغاير: ليس هناك من ضرورة للاعتراف بأحد, فنحن نعمل مع كل الأطراف التي تمثل مجموعات محددة من المعارضة السورية. واعرب عن استعداد بلاده للعمل مع الائتلاف الوطني ومع أي هيكل آخر قد يظهر علي ساحة الحقل السياسي من جانب المعارضة, علي حد تعبيره. وأكد الوزير الروسي: الأمر لا يكمن في الاعتراف, الأمر المهم هو دفع الجميع في اتجاه واحد. ومن هنا يمكن توقع بدء اتصالات موسكو مع ممثلي الائتلاف الوطني السوري خلال الفترة القريبة المقبلة.