خط رفيع يفصل بين تجسيد عبثية الدراما أو دراما العبث على المسرح وبين الاستغراق في صورة بصرية تقود المتلقى إلى الملل أحيانا، حتى ولو كانت تلك الصورة أكثر ثراء في التعبير.. هذا بالضبط ما شعرت به لدى مشاهدتى عرض "ماكبت" على خشبة مسرح الهناجر ترجمة د. هدى وصفى عن نص يوجين يونسكو وإخراج أشرف سند.. تلك معادلة صعبة خاصة في تقديم أعمال مسرح العبث، ف"ماكبت" يونسكو التى كتبت بعد الحرب العالمية الثانية تمردا على صراع السلطة، جاءت تعبيرا عن عدم جدوى التواصل بين البشر، لذا اتخذ يونسكو العبثية طريقا للتعبير عن رأيه، سواء في الشكل الذى استخدم فيه الملابس العصرية أو المضمون أو حتى وسيلة هذا التعبير وهى اللغة، وبدأها بتغيير اسم مسرحية "ماكبث" الشكسبيرية إلى "ماكبت" كنوع من السخرية الدالة على تلك العبثية، وإذا كانت "ماكبت" تبرز ملامح الديكتاتورية الكامنة في نفوس البشر، اختارت اثنين من جنرالات جيش الملك دنكان الاسكتلندى وهما ماكبت أو لورد جلاميس وبانكو لطرح صفة الطمع والطموح الجامح الطاغى في السيطرة على الحكم والسلطة بين نوعين من البشر، فرغم ان كلاهما يملك نفس الرغبة إلا أن نفس ماكبت كانت الأسرع استجابة لما بثته في أذنه ثلاث ساحرات - وعلى رأسهن "هيكات" التى اقتبست ملامح زوجة الملك لتحقق مرادها - من معلومات مغلوطة ومتناقضة ليتخلص من الملك دنكان في سبيل الحصول على تلك السلطة بنما اعمل بانكو عقله فلم يستسلم لهمس الساحرات الشريرات بالشكل الكامل. ولا شك ان أشرف سند في أول تجربة إخراجية لها قد برع في تجسيد المتناقضات الإنسانية وصراع البشر بشكل عبثى في صورة بصرية شديدة الثراء، فنراه يستخدم الدمى والرقصات التعبيرية والأداء الحركى المتميز جدا للساحرات الثلاثة بشكل جديد استخدمن فيه التشكل والتلون داخل ملاءة كبرى تشير إلى مدى تلون البشر واختلاف اساليبهم للوصول إلى أطماعهم وسيطرة الديكتاتور الكامن بداخل ماكبت، وقد ساعده في ذلك الديكور والملابس التى صممها فادى فوكيه فقد تحرك كل من ماكبت وبانكو والزوجة وتنقلوا على أبراج أو عالية بين الحين والآخر بما يعكس تعلقهم بأطماعهم وطغيانهم، وكذلك الموسيقية التعبيرية سريعة الإيقاع لكل من بيكا ورزة، وكذلك الإضاءة الغامضة المثيرة لأبو بكر الشريف، في حين سحبت تلك الصورة البصرية البساط شيئا فشيئا من تحت اقدام الدراما، فتسرب الملل في عدة مشاهد إلى نفوس المشاهدين، ففى خضم هذا المسرح الذى يلفه الظلام من كل مكان ضاع لم تكن هناك فرصة لبعض الممثلين في تقديم ما لديهم من قدرات، فانا اتصور مثلا ان شخصيتى الجنديان المتمردان والتى جسدهما كل من سامح فكرى وعلاء النقيب كان يمكن استغلالهما دراميا بشكل أفضل، فكلما خاصة وأن كلاهما يملك حسا فكاهيا أغفله المخرج في تأكيد حالة السخرية والعبثية، وفي نفس الوقت تخفيف حدة القتل والتراجيديا، وحتى حارس الملك الذى صوه النص الأصلى خفيف الظل لم يظهر هكذا في العرض دون سبب مقنع، وبدا وكأن المخرج قد أرغم الممثلين على عدم تقديم افيه هنا وآخر هناك، لذا فحذف نصف ساعة على الأقل من العرض كان سيخدم الدراما كثيرا أو بالأحرى استغلال هذا الوقت في إبراز ملامح الشخصيات وجعلها أكثر عمقا وثراءً، خاصة وأن المخرج اختار ممثلين أكفاء مثل كل من محمد عبدالعظيم (ماكبت) الذى صال وجال على المسرح وملك زمام جنباته بوعى شديد، وكذلك إيهاب بكير (بانكو) صاحب الأداء المتزن والمتفاعل مع الأحداث صعودا وهبوطا بشكل جيد، وكذلك شمس الشرقاوى التى لعبت دور الزوجة الطامعة والساحرة الشريرة في ذات الوقت، والساحرات الثلاثة زينب غريب وصفاء محمدى ومنة الجمل. لمزيد من مقالات باسم صادق