سياسي عربي يقيم في واشنطن لخص الأزمة الحالية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل التي توصف بأنها الأخطر منذ عقدين بقوله إنها اكبر من زوبعة في فنجان واقل من صدام استراتيجي. هناك بالفعل مشكلة حقيقية تواجهها العلاقات الثنائية إلا انه لن يكون لها تبعات خطيرة أو عواقب وخيمة أو غير وخيمة علي إسرائيل ولن تسفر عن شرخ تاريخي بين الحليفين. واشنطن لم تهدد بشيء واكتفت ببيانات وصفت بأنها قوية أو عنيفة إلا أنها جاءت خالية من أي إشارة إلي إجراءات محتملة. بل أعقبها مباشرة وفي كل مرة تأكيد علي الالتزام المطلق بأمن إسرائيل. ورغم الود المفقود بين اوباما ونيتانياهو فلن يجرؤ احدهما علي تصعيد المواجهة أكثر من ذلك بسبب أوضاع وتوازنات داخلية دقيقة في البلدين. وأيضا إدراكا من الجانبين أن المصالح الإستراتيجية بينهما اكبر بكثير من الخلافات العابرة حول المستوطنات أو القضية الفلسطينية كلها. ومادام الأمر كذلك فلماذا ردت واشنطن علي إعلان بناء1600 مسكن جديد بالقدسالشرقية بهذه الحدة رغم أنها ليست المرة الأولي التي تقرر فيها إسرائيل إجراء توسعات استيطانية منذ انتخاب اوباما وهل يختلف الأمر جوهريا لمجرد أن الإعلان تزامن مع زيارة نائبه بايدن؟ المعروف انه تم الإعلان عن112 وحدة سكنية جديدة في القدس أيضا قبل ذلك بيوم وخلال زيارة المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل ولم تقل واشنطن شيئا. وفي الخريف الماضي أعلن عن900 مسكن بالقدسالشرقية بعد أيام قليلة من لقاء اوباما ونيتانياهو في البيت الأبيض وابتلعت واشنطن الإهانة بهدوء. قبل التطرق إلي الأسباب التي أجبرت الأمريكيين علي رد مختلف هذه المرة لابد من البحث عن مبررات اختيار الحكومة الإسرائيلية لهذا التوقيت لإعلان قراراها مع وصول بايدن الذي يفاخر دائما بأنه إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين. يسود الاعتقاد كما قال الفلسطينيون إن الهدف هو نسف المباحثات غير المباشرة التي تم الاتفاق عليها. وبالتأكيد فان كل سوابق ومواقف نيتانياهو وائتلافه المتطرف تعزز هذا الرأي. غير أن الإخراج الرديء وغير المقنع يشجع علي البحث عن أسباب أخري ليست بهذه البساطة. وهنا يطرح الخبير الإسرائيلي الشهير دانيل ليفي الباحث بمؤسسة امريكان فاونديشن بواشنطن4 سيناريوهات يفسر احدها أوكلها معا ما جري. الأول أن المسالة برمتها لم تكن أكثر من صراع إسرائيلي محلي. فالذي أعلن عن المساكن هو وزارة الداخلية وهي في قبضة حزب شاس الديني المتطرف الرافض لأي تنازلات للفلسطينيين. وقد اعترف نيتانياهو بأنه لم يكن يعلم بالإعلان. وهذا يعني إن كان صادقا انه فقد السيطرة علي ائتلافه. وان ما حدث يمثل إهانة له هو وليس لضيفه. السيناريو الثاني يتعلق برؤية إقليمية أوسع تضع إيران في قلب الحدث. ذلك أن حسابات نيتانياهوتفضي إلي أن اوباما اضعف من أن يخوض معركة مع إسرائيل وهويحتاج لامتناعها عن أي عمل عسكري منفرد يهدد مصالح وأرواح الأمريكيين. التفسير المحتمل الثالث يري أن ما جري ليس أكثر من عرض سياسي أمريكي خارج الحدود. ذلك أن هناك روابط متنامية بين الليكود الاستيطاني بإسرائيل واليمين المحافظ الجمهوري في أمريكا. وان ما فعله شاس بعلم نيتانياهوأوبدون علمه كان صفعة بالوكالة علي وجه بايدن واوباما لإحراجهما لمصلحة الجمهوريين. أخيرا يتعلق السيناريوالرابع بتركيبة نيتانياهو نفسه وتاريخه الشخصي مع الرؤساء الأمريكيين. فخلال رئاسته للحكومة للمرة الأولي في التسعينيات اصطدم مع كلينتون ورغم ما قيل بعد ذلك عن تعامله بصلافة مع الرئيس الأمريكي الأسبق إلا أن المعركة أسفرت في النهاية عن سقوط نيتانياهونفسه. ومن هنا يبدومفهوما انه حريص علي عدم تكرر اللعبة الخطرة مع اوباما. وبالتالي عليه إبداء مرونة في عملية السلام. ولكن هذا يدخله في مواجهة مدمرة مع ائتلافه المتطرف. لذلك فان البديل الوحيد أمامه هوالعمل علي حرمان اوباما من الأسلحة التي امتلكها كلينتون وهي الجاذبية والمصداقية لدي الإسرائيليين حتي لا ينقلبوا عليه كما حدث من قبل. وبالنسبة لأسباب التصعيد الأمريكي المحسوب ردا علي التصرف الإسرائيلي أيا كانت دوافعه. فان التفسير المباشر هنا هوأن اوباما الذي لاشك انه يشعر بحرج بالغ إن لم يكن إهانة بسبب تعمد نيتانياهوإفشال كل أحلامه بإحياء عملية السلام, أراد استثمار الموقف للضغط علي رئيس الوزراء لتليين موقفه قبل المفاوضات غير المباشرة أوعلي الأقل ردعه عن وضع المزيد من العراقيل. كما أن الرئيس الأمريكي الذي يتهمه الجمهوريون بالضعف لم يعد بمقدوره تحمل الاستنزاف المستمر في مصداقيته عربيا ودوليا بسبب عجزه عن إحراز تقدم في الشرق الأوسط أوغيره طيلة العام الماضي. غير أن هناك جانبا آخر من القصة ترويه مجلة فورين بوليس الأمريكية يقدم تفسيرا مكملا لأسباب التصعيد الأمريكي غير المعتاد. حين تقول: انه يوم16 يناير الماضي أوفد الجنرال ديفيد بيترايوس قائد القيادة الوسطي المسئولة عن العمليات في الشرق الأوسط وأفغانستان فريقا من كبار ضباطه إلي البنتاجون للقاء رئيس الأركان الأدميرال مايكل مولين. وهناك عرضوا عليه نتائج جولة قاموا بها في الدول العربية التقوا خلالها بكبار القادة. تقول المجلة إن العرض الذي استمر45 دقيقة وتخلله استعراض33 شريحة مصورة أصاب مولين بالذهول بسبب ما نقله الضباط عن حالة الاستياء العربي العارم من الموقف الأمريكي واتهام واشنطن بالتخاذل أمام إسرائيل وفقد الثقة في كل الوعود الأمريكية. وهووضع اعتبر بيترايوس انه يهدد سلامة جنوده بالمنطقة خاصة في ضوء استنتاج خطير قدمه الضباط وهوأن الوضع العسكري الأمريكي يتآكل. وتؤكد المجلة أن تلك الخلاصات كان لها وقع الصدمة بعد ذلك علي البيت الأبيض الذي سارع بإيفاد ميتشيل إلي الدول العربية بينما توجه مولين بنفسه إلي إسرائيل. ولم تكن إيران هي محور النقاش كما قالت الصحف وقتها بل القضية الفلسطينية. وتشير المجلة إلي أن بايدن نقل أيضا رسالة مشابهة إلي إسرائيل مفادها أن التعنت الحالي سيزهق أرواح الجنود الأمريكيين. وتختتم قصتها بالقول إن أمريكا بها العديد من جماعات الضغط القوية مثل اللوبي اليهودي إلا انه لا يوجد لوبي أقوي ولا أهم من الجيش. والتصعيد الأمريكي الحالي فجره تحذير صارم من بيترايوس قال فيه' إن العلاقة مع إسرائيل مهمة ولكنها ليست بنفس أهمية أرواح الجنود الأمريكيين'. وعندما يشرح اوباما أزمته الحالية مع نيتانياهوللرأي العام الأمريكي من هذا المنظور فمن المؤكد أن أصواتا كثيرة تنتقده الآن ستصمت.