تعرض «الشروق» فيما يلى بعض ما ورد فى تحليل كتبه جورج فريدمان فى آخر إصدار لنشرة Stratfor Global Intelligence وبخاصة مناقشته لأهمية الأزمة الراهنة فى العلاقة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة على توازنات القوى الثلاثة: الغربى وهو التوازن العربى الإسرائيلى والأوسط ويقصد به التوازن الخليجى وبخاصة بين إيران والعراق والشرقى ويعنى به التوازن الباكستانى الهندى. ويركز فريدمان تركيزا خاصا على أهمية عدم مساس هذه الأزمة بالاستقرار السياسى فى مصر فى مرحلة شديدة الحرج. أهمية إسرائيل للولايات المتحدةالأمريكية يرى فريدمان أن ميزان القوى فى القسم الغربى من الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول المحيطة بها مستقر نسبيا. وأن أكثر ما يهم الولاياتالمتحدة حاليا هو ألا يتزعزع هذا التوازن. وبهذا المعنى، تمثل إسرائيل رصيدا استراتيجيا مهما. ولكن فى إطار الصورة الأوسع نطاقا، حيث تتعامل الولاياتالمتحدة مع انهيار التوازن الأوسط للقوى أى بين إيران والعراق، واضطراب ميزان القوى فى القسم الشرقى بين الهند وباكستان، فإن واشنطن ليست لديها الرغبة ولا الحاجة إلى زعزعة التوازن الغربى بين الإسرائيليين والعرب فى هذه الفترة. فقد بلغ السيل الزبى بالنسبة للولايات المتحدة بالفعل، ولم تعد بحاجة إلى مشكلة أخرى. كما لا ينقصها أن يؤدى الاضطراب فى هذه المنطقة إلى تعقيد الأمور فى مناطق أخرى. يستطرد فريدمان بأنه إذا وضعنا فى الاعتبار أن الولاياتالمتحدة مهتمة بالحفاظ على توازن القوى، فهذا يعنى أن مصلحتها تكمن فى وضع مستقر للعلاقات، لا تتمتع فيه دولة ما بقوة مفرطة لا تستطيع معها الولاياتالمتحدة ومصر احتواءها وتوجيهها. وإسرائيل بالفعل صارت القوة المهيمنة فى المنطقة، وليس بمقدور سوريا والأردن التأثير إلا بقدر محدود. هانحن نرى الآن اسرائيل تنتقل من وضع حليف أمريكى يحافظ على توازن القوى إلى قوة إقليمية مهيمنة بحد ذاتها، تعمل خارج إطار المصالح الأمريكية. ويضيف أن ما تريده الولاياتالمتحدة، فى المقام الأول، هو ضمان استمرارية الأوضاع فى مرحلة ما بعد الرئيس المصرى حسنى مبارك. كما تريد تأمين استقرار المملكة الهاشمية فى الأردن. وترغب من خلال جهودها لإدارة الوضع فى الوسط أى فى الخليج وفى الشرق أى فى منطقة النزاع بين الهند وباكستان فى ضمان ألا يحدث فى غرب آسيا ما يؤدى إلى زيادة تعقيد وضع معقد للغاية بالفعل. ولا يكاد يكون هناك ما تستطيع إسرائيل القيام به لمساعدة الولاياتالمتحدة على الصعيدين الأوسط والشرقى. ومن ناحية أخرى، إذا قدر الانهيار لتوازن القوى العربى الإسرائيلى لأى سبب بداية من انهيار النظام المصرى إلى اندلاع حرب إسرائيلية جديدة مع حزب الله فربما تجد الولاياتالمتحدة نفسها غارقة فى ذلك النزاع، قد تسفر عن نفس النتيجة كذلك انتفاضة جديدة فى الأراضى الفلسطينية فتزيد من تعقيد الأمور. وليس من المعروف تأثير انتفاضة جديدة على موازين القوى الأخرى، غير أن الولاياتالمتحدة تعمل بأقصى طاقتها فى محاولة لمعالجة هذه الأوضاع. ولن تفيد إسرائيل فى هذا المجال، بل قد تسبب ضررا، على سبيل المثال عبر شن هجوم على إيران خارج إطار التخطيط الأمريكى. ومن ثم، فالولاياتالمتحدة تريد من إسرائيل شيئا واحدا: ألا تقوم بتحرك من شأنه زعزعة توازن القوى الغربى أن توازن القوى بين العرب وإسرائيل، أو زيادة صعوبة مهمة أمريكا فى مناطق أخرى. يعتقد جورج فريدمان أن إسرائيل ترى فى انشغال الولاياتالمتحدة بهذه المناطق الأخرى، إلى جانب حشد القوات الموالية فى منطقتها، فرصة لتعزيز قوتها وتوسيع نطاقها وخلق حقائق جديدة على الأرض. ومن بين هذه الحقائق البناء فى القدسالشرقية، وعلى نحو أدق، استغلال الفرصة لإعادة تشكيل الأوضاع الديموجرافية والجغرافية فى منطقتها. ويتمثل موقف إسرائيل فى أن لديها حقوقا فى القدسالشرقية ليس للولايات المتحدة أن تقحم نفسها فيها. أما موقف واشنطن فهو أن للولايات المتحدة مصالح فى المنطقة الأوسع نطاقا من المحتمل أن تتعرض للضرر بسبب هذا البناء فى هذا الوقت. يعلق فريدمان قائلا إنه الممكن تفهم رغبة إسرائيل فى القيام بذلك، غير أن هذه الرغبة تتعارض مع المصالح الأمريكية. ونظرا للتحديات الهائلة التى تواجهها الولاياتالمتحدة، فهى غير مهتمة برغبة إسرائيل فى إعادة تشكيل المنطقة، كما لم تعد تستطيع التسامح مع أى مخاطر جديدة تنجم عن تصرفات إسرائيل. ولم يعد بإمكانها تحمل المزيد من المخاطر مهما كانت هذه المخاطر صغيرة الحجم. ومن ثم تتباعد المصالح الإسرائيلية عن مصالح الولاياتالمتحدة. فإسرائيل ترى فى الأمر فرصة، بينما ترى فيه الولاياتالمتحدة مزيدا من المخاطر. وأشار إلى أن المشكلة التى تواجه إسرائيل هى أن علاقتها بالولاياتالمتحدة تمثل درع الأمان لها على المدى البعيد. ويبدو أن نتنياهو يعتبر أن كل ما تفعله إسرائيل سيكون مسموحا به، نظرا لحاجة الولاياتالمتحدة إلى توازن قوى فى غرب آسيا، فالولاياتالمتحدة فى نهاية المطاف بحاجة إلى إسرائيل للحفاظ على ذلك التوازن فى القوى. ومن ثم فهو يتحرك بجرأة. ولدى نتنياهو أيضا أسباب داخلية لمواصلة هذا البناء، الذى يعتبره خطوة حكيمة وضرورية. وعلى أوباما مهمة إقناع نتنياهو بأن إسرائيل لا تمثل قيمة استراتيجية لدى الولاياتالمتحدة إلا فى سياق مصالح أمريكية أوسع نطاقا فى المنطقة. وإذا أصبحت إسرائيل جزءا من مشكلة أمريكية بدلا من أن تكون هى الحل، فسوف تبحث الولاياتالمتحدة عن حلول أخرى. وتلك قضية يصعب عرضها، لكنه غير مستحيل. فتوازن آخر للقوى يمكن أن يوجد فى شرق المتوسط، وهناك دولة ديمقراطية أخرى يمكن أن تتجه إليها الولاياتالمتحدة: هى تركيا وهى شديدة التوق إلى القيام بذلك الدور واستغلال التوترات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة. وربما لا يكون هذا أكثر التهديدات إقناعا، لكن الحقيقة هى أن إسرائيل لا تستطيع تحمل أى تهديد من الولاياتالمتحدة، فذلك من قبيل إنهاء العلاقة الثنائية الأمريكية الإسرائيلية الوثيقة. وعلى الرغم من أن هذه العلاقة ربما لا تكون ضرورية لإسرائيل حاليا، فإنها من أسس الاستراتيجية الإسرائيلية الكبرى على المدى البعيد. وكما أنه لا تستطيع الولاياتالمتحدة تحمل أى اضطراب فى المنطقة حاليا، لا تستطيع إسرائيل تحمل أى تهديد، مهما كان بعيدا، لعلاقتها بالولاياتالمتحدة. علاقة أكثر تعقيدا أوضح فريدمان أن عبارة الولاياتالمتحدة وإسرائيل شريكان استراتيجيان ليست صحيحة، بل إن الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو. وبالمثل، فإن ادعاء أن الدعم الأمريكى لإسرائيل يغذى العداء لأمريكا عبارة غير صحيحة، بل غير مقنعة. وتحدث عن أن نتنياهو يراهن على الكونجرس وعلى الضغوط السياسية من أجل كبح ردود الفعل الأمريكية على إسرائيل. ومن بين مبادئ علم الجغرافيا السياسية أن المنفعة السياسية لا تصمد فى مواجهة ضرورات الجغرافيا السياسية. ومن الممكن أن تكون هناك نتائج عكسية لضغط إسرائيل على الكونجرس من أجل بناء وحدات سكنية فى القدس فى وقت تواجه فيه الولاياتالمتحدة أزمة فى المنطقة. الحقيقة هى أنه بينما قد لا يكون القول بأن السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل كانت سببا فى العداء لأمريكا فى المنطقة صحيحا بالمجمل، فإن الولاياتالمتحدة ليست بحاجة إلى أى تحديات أو توترات جديدة؛ فالدول الغارقة فى التحديات يمكن أن تتصرف على نحو لايمكن التنبؤ به. ويخلق قرار نتنياهو تحدى الولاياتالمتحدة بهذا الخصوص، فى هذا الوقت، حالة من عدم القدرة على التنبؤ سيكون لها تأثيرها البالغ على المصالح الإسرائيلية بعيدة المدى. كما أن توقع أن تتولى السياسة الأمريكية حماية إسرائيل من التبعات لا يعبر بالضرورة عن المزاج الأمريكى فى الوقت الحالى. يخلص فريدمان إلى أن المصلحة القومية لكل من البلدين تتمثل فى تحقيق أقصى درجة من حرية المناورة. ولدى الإسرائيليين أفضلية مؤقتة بسبب المصالح الأمريكية فى بقية أنحاء المنطقة. غير أن ذلك يخلق تهديدا طويل الأجل. ومع تورط الولاياتالمتحدة فى حربين دائرتين، ووجود اثنين من الموازين الإقليمية فى حالة فوضى أو ترنح، لا تتحمل الولاياتالمتحدة أزمة جديدة فى ميزان ثالث.