كتب:هاني عسل: هل تبدو إسرائيل من الداخل مستعدة للمفاوضات المباشرة بعد انقطاع دام18 شهرا؟ وهل حكومة بينامين نيتانياهو مستعدة الآن أكثر من أي وقت مضي لتقديم تنازلات مؤلمة؟ أم أن التعنت هذه المرة سيكون أكبر؟ وكيف ينظر الإسرائيليون إلي المفاوضات المباشرة. الإسرائيليون اختلفوا بشأن فرص المحادثات المقبلة بين متفائل ومتشائم, فالبعض يري أنها لن تنتهي بتلك النهاية السعيدة التي يتمناها الإسرائيليون بسبب مواقف الجانبين المسبقة, والبعض الآخر يبدو متفائلا, من منطلق أن كافة الأطراف تدرك أنها تكاد تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلي أي تسوية, ولكن توجد آراء مختلفة بين السياسيين والمعلقين السياسيين. ويتفق المحللون والمعلقون الإسرائيليون في أمر واحد وهو أن نيتانياهو حقق انتصارا داخليا كبيرا بذهابه إلي واشنطن, لمجرد أن الأطراف المختلفة قبلت فكرة البدء في المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وأيضا بعد تأكيد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون علي أن هذه المفاوضات ستبدأ دون شروط مسبقة, وهو ما يتفق مع موقف نيتانياهو, بحسب ما قاله هابير, كما أن هيلاري لم تتحدث عن تجميد المستوطنات, وحتي اللجنة الرباعية الدولية لم تقل شيئا عن هذا الموضوع قبل انطلاق المفاوضات. ألوف بن المحرر الدبلوماسي لصحيفة هآرتس أكثر المقتنعين بأن مفاوضات واشنطن نصر لإسرائيل ونيتانياهو, فهو يعتبر أن نيتانياهو يتجه إلي واشنطن وهو في موقف أقوي بكثير من مواقف رؤساء وزراء إسرائيل السابقين جميعا في أي مفاوضات سابقة, كما أنه يستند علي حد تعبيره إلي شعبية كبيرة في الداخل أكثر من أي وقت مضي, وهو ما يمنحه قوة سياسية تفاوضية غير مسبوقة, كما يمنحه القدرة أيضا علي إقناع الإسرائيليين بأي تغيير جذري في توجهات حكومته تجاه الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة في حالة التوصل إلي أي اتفاق. ولكن بن اعترف بأن الدافع وراء ذهاب نيتانياهو إلي المفاوضات أيضا ينبع من خوفه من فقدان التأييد الدولي, وخاصة الأمريكي, لإسرائيل في حالة تعنته, ولهذا جاءت الموافقة سريعة. أما جيرشون باشكين الرئيس التنفيذي للمركز الفلسطيني الإسرائيلي للأبحاث والمعلومات فهو أكثر تشاؤما بشأن مفاوضات واشنطن, معتبرا أن فرص النجاح أقل بكثير من فرص الفشل, وكتب باشكين في صحيفة جيروزاليم بوست أن الإدارة الأمريكية تريد التركيز حاليا علي ملفات الاقتصاد والحرب الأفغانية والوضع في العراق والمواجهة المستمرة مع إيران, وبالتالي فإن أوباما لن يحاول أن يغامر بوضع يده في شق الثعبان بإقناع الفلسطينيين والإسرائلينيين بالتفاوض من أجل السلام وهو يعلم أن المهمة صعبة وأن صعوبتها ترجع إلي مشكلات لدي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كلا علي حدة, وأنه ليس الرجل المكلف بحلها. ويتساءل جيرشون قائلا: لماذا يحاول( أوباما) أن يفعل ذلك وغالبية الفلسطينيين والإسرائيليين غير مقتنعين بأن السلام ممكن.. وأيضا في وقت يتمتع فيه الجانبان بفترة من الهدوء النسبي والنمو الاقتصادي, بحسب تعبيره. ومع ذلك فالكاتب نفسه يري أن الفرصة الآن أمام الجانبين أفضل من أي وقت مضي للتوصل إلي اتفاق, والجميع يدركون أنه لو لم تسفر المفاوضات المقبلة عن اتفاق فلن يتم التوصل إليه في المستقبل القريب أبدا, ويبث جيرشون الأمل في نفوس الإسرائيليين بقوله إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونيتانياهو يتحليان بالمسئولية بالفعل, وبالتالي سيحاولان الخروج من واشنطن بشيء, ولو بالأمل. ناعوم بارنيا المحلل السياسي الإسرائيلي البارز كان أكثر واقعية, فكتب في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت يقول إن الإسرائيليين يعرفون الآن جيدا كيف يفرقون بين الإجراءات البروتوكولية التي يشاهدونها في مثل هذه اللقاءات والقمم من ابتسامات ومصافحات وأحاديث ودية بين قادة الدول, وبين ما يعيشونه ويواجهونه في حياتهم اليومية. ويتشكك بارنيا في أن تسفر المفاوضات عن شيء جديد, لأن السنوات ال17 الماضية بحسب تعبيره- شهدت اتفاقات عديدة وكلمات ومصافحات وابتسامات بين مسئولين فلسطينيين وإسرائيليين, ولكنها في الوقت نفسه شهدت سقوط قتلي وجرحي من الجانبين, ويعتبر بارنيا أن المواطن العادي سواء الفلسطيني أو الإسرائيلي مل من هذا السيناريو المتكرر, ويكاد يكون غير مصدق لأن نهاية سعيدة ستكتب يوما ما لهذا الصراع! إيتان هابير المعلق في الصحيفة نفسها والمتخصص في الشئون العسكرية والأمنية يبدي هو الآخر تشاؤما إزاء مفاوضات واشنطن, ولكنه حذر في الوقت نفسه من أن إسرائيل ستواجه عواقب وخيمة في حالة فشل هذه المفاوضات بسببها, ويقول إن أكثر ما سيتضرر هو العلاقات الأمنية الوطيدة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل, حيث يقول إنه علي الرغم من قوة ومتانة هذه العلاقات في الفترة الحالية, فإن واشنطن سبق أن نبهت تل أبيب أكثر من مرة إلي أن هذه العلاقات ستتأثر بشكل سلبي في حالة تسبب إسرائيل في فشل المفاوضات, لأن ذلك سيمثل ضربة قوية لجهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإحلال السلام في الشرق الأوسط, والتي تعرضت لخيبة أمل في السنة الأخيرة رغم وعوده في خطاب القاهرة إلي العالم الإسلامي في هذا الصدد. ولذلك, فإن هابير يتوقع أن تتعرض القيادة الإسرائيلية للكثير من الضغوط المباشرة وغير المباشرة قبل مفاوضات واشنطن للوصول إلي حل.. أي حل. وسياسيا, تعتبر تسيبي ليفني زعيمة المعارضة وكاديما ووزيرة الخارجية السابقة أن السلام يخدم إسرائيل, وأن الخلافات الحزبية الداخلية في إسرائيل لا تعني أن جميع الأطراف تتمني التوصل إلي سلام مع الحكومة الفلسطينية الحالية. وحتي داخل الحكومة نفسها توجد اختلافات, فكانت أنباء قد ترددت عن شروط مسبقة وضعها نيتانياهو لهذه المفاوضات من بينها إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح واعتراف هذه الدولة بيهودية إسرائيل ونبذ فكرة التفاوض علي حدود1967 وأن يكون الاتفاق المحتمل هو نهاية الصراع, ولكن نيتانياهو نفي لاحقا وجود أي شروط مسبقة, ثم ناقض مسئول في الخارجية الإسرائيلية هذا النفي بقوله إن عودة إسرائيل إلي حدود1967 تعتبر انتحارا, بل ونقلت يديعوت أحرونوت عن المصدر نفسه قوله إنه لا شريك لإسرائيل في الجانب الفلسطيني وأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يمثل الفلسطينيين في قطاع غزة, وأن ثمة شكوك فيما إذا كان يمثل فلسطينيي الضفة الغربية أنفسهم! والمصدر نفسه أشار إلي أنه لا ينبغي تمديد فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية بعد انتهاء الفترة التي حددتها الحكومة الإسرائيلية, أي في أواخر سبتمبر المقبل, واصفا ذلك بأنه ليس أخلاقيا ولا مبررا, وأن إسرائيل لم تجن أي فائدة من تجميد البناء لعشرة أشهر, بل إنها قدمت لفتات طيبة تجاه الفلسطينيين ولم تحصل علي أي مقابل, بحسب زعمه! وهذا التناقض هو ما ينذر بفشل المفاوضات, وهو ما حذرت منه صراحة جامعة الدول العربية التي رأت أن التفسير الإسرائيلي للمفاوضات المباشرة من شأنه أن يؤدي إلي دائرة مفرغة من المفاوضات لا تحقق أي هدف. ولننتظر مفاوضات واشنطن وابتساماتها ومصافحاتها.. وما بعدها من واقع ملموس, لنري أيهما أقوي وأصدق!