حقائق تتكشف مع كل اعتصام في ميدان التحرير؛ لنرى ما حققناه وما خسرناه وما تهاونا وفرطنا فيه، وما الذي تحقق بالفعل من آمال رسمناها وتوقعنا أن يحققها المسئولون عن إدارة البلاد بحيادية وشرف وأمانة وإخلاص وحب للبلد، أول هذه الحقائق أنه منذ قيام الثورة لم يحدث شيء ما يرضى الناس وتتفق كل أطياف المجتمع عليه إلا وتم إفساده والتلاعب به لمصلحة فئة بعينها، كل حزب يسعى لمكاسب خاصة به وبشأنه السياسى، واضعا مصر فى موقف حرج وصعب ليصعد هو، ثانيها وجدنا نظاما لا يختلف كثيرا عن سابقه، بل شعر الناس فى أنحاء مصر بأن الثورة لم تفعل شيئا سوى إزاحة مبارك وبعض أعوانه عن الحكم فقط، وأن سياسة المتنحى وأسلوب إدارته للبلد مازال متبعا، وظلت نظرة التعالي والمنة على الشعب موجودة ممن تولى منصبا بعد الثورة، فكان تقدير المسئولين لموازين القوى السياسية في مصر ووعى الشعب المصري والحقيقة الثورية خاطئا، ظنا بأن ما حدث ما هو إلا (نصف ثورة) - كما أطلق عليها البعض- ويمكن إجهاضها، وعمل على ذلك رجال المخلوع الذين ما زالوا حتى الآن يخططون ويثيرون القلق والفوضى في البلد.. وأخيرا جاءت مليونية الإخوان والسلفيين لاستعراض قوتهم وأنهم قادرون على الحشد لينثروا بذلك بذور الاعتصام في الميدان، بينما هم ذهبوا لبيوتهم بحجة أنهم لا يريدون أن يقال إنهم مثيرو الفتن والفوضى في البلد، وتركوا الميدان لشباب أغلبهم تحت سن العشرين ليقابلوا الرصاص والدهس والقتل بأجسادهم الهزيلة!! أغلب من كان في الميدان لا يمثلون أي تيار ولا ائتلاف ولا جماعات إسلامية، كان جميعهم من الشعب.. شباب من كل الأعمار وسيدات وأطفال ونساء مسنات يطالبون بفعل شيء لمصر التي تغرق في نفس سياسات النظام القديم ومبدأ (دعهم يتحدثون كيفما شاءوا وسنفعل نحن ما نشاء)، ولم يعلموا أن الناس لم يعد يتحدثون بل (يثورون)، ولم تعد تجدي معهم أدوات القمع والخوف والبطش، بل زادتهم حماسا وعنادا وإصرارا على إنهاء هذه المهزلة التي عاشوا فيها ردحا من الزمن.. ونزل من عارض الثوار في البداية الميدان وانضم لهم، بل كان هناك من ينتظرون نزول الشرطة ليكونوا في مواجهة القتلة الذين قاموا بقتل الشباب والتنكيل بهم، حتى إن إحدى الأمهات صرخت في وجه قوات الشرطة تقسم بالله أنها لو رأت ضابط شرطة في الميدان لتقطعه بيدها.. وهذا دليل واضح على خسارة الشرطة لمكانتها لدى الناس، والنظر إليها على أنها حماة النظام والبلطجية، وهذا شيء خطير يجب أن يعالج فورا ويضع لها المتخصصون مخرجا لإعادة الثقة، وفى ظني لن تعود إلا بمحاكمة كل من تلوثت يده بدم الشهداء.. وهذه أشياء يجب ألا يطول الوقت في أخذ قرار فيها كما حدث في الماضي وكانت النتيجة سيئة، خاصة بعد معاناة الشعب من إخفاقات إدارة ما بعد حكم مبارك بالأساليب نفسها التي فجرت ثورة 25 يناير. لا سبيل للخروج من الأزمة إلا بإعادة تقدير الموقف، ومعرفة أخطاء المسئولين والتحدث مع الشعب بصراحة وشفافية، فلم يعد في عالمنا اليوم سر لا يمكن كشفه، فبالحوار والمصارحة حول ما الذي نريده وما الذي تحقق من مطالب الثوار نتجنب تكرار ما حدث، وتكون البداية بتوافق وطني بين القوى السياسية.. تتفق جميعها على الخروج بمصر لبر الأمان والوصول بها إلى الاستقرار، ولكي يحدث ذلك يجب على القوى السياسية تنحية المكاسب والتطلعات الشخصية الضيقة والنظر لمصر أولا، وإذا كان المجلس قد فشل في إدارة البلاد سياسيا، وهذا ليس عمله أساسا، فعليه الآن تسليم السلطة لمجلس انتقالي أو حكومة إنقاذ وطني مسئولة سياسيا لها صلاحيات حقيقية، وليست مجرد سكرتارية، وإقالة كل من تورط في قتل الثوار منذ قامت الثورة وحتى الآن، ومحاكمة الضباط الذين كانوا موجودين في الميدان، وعلى رأسهم بعض الضباط المعروفين بعينهم واسمهم لدى الثوار، وقد تم تبادل صورهم على مواقع النت للتعرف عليهم ومعرفة مكان سكنهم، وبالفعل توصلوا إلى عناوينهم، وإن لم تسارع الحكومة بالقبض عليهم ومحاكمتهم فسوف تتداعى الأمور، وقد يصل غضب الثوار والمصابين وأهالي الشهداء إلى القصاص من هؤلاء القتلة بأنفسهم، ووقتها لن نستطيع السيطرة على غضب الشعب في أخذ الثأر بيده ممن قتلوا أبناءهم، وإن حدث ذلك فسوف تغرق مصر في بحر من الدم.. وهذا ما نخشاه. المزيد من مقالات على جاد