"لا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة فتشتغل في كل وقت بما اُتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك، وتعين لكل وقت شغلاً لا تتعداه، ولا تؤثر فيه سواه، فبذلك تظهر بركة الأوقات".. نصيحة ثمينة للإمام أبي حامد الغزالي - يرحمه الله - .. لا أرى أفضل منها مدخلا لهذا المقال. يضيف: "كل نفس من أنفاسك جوهرة، فإذا فات فلا عِوض له.. فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقص؟! ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح، فإنهما رفيقاك يصحبانك في القبر". وها نحن نستشرف عامًا هجريًا جديدًا.. قوافل الصالحين فيه تمضي، وجحافل الظالمين فيه تنقضي.. ففي أي صفحات سيكتبك التاريخ ؟ وماذا قدمت لوطنك وحياتك. يقول تعالى :"يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي".(الفجر : 23و24). ويقول الحسن البصري - رحمه الله -: "يا ابن آدم.. إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم؛ مضى بعضك". .................... في مستهل عام هجري جديد تصور لو أن كلاً منا خرج من شرنقته، ومن مشروعه الخاص إلى مشروع عام كبير يفيد به وطنه وأمته والعالم.. سواء في جانب من جوانب الفكر أو الاعتقاد أو العمران.. مشروع جديد لا يشبهه فيه أحد.. كيف يكون شكل الوطن والأمة والعالم حينها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" (أورده الألباني في "السلسلة الصحيحة"). ....................... وهو عام جديد تستقبله مصر والأمة بعد ثورة مباركة.. ودعت الأمة عاما قبرت فيه ثلاثة أنظمة من أعتى أنظمتها.. في تونس ومصر وليبيا.. وتستقبل عاما هجريا جديدا بمبشرات أبرزها أجواء مصالحة فلسطينية، وذهاب مصر إلى انتخابات برلمانية ورئاسية ودستور جديد.. وتغيير نظام الحكم في اليمن.. وثورة في سوريا تحظى باحتضان عربي، ونصر متنام. وفي الوقت نفسه تواصل التحدي اليهودي ومؤامرته، لا سيما بفلسطين والمسجد الأقصى.. فأعداؤنا يتربصون بنا، والإسرائيليون يرغون ويزبدون.. يجب أن نستمسك بالوحدة.. وأن نتحلى بالسماحة، وأن يكون اختلافنا اختلاف تنوع وتكامل لا اختلاف تشرذم وتضاد. .............. في عامه الهجري الجديد يحتاج وطننا إلى بناء نظام جديد، يزيل فيه عن كاهله وروحه أدران نظام رجعي غشوم.. هذا واجب الثوار، وتلك فريضة الوقت.. لابد أن نهتم بالبناء الجديد.. يجب أن نتفرغ لبناء الوطن.. أمام الثوار مهمة كبيرة في البناء.. الشعب يحتاج إلى الثوار.. في المصنع والحقل.. والمسجد والكنيسة.. والشارع والحارة. قال تعالى: " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".( التوبة :109). ................ درس الهجرة الذي نستذكره يمنحنا دفعة إلى الأمام على طريق التغيير والتطور.. أكبر تحد يواجه الأمة تربية أفرادها..المعركة على مستوى الإنسان وقيمه وأخلاقه أكبر تحد يواجهنا. قضية تنمية الإنسان بالإيمان تزداد أهميةً ، والحاجة ماسة إلى إعادة إحياء الإيمان وإنتاجه في النفوس.. لن يتحقق ذلك بالوعظ المباشر ، فلو أن الأمة تتغير بالخطب ، لرأيناها في مقدمة الأمم..لكن الأمم تتغير بجهود أبنائها، ونياتهم الصادقة. قال بعضهم : " كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس". ................... والأمر هكذا، نريد أن نوقظ الأمة من الغفلة والجفوة والبعد عن الله.. هذا أفضل ما نقدمه لها.. أجيالاً غير يائسة، ولا ضائعة، ولا تائهة.. سنقدم لها شيئًا عظيماً إذا أهدينا إليها أفرادًا ذوي هدف، لهم رسالة، ويتسلحون بالأمل. يقول الأديب سيد قطب: "تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية، لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها، فهذا عَرًض للمرض وليس هو المرض، ولكن بسبب إفلاسها في عالم القيم التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموًا سليمًا، وتترقى ترقيًا صحيحًا، وهذا واضح كل الوضوح في العالم الغربي، الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من القيم، بعدما انتهت الديمقراطية فيه إلى ما يشبه الإفلاس". ويضيف - يرحمه الله -: "لابد من قيادة للبشرية جديدة.. لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة ً كاملة - بالقياس إلى ما عرفته البشرية - وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته.. والإسلام وحده هو الذي يملك تلك القيم، وهذا المنهج". [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد