ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا، اعتاد العرب والمسلمون أن يتطلعوا لآمال وآحلام وطموحات شتي، ولكن هذه المرة يأتي الوضع مختلفا، حيث يعيش العالم العربي أوضاعا ثورية غير مسبوقة بعد أن تفجرت 5 ثورات شعبية ضد أنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وهو الأمر الذي جعل التطلعات هذا العام مختلفة.. وفي سطور التحقيق التالي يرصد علماء الأز ر الشريف أهم ما يتطلعون إليه ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا: بداية يري د. عبدالحكم الصعيدي الاستاذ بجامعة الأزهر أن العام الهجري الجديد يهل علينا هذه المرة، والعالم العربي مختلف جراء ثورات الربيع العربي التي اندلعت في 5 دول عربية بشكل متوال ومتعاقب خلال العام الذي اقتربت نهايته، ومن ثم فإن الآمال والطموحات في العام الجديد تتعلق غالبيتها هذه المرة بمصير هذه الثورات، حيث نتطلع جميعا إلي ان تحقق هذه الثورات في العام الهجري الجديد مقاصدها وأهدافها في نهضة العالم العربي. ويقول د. الصعيدي: لاشك أن الهجرة النبوية تمثل حدثا مهما في التاريخ الإسلامي بل التاريخ الإنساني، لما لهذا الحدث من أثر بالغ علي مستويات كثيرة، فقد تحول عنده التاريخ، وتبدلت به الأوضاع، وتغيرت به الأحوال، ومن ثم علينا أن نستفيد مما إرتبط بالهجرة النبوية من تغيير في إحداث تغيير آخر في عصرنا الحالي، ولاسيما وأن الحالة الثورية التي نعيشها الآن بمثابة فرصة لإحداث التغيير المنشود. آلام وآحلام ويضيف د.الصعيدي: ويحل العام الهجري الجديد، وعالمنا العربي والإسلامي يموج بمتغيرات محملة بالمتناقضات حيث الآلام والأوجاع في دول، والتطلعات والأحلام في دول أخري، وفي الحالتين هناك حالة من الطموح بأن يسود عالمنا السلم والحرية والعدالة، والتخلص من سطوة الجناة والقتلة من الطغاة، وبالتأكيد يمكننا أن نحقق هذا كله من خلال تبني القيم السمحاء لرسالة المهاجرين الأوائل في دين التسامح والسلام وإكرام الإنسان المستخلف علي الأرض ليعمرها. ويشير د. الصعيدي إلي أنه منذ زمن بعيد، والحديث عن التحولات التاريخية من حالة الضعف إلي حالة القوة مستمر ومتواصل، وفي تاريخ العرب كانت الهجرة النبوية بداية التحول من حالة البلبلة والفوضي والحيرة إلي حالة الاستقرار والثبات والأمان، ولهذا لاينبغي أن تمر ذكري الهجرة النبوية مرور الكرام، ومن الضروري أن نتخذ منها العبرة والعظة لظروفنا وأحوالنا المعاصرة، فما أحوجنا اليوم إلي الهجرة إلي بر الإمان والاستقرار، وتجاوز المرحلة الراهنة التي تسودها أزمات ومشاكل عدة تتطلب منا جميعا التكاتف والتعاون علي الخروج بأوطاننا من النفق المظلم. ويتابع د. الصعيدي: وإلي جانب هذا يحدونا الأمل خلال العام الهجري الجديد أن يحقق الله تعالي الوحدة الإسلامية الشاملة في إطار عام يضبط أمور المسلمين جميعا، ويجعلهم كما قال القرآن الكريم "أمة واحدة"، وهي الوحدة التي تتحقق بالأسس العامة للإسلام ومبادئه وقيمه، والتي أساسها الحرية والعدل والإخاء والمواساة. دروس الهجرة ومن ناحية أخري تؤكد د. آمنة نصير الإستاذة بجامعة الأزهر أن الظروف التي تمر بها مصر الآن وغيرها من الدول العربية تستدعي منا أن نستلهم دروس الهجرة النبوية في البناء والعمل علي تحقيق النهضة والتنمية، فقد بني الرسول "صلي الله عليه وسلم" مجتمعا إسلاميا متفردا غلب عليه التسامح والاستقرار وقيم البناء، وهي قيم نحن أحوج ما نكون إليها في ظل هذه الظروف الراهنة التي نعيشها. وتقول د. آمنة: دروس الهجرة النبوية تحتم علينا أن يكون العمل مقرونا بالأمل وبالتوكل علي الله، إلي جانب بذل الجهد والاستعانة بالقدر، فلتكن ذكري الهجرة النبوية خير داع للعمل والبناء، والبعد عن كل ما يعوق تقدم المجتمع ونهضته لقوله صلي الله عليه وسلم: "المهاجر من هجر ما نهي الله عنه"، ومن ثم نأمل أن يكون العام الهجري الجديد عام خير ووحدة ونصر وتمكين وثبات. وإذا كنا في كل عام نتطلع لآمال وطموحات عدة، فإننا في هذا العام نتطلع إلي أن تستقر الأوضاع في مصر وسوريا واليمن وليبيا، وأن تتحقق الأهداف التي من أجلها خرجت الشعوب العربية ضد الطغاة.. ومن طموحاتنا أيضا ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا أن يتحرر المسجد الأقصي الأسير من أيدي الصهاينة، وأن يكون إعلامنا مبنيا علي مصداقية الكلمة والتأثير الإيجابي علي هذه الأمة وإيقاظ الرأي العام بعيداً عن التهويل والتهوين والإثارة والتطاول، وأن نكون مرتبطين بمنهاج سليم يخلصنا من القلق والاضطراب والأزمات والكوارث والصراعات ، كما نطمح أن يكون لنا تعليم جيد، وثقافة واعية، ومعرفة صحيحة بما حولنا ومن حولنا، وهذه العملية تحقق للأمة وحدتها وتماسكها وتآلفها بكل الأبعاد السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية، وكل ذلك لا يتم إلا بالاعتصام بالله وبحبل الله لقول الله تعالي: "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلي صراط مستقيم"، كما نتطلع إلي وعي جديد مختلف نوعيا يُعلي قيم التسامح والإخاء والتعايش السلمي، كما يُعلي فلسفة احترام الآخر وقبول التعددية والتنوع سواء في الرؤي والمعالجات والاجتهادات. أحداث جليلة ومن جانبه يؤكد د. سيد عبدالرحيم الأستاذ بجامعة الأزهر أن ذكري الهجرة النبوية دائما ما ترتبط بتطلعات وآمال خاصة، نظرا لارتباط هذه الذكري بأحداث جليلة في التاريخ الإسلامي، مشددا علي ضرورة أن تقترن التطلعات بالعمل علي تحقيقها علي أرض الواقع. ويقول: وإذا كان العالم العربي الآن يشهد أحداثا غير عادية تمثلت في ثورات شعبية ضد الطغاة والمستبدين، فإنه ينبغي أن يكون التطلع في شأن هذه الثورات مقرونا بالعمل علي البناء والتعمير وطرح الخلافات والصراعات جانبا، وهو ما نأمله ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا، وهو الأمر الذي يخدم الأمة الإسلامية بأكملها، حيث إن الأمة لن تستطيع أن تتجاوز ما تعانيه من أزمات ومشاكل إلا إذا تمكنت دول رئيسية في العالم العربي من كسر حالة التخلف والتشرذم والانقسام ودخول عالم التنمية الحقيقي علي قاعدة متينة من البحث العلمي وعلي تعليم متطور ومتميز، ومن المنطقي أن ذلك لن يحدث علي يد أنظمة سياسية لا يهمها إلا البقاء في السلطة وتزوير إرادة الناس واغتصاب حقوقهم.