اليوم كثير من الشباب في مصر- حتي الثوار منهم- يرفض المشاركة في العمل الوطني أو السياسي علي كل المستويات مما يسقط شريحة كبيرة من المجتمع من التعبير عن رأيها ويبعدها عن صنع المستقبل. يرجع البعض ذلك إلي أن الأوضاع الحالية والنظام السياسي العامل محل ثقة بالغة ويشمله الكمال المتناهي, وعليه فليس في الإمكان أبدع مما نحن فيه الآن. وهذه مدرسة معروفة ولها مؤيدوها.وفريق آخر يرد هذه العزلة إلي عدم الثقة والشعور باللامبالاة وغياب الضمير والوعي الوطني وعليه فليس في الإمكان أي شيء وهذه أيضا مدرسة معروفة ولها مؤيدوها. الحقيقة أن هناك فريقا ثالثا يمثل القاعدة العريضة من أبناء مصر شاركوا والبعض منهم لم يشارك في مرحلة الثورة والحراك الذي تبعها كل فريق علي طريقته ولكن يجمعهم أمر واحد( حب الوطن) يؤمنون بالتطور ولهم ضمير وطني يمكن أن يكون حضورهم واعيا ولكن تشغلهم بعض الأمور التي تعرقل مسيرتهم.فالشباب من دون الخبز لن تغنيه, والشباب من دون الكلمة لن يغنيهم الخبز, ودرب التاريخ في العالم أكد انتصار مبدأ الحرية الاقتصادية ولكن يجب ألا يختلط علينا أن تطبيق هذا المبدأ لا يعني أبدا اختفاء دور الدولة, ولو حدث ذلك يكون هزيمة للحرية الاجتماعية وهزيمة للحرية الحقيقية وتكون الفردوس المنشود ساحة نزال يقهر فيها الأقوياء والضعفاء, أو صراع طبقي يفضي إلي فوضي في كثير من محافظات البلاد ونظنه بلطجة, ويعلن فيها باسم المنافسة الحرة, وتكافؤ الفرص, وانتخابات قادمة في ظل القانون انتصار الأغنياء وموت الفقراء. يومها ستفقد القيم العزيزة مضمونها, يومها لن تكون الحرية مسئولة, ولن يكون تكافؤ الفرص واقعا, ولن يكون القانون عادلا, ولن ينعم الأحرار بالفردوس المنشود. في خضم التطور العالمي يكون مبدأ الحرية الاقتصادية نتيجة منطقية, وضرورة لاغني عنها للحرية الحقيقية. وعلي الإطار السياسي الواعي لحقيقة الحرية أن يسلم به وألا يسقطه من حسابه, وألا يكون تنكرا للتطور, وإفراغ الحرية من مضمونها الحقيقي. ولقد بات هذا المضمون الواعي للتطور يوضح أن المنافسة الحرة في ظل حتمية بقاء الدولة وذلك لتأمين حياة شريفة لكل مواطن خاصة جيل الشباب مع استمرار رعاية الدولة وتوجيه خدماتها لجموع الشعب( من الإبقاء علي الدعم للفقراء وعدم رفع الضرائب علي الطبقة المتوسطة بأي حال من الأحوال في الوقت الراهن حتي تتحقق فرص عمل لجموع الشباب وترتفع الدخول الحقيقية للطبقات الفقيرة والمتوسطة) لا لإثراء طبقة وهو ما يجب أن تعمل عليه وزارة الشباب ووزارة المالية ووزارة الاستثمار ووزارة التخطيط والصندوق الاجتماعي للتنمية في العهد الجديد( بعد ثورة حققها الشباب ولم ينعم بعد بشي من ثمارها), وهذا هو أساس جيد للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية, وكلما نمت فكرة الحرية المسئولة في إطار الضمير الوطني العام, تضاءلت حالات الاستغلال والانتهازية والفوضي المتكررة التي لا تتوقف وأدت إلي شلل كبير في كثير من القطاعات الاقتصادية وأغرقت المجتمع في ركود اقتصادي أوشك علي كساد عام في مفاصل الجهاز الإنتاجي. إن أدراك كل هذه الإبعاد المتشابكة والتي تتمحور حول حقوق الشباب في وطنه, سوف تحقق الخبز والكلمة معا, ويشارك الكل في بناء مصر المستقبل, ويدخل الشباب الانتخابات النيابية ليمثل الأكثرية التي يعكسها من تعداد السكان في مصر. ويكون المجلس الجديد محل التفاوض من اجل مستقبل مصر وليس الشارع كما نري الآن. ويكون الحوار موضوعي وليس غوغائي, ويكون الصراع السياسي متحضرا وليس دمويا ويكون الخلاف فكريا وليس عقائديا. وتلحق مصر دول العالم التي حققت تقدما في كل المجالات علي أيدي أبنائها من الشباب المخلص. وتصبح مصر آمنه بإذن الله كما قال المولي عز وجل.