رئيس كهرباء مصر العليا يفصل موظف بسبب تورطه فى توريد عمالة وهمية ب593 ألف جنيه    وزير خارجية الأردن يؤكد أهمية دور الاتحاد الأوروبي لوقف الحرب على غزة    إصابة 26 شخصا من كفر الشيخ إثر انقلاب أتوبيس على طريق مطروح.. الأسماء    إعلام فلسطينى: قوات الاحتلال تقتحم قرية سالم شرقى مدينة نابلس    موعد فتح تنسيق المرحلة الثالثة 2024 وتسجيل رغبات الطلاب    البنك الأهلي المصري يمنح عملائه المسافرين نقدا حتى 5000 دولار    الدكتور عبد السند يمامة يهنئ فلاحين مصر بعيدهم    صافرات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومحيطها    تفاؤل فى ريال مدريد بعودة بيلينجهام قبل موقعة ريال سوسيداد    رؤساء وقادة العالم يهنئون رئيس الجزائر بفوزه بفترة رئاسية ثانية    أخبار الأهلي: كولر يحذر لاعبي الأهلي من هذا الأمر    كريستيانو رونالدو يقص الشريط نحو الهدف رقم 1000 في مسيرته الكروية    صفقة مجانية تشعل سوق الانتقالات فى أوروبا سنة 2025    5 جنيهات للحصة.. «التعليم» تصدر توضيحا هاما بشأن مجموعات التقوية    إحباط ترويج 175 ألف قرص كبتاجون ب210 ملايين جنيه في مطروح    مصرع طالب غرقًا داخل ترعة بقنا    حصاد الوزارات.. وزير التعليم يصدر كتابا دوريا ينظم صرف 50 جنيها للحصة للمعلم    بدء جلسة الحكم على «أم شهد» شريكة سفاح التجمع في اتهامها بالاتجار بالبشر    «الأخبار» تحاور رؤساء الجامعات 2-5| تقدُّم في التصنيف العالمي.. برامج جديدة والبحث العلمي رافد التنمية    وزير الثقافة للمكرمين: قدمتم للعالم إرثًا فكريًا وفنيًا لا يضاهى    مرفت عمر تكتب: أزمات في طريق المهرجانات الفنية    جامعة المنصورة تفوز بجائزة كونفوشيوس الدولية لمحو الأمية    دار الإفتاء: تهادي حلوى المولد النبوي الشريف بين الناس لا حرج فيها    رئيس جامعة المنوفية يعلن صدور قرار بإنشاء معهد الأورام    القنوات الناقلة لمباراة السودان وأنجولا في تصفيات أمم أفريقيا 2025 وترتيب المجموعة    وزير الداخلية يودع نظيره السعودي في مطار القاهرة عقب انتهاء زيارته لمصر    اعرفى السعرات الحرارية الموجودة في حلوى المولد بالجرام    للمرأة الحامل، اعرفى الأكلات المهمة والممنوعة حفاظا على صحتك واستقرار الحمل    عاجل | مصر تبحث تنمية التعاون الصناعي مع العراق في صناعات قطاع الكهرباء والمنسوجات والجلود    مصدر من الزمالك يكشف ل في الجول موقف النادي من ضم سليتي وميشالاك    تقارير: النصر السعودي يستقر على إقالة كاسترو من تدريب الفريق.. وتحديد بديله    وزير الإسكان يستعرض مشروعات شركة "سيتى إيدج"    تدريب وفعاليات.. وزير الثقافة ونقيب الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    عريس كفر الدوار: "أنا بياع على باب الله وعدم استطاعتي شراء بدلة شيء لا يعيبني"    "الأمم المتحدة" تحتفي باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات    واعظة بالأوقاف: توجه نصائح لكل زوجة" أخد الحق حرفة"    «أوقاف القاهرة» تنظم الاحتفالية السنوية لتكريم 320 طفلا من حفظة القرآن الجمعة المقبلة    مساعد رئيس هيئة الدواء يلتقي وفد الحكومة الصينية على هامش مؤتمر "فارماكونكس"    جامعة بنها تستقبل وفدًا من خبراء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية    صور- بيان من جهاز 6 أكتوبر بتفاصيل حملات إزالة الإشغالات ومخالفات البناء    طنطا يواصل استعداداته لمواجهة وادي دجلة في افتتاح دوري المحترفين    اللجنة العليا لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32 تواصل أعمالها    منح دراسية وتخفيضات 20% على المصروفات.. كل ما تريد معرفته عن جامعة «باديا»    عاجل.. تأجيل محاكمة مضيف طيران و6 آخرين في تهريب دولارات للإخوان بالخارج    انتخابات أمريكا 2024| جورج بوش يستبعد دعم كلا المرشحين بالانتخابات    3 تحديات تواجه الصناعات الغذائية.. ما هي؟    انطلقت فعاليات اليوم الثانى والختامى gمنتدى الإعلام الرياضى    حيثيات إعدام عاطل قتل صديقه داخل مسكنه بسبب خلافات بينهما فى الجيزة    امسك يدها وعرض حياتها للخطر.. المشدد 7 سنوات لعاطل تعدى على طفلة في القليوبية    انعقاد المؤتمر العاشر للمسؤولين عن حقوق الإنسان في وزارات الداخلية العربية    وزير الصحة: نعمل على خفض الوفيات بسبب الدرن بنسبة 90% في 2030    برج الدلو.. حظك اليوم الإثنين 9 سبتمبر: قلل التوتر    المشاط: اتفاقية «تمويلي» تُمثل تخارجا استراتيجيا للشركات الحكومية يتسق مع توجه الدولة    عالم: ليس كل أزهري مؤهل للفتوى.. واستحلال الحرام «كفر»    باحث أزهري: الله وعد المؤمنين بشفاعة الرسول يوم القيامة (فيديو)    وزارة الصحة: انطلاق برنامج تدريب المعلمين بمدارس التمريض على المناهج الجديدة    الجزائر: سلطة الانتخابات ترد على احتجاج الأحزاب السياسية المشككة    الآن.. تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. الموعد الرسمي لتسجيل الرغبات عبر الرابط المعتمد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدفاع عن القناة ومدنها إلي آخر مدي(2)
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2013

إذا كان يوم25 إبريل عام1859 هو يوم بداية حفر القناة ونشأة مدينة بور سعيد كما كان اليوم الذي كان بداية وضع منطقة القنال علي خريطة العالم,
وإذا كان ذلك اليوم هو يوم البداية, فإن يوم26 يوليو عام1956 مثل البداية الحديثة لإعادة لدخول منطقة القناة, للمرة الثانية, إلي الساحة العالمية السياسية. دار صراع حول المنطقة منذ بداية حفر القناة ولكنه كان صراعا سياسيا واقتصاديا. أما الجولة الجديدة الثانية, فقد اتسمت بالصراع العسكري الحاد. في يوم26 يوليو عام1956, هذا, أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وتحويل دخلها لبناء السد العالي, أمل المصريين في توسيع الرقعة الزراعية وتوفير المزيد من الطاقة الكهربائية.
وبغض النظر عن تحليل كل منا سياسيا لمقدمات أو نتائج حربي56 أو67 فإننا نناقش النتائج العامة التي حلت علي سكان هذه المنطقة والتي تدفعنا إلي إعادة النظر في التعامل الذي واجهوه منا خلال الفترة الماضية سواء كان هذا التعامل شعبيا أو حكوميا.
فربما تعلمت الأجيال الجديدة ملخصا غير واف عن هذه الفترة التالية لتأميم القناة, لذا لم تستوعب مضامينها التاريخية الوطنية المهمة, في حين أن التاريخ الحديث لهذه المنطقة هو, في الحقيقة, الجانب المهم والمحوري لتاريخ مصر الحديث. تاريخ الصراع بين الدول حديثة الاستقلال والبلدان الاستعمارية وأدواتها سواء في شكل الاستعمار القديم أو الجديد. وإن تغيرت التسميات فبدل الاستعمار تصبح التبعية, لمن ولماذا ومقابل ماذا؟ لم يدرس ولم يعرف عدد كبير من أبناء الجيل الجديد تفاصيل هذا التاريخ العظيم ولذلك لم يقدروا تماما الحالة النضالية الخاصة لسكان هذه المدن, وإن ذكروا لاحقا وشفاهة أنها منطقة مناضلين أو كما أطلق عليها السيد رئيس الجمهورية بعد فرض حالة الطوارئ عليها ثم رفعها ب المدن الباسلة. فمنذ ذلك التاريخ, أي منذ26 يوليو1956, حتي يومنا هذا الذي نعيشه عاشت منطقة القناة ومدنها في حالة استثنائية لم تعشها ولا تعيشها كل المدن المصرية الأخري. وهو واقع انعكس علي الحالة الإنسانية لسكانها, البورسعيدية والاسماعلاوية والسوايسة الذين عانوا أكثر مما عاناه سكان كل المدن المصرية الأخري مجتمعة. لقد دفعوا, مع الفلاحين, ثمن كل تقدم اقتصادي حققته مصر في معركتها الوطنية من أجل بناء خطة تنميتها التي استمرت تساند اقتصاد مصر حتي عبرت قواتنا المسلحة إلي الضفة الشرقية للقناة عام.1973
منذ يوم26 يوليو عام1956 حتي الآن دخلت منطقة القنال ومدنها وناسها جولات حرب وتدمير ثم إعادة بناء. وعاش أهلها في تنقل دائم من وإلي مدنها. سارت الجولات في خطوات ثابتة, حرب وتدمير ثم إعادة بناء عام1956 ثم حرب وتدمير عام1967 ولم يأت البناء إلا بعد حرب التحرير عام.1973 امتدت فترة الإعداد للحرب لست سنوات شهدت دمارا ممتدا في معارك مطولة ومتواصلة نعرفها دائما بحرب الاستنزاف. وبالتالي استمر سكان منطقة القناة في حالة تهجير إلي مدن غير مدنهم وفي بيوت غير بيوتهم وتعلم أبناؤهم في مدارس غير مدارسهم.
وفرت لهم الدولة ما تستطيع ولكن ما وفرته كان أقل كثيرا من احتياجاتهم الإنسانية التي تعودوا عليها في مدنهم التي تقع علي خط قناة وعلي خط مائي ملاحي عالمي يوجد أوضاعا وحياة ومناخا عاما وأبواب رزق وحتي نمط ونظام غذاء لا تتوافر في مدن وعواصم دلتا مصر التي استقبلتهم لسنوات. كانوا يعيشون في مواقع تهجيرهم الجديدة وهم يطوقون إلي العودة إلي بؤرة الأحداث التي تعودوا عليها منذ أن تسلمت الإدارة المصرية مسئولية القناة يوم تأميمها في26 يوليو.1956 دخلت حينذاك بور سعيد تحديدا بؤرة الأحداث والأخبار وبالتالي هدف الصحافة العالمية التي استمرت تتابع الأحداث التالية لإعلان التأميم. تابع العالم أحداثا بدءا من انسحاب المرشدين الأجانب إلي تسلم المرشدين الجدد من المصريين والقبارصة والسوفيت إدارة الدفة واستمرار حركة مرور السفن سالمة آمنة إلي خليج السويس. تابعهم العالم وصولا إلي قمة الأحداث عندما حلقت طائرات العدوان الثلاثي علي بورسعيد وأتمت عملية الإنزال الجوي.
تابع الشعب المصري كل هذه الأحداث ولكنه لم يكن ملاصقا لها كما لاصقها سكان المدن الثلاثة. كانوا جزءا منها كما كانت جزءا منهم خاصة خلال سنوات الاستنزاف الست التي شهدت مناوشات واشتباكات شبه يومية. بجانب المعارك والحرب تابعوا, خاصة السويس, ذلك الاستنزاف الاقتصادي الذي تجسد في استيلاء القوات الإسرائيلية علي مصانع بترولية وغير بترولية ونقلها. عرفوا معني تحويل المدن المدنية العادية إلي مواقع حربية وثكنات عسكرية وميادين قتال لا يعيش فيها إلا الجنود والضباط والجنرالات وقليل القليل من المواطنين الذين رفضوا ترك بيوتهم ومدنهم.
فكما عرفوا عام56 فرحة عودة القناة التي حفرها أجدادهم, تحملوا معاناة جولتي العدوان, الأولي العدوان الثلاثي علي بور سعيد والثاني الاحتلال الإسرائيلي للسويس. وفي المدينتين وفي الجولتين وقف سكان المدينتين كالجدار العازل الذي فرض حمايته علي كل بر مصر ولم يسمحوا للمحتل أن يصل إلي هذا البر المصري الممتد من الاسكندرية إلي أسوان. وهم يعرفون أبطالهم كما يتذكرون بطولاتهم. و أكثر من ذلك يحفظون جيدا تاريخهم. وهو ما يعطيهم قدرا عاليا من الثقة بالذات.
كانت مرحلة ما بعد حرب1973 فرصة لأن تلتقط هذه المدن أنفاسها وأن يلتقط ناسها أنفاسهم لبناء مرحلة جديدة تسمح لها ولهم بالاستقرار واستئناف حياتهم القديمة التي تعودوا عليها. إلا أن مدينة بور سعيد بالذات تعرضت لتغير اقتصادي داخلي عرض البورسعيدية بدورهم لتغييرات جمة لا يزالوا تحت تأثيرها حتي الآن. في قرار مفاجئ أعلن الرئيس السادات مدينة بورسعيد مدينة تجارة حرة. في يوم واحد, وبلا سابق إعداد, أحيط منفذا المدينة البريين بإدارات وإجراءات ورجال الجمارك. وتغيرت وجه الحياة الاقتصادية في المدينة الحديثة بالمقارنة بالمدن المصرية الأخري.. فلم يعد ذلك الميناء العالمي بشواطئه التي يذهب إليها محبوه. بل باتت مدينة تعج بالاقتصاد التجاري والتجار الصغار والكبار والزبائن من كل أنحاء البلاد. اتسعت سوقها لسلع كانت حتي ذلك الزمان في السبعينات غير موجودة في السوق المصرية عامة. فبدأت تتسلل شيئا فشيئا إلي داخل البلاد لتأخذ مكان السلع المصنعة مصريا. ارتفعت تعاملاتها المالية إلي القمة لتبدأ في العد التنازلي بعد أن انفتحت السوق المصرية لكل السلع في عصر عرفناه بأسماء متعددة كالاستيراد بدون تحويل عملة والانفتاح, وباتت بور سعيد مدينة التجارة الحرة بلا معني حقيقي. المدهش في الموضوع أن الدولة المصرية منذ السبعينات لم تفكر, رغم إلحاح البعض, في إجراء دراسة جادة موضوعية علي تأثير تحول بورسعيد إلي مدينة تجارة حرة علي أوضاع سكان المدينة تعليميا وثقافيا واجتماعيا أو تأثيرها علي المدن الملاصقة لها. لم تنتبه الدولة إلي أن التغييرات الكبري علي الشعوب, سواء تمت في الحرب أو في السلام, تحتاج لفهم نتائج هذه التغييرات, علي الأقل للتوصل إلي وسيلة سليمة للتعامل مع هذه الشعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.