منذ فجر التاريخ أدرك قدماء المصريين أهمية توصيل البحر الأحمر بالبحر المتوسط، عن طريق حفر مجرى مائى، ونجحوا إلى حد ما بطريق غير مباشر، باستخدام نهر النيل فى عهد ملك مصر سنوسرت الثالث وبعدها قامت العديد من الدراسات الجيولوجية للمنطقة، وتعددت بعض المشروعات فى هذا الشأن، حتى عرض المهندس الفرنسى ديليسبس الفكرة على سعيد باشا والى مصر (1854-1963) فوافق على مشروع قناة السويس الحالية، وهى التى تم حفرها ما بين عامى 1959 و1869، حتى تم افتتاحها للملاحة فى 17 نوفمبر 1869، وكانت من أهم العوامل لنشأة مدن القنال، ومن الطريف أن اسم مدينة بورسعيد نسبة لوالى مصر سعيد باشا وهو الذى أصدار قرار الحفر، أما مدينة الإسماعيلية فنسبة لخديو مصر إسماعيل (18631879) الذى قام باستكمال مشروع القنال حتى افتتاحها للملاحة. ومع افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية 1869، زادت الأطماع الاستعمارية فى منطقة مدن القنال، حتى نجحت بريطانيا العظمى فى احتلال مصر عام 1882، بسبب استغلال هيمنتة على قناة السويس، وظلت فى ذلك الاستغلال حتى جاءت ثورة 23 يوليو 1952)، وتم تأميم شركة قناة السويس وأصبحت شركة مساهمة مصرية.
وبسبب ذلك التأميم جاء العدوان الثلاثى على مصر 1956 (إسرائيل وإنجلترا وفرنسا)، وقدم أهالى مدن القنال، وخاصة مدينة بورسعيد صفحة مشرفة فى تاريخ الدفاع عن هذه المدينة الباسلة (23 ديسمبر 1956) ولا يزال يعرف بعيد النصر، وجاءت حرب النكسة فى 5 يونيو 1967، بالخراب على ثلاثى مدن القنال التى قدمت العديد من الشهداء فداء لمصر الحبيبة.
وما بين عامى 1969-1972 شهدت المنطقة حرب الأستنزاف، ونتيجه لذلك أجبر سكان المدن الثلاثة على الهجرة الاجبارية، بل أن الغالبية العظمى رفضت ترك المدن من أجل الدفاع عنها، وهذا ما أكدته حرب 6 أكتوبر 1973، وضرب أهل السويس مشهدا تاريخيا آخر فى 24 أكتوبر 1973، بالدفاع عن هذه المدينة العريقة، وراح العديد من الشهداء، وخربت المدينة بالكامل، وطال هذا الخراب الجوامع والكنائس.
وفى مشهد العبور نتذكر مدينة الإسماعيلية التى شهدت ملحمة العبور العظيم، بتحطيم أكذوبة خط بارليف الحصين، بجهد وعرق أهالى المدنية،ملتحما مع جيشنا الباسل على خط الدفاع الأول، وأصبحت مدن القنال عقب انتهاء حرب أكتوبر 1973، مدن دمار وأشباح وغربان تنهش جثث الشهداء من الجيش والأهالى، وتطلب الأمر بعد ذلك وقتا طويلا، حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن.
وبعد.. ألا تستحق مدن القنال منا جمعيا، تعظيم سلام على ما قدمته من شهداء؛ يخلدهم التاريخ يوما بعد يوم،علينا جميعا تحكيم روح الحق والضمير، والبحث عن العدالة الغائبة نحو مدن الشهداء الباسلة.