المهرجانات الفنية في مصر فيع سنواتها الأخيرة تواجه أزمات عاصفة تهدد استمراريتها، أبرزها على الإطلاق إنخفاض سعر الجنيه في مواجهة الدولار الأمريكي، وبالتبعية الغلاء الرهيب على كافة الأصعدة، والذي ربما كان وراء إلغاء بند الدعاية لتلك المهرجانات أو أحد أسبابها، النتيجة الطبيعية أنها تحولت للنخبة من المهتمين والعاملين في المجال الفني، وغاب الجمهور المستهدف بخدمات المهرجانات المجانية من عروض وورش وندوات وغيرها. قد يرى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي حلا عبقريا وفي متناول الجميع وهو ما اتفق معه إلى حد كبير لكنه ليس مجانيا، فالتسويق الإليكتروني يحتاج إلى بند خاص في الميزانية لا تستطيع كل المهرجانات توفيره وسط العديد من البنود التي لا بديل عنها، إلى جانب كونه وسيلة للمهتمين أيضا فقط، ويتم تعويضه ببث جوانب من الفعاليات مباشرة من خلال صفحات المهرجانات على وسائل التواصل الاجتماعي أو من الحضور لا يراها غير المهتمين أيضا، فهي لا تتساوى مع الإعلانات المدفوعة التي تفرض نفسها على المتعاملين مع الانترنت. التعامل المباشر مع المواطن العادي والذي يعد المستهلك الأكبر للبث التليفزيوني والإذاعي يوضح الهوة الكبيرة بين ما يقدم لأجله ولا يصله، حتى لو كان من عاشقي الفنون سواءا سينما أو مسرح أو استعراض أو غيره، وربما كانت له تجارب تمثيلية أو تأليف ولكن إلتزاماته اليومية جعلته في دائرة أخرى ولم تنسيه موهبته التي كانت، بادرني أحدهم حين عرف أني صحفية بسؤال عن سعر تذكرة المسرح حاليا، فأجبته بأنها مجانية تماما فترات المهرجانات وأسعارها غير مبالغ فيه طوال العام، فما كان منه إلا أن أكد أنه سيذهب وأنه لم يسمع عن تلك المهرجانات. ربما خرج عن المألوف من تلك المهرجانات المجانية مهرجانات الأوبرا محكى القلعة والصيفي وأيضا سماع للإنشاد الديني الذين أصبح لهم مريدين، ويمتلئ المسرح بالكامل بالعائلات المتفاعلة مع الأنشطة، فمن يتابع حفلات المحكى التي انتهت منذ أيام بالحضور أو عبر الشاشات سيلمس اهتمام الجمهور بالتواجد وتفاعله مع النجوم والفرق الغنائية، بينما حضور العروض المسرحية رغم عدم خلو القاعات إلا أن غالبيتهم مسرحيين وإعلاميين. إلى جانب الورش والندوات والجلسات البحثية يقتصر الحضور أيضا على العاملين في نفس المجال رغم عدم تقصير المهرجانات في البث المباشر. وكان مهرجان العالم علمين مثالا محترما لأهمية عنصر الدعاية في التجاوب والتفاعل من جميع الأطياف، فالجميع تابع الفعاليات سواءا بالحضور أو عبر شاشات التليفزيون، مهرجان وليد في عامه الثاني كان حديث العالم العربي بالكامل ولم يقتصر على المصري، أجواء مبهجة ممتعة لطفت أجواء فصل الصيف الحارة، على الرغم من أن حالاته لم تكن مجانية، فماذا لو كانت مجانية أو رمزية أسوة بمسارح الدولة على سبيل المثال لا الحصر والتي يطبق عليها عدم وجود ميزانية للدعاية، تقدم المتعة والتشويق والإثارة والابتكار وغيرها بأبسط وأقل التكاليف. وفي ظل أشد الظروف ضراوة دون توقف، ولا يسمع عنها شيء إلا من بعض الأخبار والمقالات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والسؤال هنا لماذا لا تخصص وزارة الثقافة بقيادة الوزير النشط الدكتور أحمد فؤاد هنو ميزانية مناسبة للدعاية التليفزيونية للمهرجانات التي تنظمها أو تنظم تحت رعايتها، فالمواطن الذي يحتاج للطعام والشراب والعلاج والتعليم يحتاج أيضا إلى متنفس جاد لمقاومة تيار الإفساد الممنهج الذي يصله بسرعة البرق، يحتاج إلى ترقية الذوق وإشباع الجانب الروحي في حياته.