الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعى 3 من قادتها استشهدوا في غارة إسرائيلية بمنطقة الكولا في بيروت    الحوثيون في اليمن: لن تثنينا الغارات الإسرائيلية عن مساندة الشعب الفلسطيني واللبناني    رسميا.. حزب الله يؤكد اغتيال القيادي في صفوفه علي كركي    تصريح ناري من سيف الدين الجزيري بخصوص وسام أبو علي مهاجم الأهلي (فيديو)    "اللي يطلع في الإعلام يحترم الجميع"... تصريحات نارية من ناصر ماهر بعد تتويج الزمالك بالسوبر الأفريقي    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    صفارات الإنذار تدوي في راموت نفتالي شمال إسرائيل    التعليم تزف بشرى سارة ل "معلمي الحصة"    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    10"بعد إصابته في الركبة".. 10 صور تاريخيه محمد هاني مع النادي الأهلي    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    موعد مباريات اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    شديد الحرارة على هذه المناطق.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الاثنين    إصابه 4 أشخاص إثر اصطدام دراجتين ناريتين في المنوفية    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    صناع السياسة في الصين يتعهدون بدراسة تدابير اقتصادية تدريجية    الصين تتجه لخفض أسعار الرهن العقاري لإنعاش سوق الإسكان    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    دونجا يوجه رسالة نارية ل إمام عاشور: «خليك جامد احنا مش ممثلين» (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    المقاومة العراقية تحذر من إستخدام العراق منطلقا لعمليات التحالف الدولي ضد سوريا    بايدن: سنواصل الوقوف إلى جانب أوكرانيا    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    هل 200 جنيه للفرد شهريا «مبلغ عادل» للدعم النقدي؟.. أستاذ اقتصاد يجيب (فيديو)    صالون التنسيقية يفتح نقاشا موسعا حول ملف التحول إلى الدعم النقدي    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    مقتل 3 أشخاص من عائلة واحدة في مشاجرة على ري أرض بأسيوط    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024 (تحديث الآن)    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    إسرائيل تقصف 120 موقعًا لحزب الله، ولبنان يعلن استشهاد 53 شخصًا    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5يونيو الثورة ضد الوزير تمهد لإسقاط الرئيس
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 07 - 2014


مجمة «المغير»
المثقفون يقتحمون وزارة الثقافة .. والإخوان : نخبة مشوهة تعادي الدين والإيمان بالآخرة!!
لم يكن لاختيار لحظة الصفر دلالة معينة لكن ظروف المعركة هي التي فرضته . فالحرب خدعة ، والخدعة كانت تقوم علي اختيار يوم تقل فيه إجراءات الأمن حول مبني وزارة الثقافة إلي أدني مستوياتها ليبدأ المثقفون إجراءاتهم التصعيدية . وقع الاختيار علي يوم الأربعاء لأنه موعد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء . وهو ما يعني عدم وجود الوزير في مكتبه . ولأن الأمن يهتم بالجالس علي الكرسي أكثر من اهتمامه بقيمة المبني فسوف يهمله نسبيا في هذا اليوم . اختار المثقفون يوم الأربعاء إذن دون أن يهتموا بكونه الخامس من يونيو ، فساهموا في تحويل ذكري النكسة إلي علامة مضيئة في تاريخ الثقافة المصرية . وأنهوا سنوات طويلة أدمنوا فيها كفاح " البيانات " الذي ظل يمثل لهم حيلة نفسية تقنعهم بأنهم أدوا دورهم كمثقفين تجاه قضايا عديدة . لكن سنة الإخوان جعلت المبدعين يقتنعون بأن بقاءهم في خندق الكلمات الرنانة لن يجعلهم يصمدون في وجه من يستخدمون الشعارات الجوفاء ستارا لممارسات تسلب الجميع هويتهم . اللحظة كانت فارقة تحتاج إلي توثيق خوفا من الضياع في مرحلة العيش علي الحافة حسب تعبير الروائي الكبير جمال الغيطاني . بعد عام تصبح الصورة أكثر وضوحا وتظهر أهمية الاقتحام الناعم في التمهيد لثورة 30 يونيو . وتستعيد الأذهان ذكريات الأيام التي حولت حي الزمالك الهاديء إلي بؤرة للأحداث ، ورغم سخونتها إلا أن شارع شجرة الدر أصبح مزارا بعد أن جذب بفاعلياته الثقافية التي استمرت طوال أيام الاعتصام جمهورا متنوعا ظل لسنوات منعزلا عن الثقافة .
جمال الغيطاني : شاركت رغم ظروفي الصحية الصعبة .. وأطالب بتوثيق هذا الحدث الاستثنائي
مجدي أحمد علي : كبار المبدعين ساعدونا في دخول المبني .. والثوار قاموا بحمايتنا فيما بعد
هناك دائما قشة تقصم ظهر أي بعير مهما بلغت درجة صبره . رغم خفة وزنها ينسب لها الفضل في أنها صاحبة الفعل الأكثر تأثيرا . وهذا ما حدث يوم 7 مايو 2013 . تعديل وزاري محدود شمل 9 حقائب من بينها وزارة الثقافة . كان التعديل مستفزا فمجرد استعراض سريع لأسماء من تضمنهم يثبت أنه يمضي في سياق الأخونة المتسارعة . كان الأكثر استفزازا هو اختيار يحيي حامد خريج الألسن وزيرا للاستثمار لكنه لم يكن سبب الأزمة . أثار التعديل الانتقادات وتوقع الإخوان أن الأمر سيمر ، لم يدركوا أنهم دخلوا عش الدبابير الذي ظل هادئا لسنوات . بعد مرور عام أصبح أكثر اقتناعا أن الإخوان يستحقون الشكر ! إذ أن اختيارهم لعلاء عبد العزيز وزيرا للثقافة تسبب في حالة حراك غير مسبوقة في تاريخ الحركة الثقافية المصرية ، رفض المثقفون محاولاته المصطنعة للتودد إليهم في تصريحاته التليفزيونية الأولي بعد أن أدركوا أن النية أصبحت مبيتة لأخونة الثقافة . الغباء سيد الموقف والحمقي يفضحون أنفسهم . أسترجع ما كتبته علي الفيس بوك يوم 15 مايو : " المذيع في قناة الحافظ يؤكد أهمية السيطرة علي وزارتي الثقافة والإعلام ويؤكد أن وزارة الثقافة هي عش الدبابير لانها مليئة باليساريين والاشتراكيين .. والملاحدة "، كالعادة يلعبون بالدين لخدمة أغراضهم ولو كان الثمن دماء المبدعين التي تجعلها تصريحاتهم مستباحة . احتدمت المواجهة الكلامية ، ولم يخل الأمر من مسيرات باء بعضها بالفشل . في كتابه سنة أولي إخوان يكتب سعد القرش عن إحداها : في الواحدة من ظهر الخميس 30 مايو خذلنا كثيرون ، غابوا عن وقفة احتجاجية متفق عليها ، كنا يتامي أمام مقر وزارة الثقافة ، يكاد الموظفون يفترسوننا ، ولم تتوقف اتهاماتهم لنا بالفساد ". رب ضارة نافعة ، هكذا تبدو الصورة بعد نظرة يفصلها عن الحدث عام كامل ، فربما شعر الوزير ونظامه بالاطمئنان واسترجعوا الصورة الذهنية للمثقف الذي يملأ الدنيا " جعجعة " دون طحن ! لكن الأيام التالية كانت تخبيء لهم الكثير . لم تكن الصورة واضحة للكثيرين ممن شاركوا فيما بعد في الاعتصام ويبدو أن ذلك كان متعمدا لكي لا تتسرب الخطة للإخوان . من هو صاحب فكرة اقتحام الوزارة ؟ سؤال لا يملك الكثيرون إجابة يقينية عليه . يروي لنا الروائي يوسف القعيد : " لا أعرف من هوصاحب الفكرة .. لكن المخرج خالد يوسف اتصل بي وأبلغني أن هناك اعتصاما سيبدأ في الوزارة وأخبرني بطريقة الدخول وذهبت " ، بدوره لا يملك الروائي إبراهيم عبد المجيد إجابة خاصة أنه علم بأنباء الاعتصام عندما بدأت تتواتر :" عرفت مساء يوم الاعتصام فذهبت إلي هناك علي الفور .. لكني لم أكن مع من دخلوا في البداية " . حتي القريبون من الحدث عرفوا فجأة ، يروي سعد القرش في كتابه انه عقب المظاهرة التي لم يحضرها الكثيرون تم تعميم دعوة للاجتماع ظهر 5 يونيو في المجلس الأعلي للثقافة ، وعند توجهه تلقي مكالمة هاتفية من السيناريست سيد فؤاد ، ويواصل : " قبل أن أسمعه قلت: خلاص، أنا في الطريق، بيني وبين المجلس دقائق. فقال : صباح الخير، تعال الوزارة. سألته بانفعال: حصل؟". غير أن المخرج مجدي أحمد علي يملك الإجابة :" الفكرة جاءتني مع خالد يوسف ومحمد العدل خلال مظاهرة شاركنا فيها بالأوبرا .. حددنا يوم الأربعاء لأنه موعد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء ، وهو ما يعني تخفيف الحراسة لعدم وجود الوزير " . للمرة الأولي يبدو المثقفون قادرين علي التخطيط بهذه الصورة ، فلم يتركوا الأمور للصدفة . كان الهدف حصار الوزير وإجبار النظام علي تغييره بعد انتهاء المهلة التي حددوها قبل أن يبدأوا تصعيدهم .
في اليوم السابق كان افتتاح مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية ، قرر الفنانون ألا يدخله الوزير غير المرغوب فيه ، غادر مجدي أحمد علي القاهرة إلي هناك ، وبعد أن اطمأن أن الوزير خشي من مواجهتهم وقرر عدم الذهاب ، عاد في اليوم التالي ليشارك في إبداعية كبيرة مثل بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم والراحلة فتحية العسال .. كان وجود هؤلاء وغيرهم داعما لنا ، لأن أمن الوزارة لم يكن سيسمح لنا بالدخول لو كنا وحدنا ". في اليوم نفسه وفي الأيام التالية تزايد العدد ، لا يزال جمال الغيطاني يذكر ملامح تلك الأيام :" شاركت في جانب منها رغم أني كنت أمر وقتها بأخطر أزمة صحية في حياتي ، ومع ذلك شاركت في أيام عديدة ، كنت أذهب في الصباح وأنصرف في نهاية اليوم لأبيت في المنزل وأعود صباح اليوم التالي " الأمر نفسه تكرر مع إبراهيم عبد المجيد ويوسف القعيد .
هجوم مضاد
علي الجانب الآخر كان علاء عبد العزيز يوجه هجماته للمعتصمين عبر عدد من الشاشات ، بينما لجأ عصام العريان إلي الفيس بوك ليترحم علي مثقفي مصر الراحلين مثل العقاد والرافعي ونجيب محفوظ وغيرهم وكتب علي صفحته الشخصية : " هؤلاء العمالقة مهما اختلفت معهم لكنهم تميزوا بما هو عكس ما فعلته نخبة الستينيات وما بعدها التي تعالت عن الشعب، وثقافته النخبوية وتمردت علي عقيدته وإيمانه" ، وواصل :" عكست تلك النخبة المشوهة موقفها الحقيقي من الجماهير والشعب، ومن الدين والإيمان بالآخرة، ومن الغرب والحضارة المسيطرة، ومن التطبيق والعلمية والعمل" ، ما علاقة اعتصام المثقفين بمكتب وزير " دنيوي " بالموقف من الدين والإيمان والآخرة ؟ !! خلال حملة مرسي الرئاسية زعم أحد قيادات الإخوان أنه مرشح الله ! وفي معركة وزارة الثقافة انتقلت القداسة للوزراء أيضا ليصبح الاعتراض عليهم موقفا مضادا للعقيدة والإيمان ! تصريحات القيادي الإخواني جاءت متسقة مع أخري مشابهة أطلقها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في اليوم الثاني للاعتصام قال فيها : " إن ما حدث في مكتب وزير الثقافة أمس أمر لا يصدق.. إنه قفزة واسعة إلي الخلف.. قناديل العقل والحكمة والحضارة لا تضاء بالقسر والإكراه والصخب " . أبو الفتوح الذي دعمه مثقفون كبار في حملته الأولي بعد أن انخدعوا في توجهاته التنويرية - تذكر العقل والحكمة والحضارة في هذا التوقيت فقط لكنها لم تخطر علي باله قبل أكثر من ستة شهور عندما حوصرت المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي . تصرفات الإخوان وذيولهم هي التي جعلت المناخ في مصر مهيأ لأحداث من هذا القبيل . ومازلنا نذكر الشعارات الدموية عن استعدادهم لتعبئة المعارضين في شكائر ، وقتها لم يخرج من أحدهم تصريح يدين ما يحدث ، إنهم يتذكرون الحضارة والمنطق عندما يكونان في خدمة أهدافهم فقط ، أما المثقفون فاستخدموا التكنيك نفسه لكن بصورة حضارية . يوضح جمال الغيطاني : " لم نقترب من مكتب الوزير ، ولم يفكر أحد في اقتحامه ، كان اعتصامنا في المكتبين المجاورين له " . مضي كل شيء بنظام محكم في ظل ظروف ضبابية لا يعرف أحد كيف يمكن أن تكون نهايتها ، وكان لابد من تنظيم متطلبات الإقامة من طعام وحماية . يتذكر مجدي أحمد علي : " أنفقنا علي الطعام من جيوبنا وأحيانا كانت تأتينا تبرعات من أشخاص نعلمهم وآخرين لا نعرف من هم ، كما أن كل النقابات الفنية ساعدتنا ، وعندما كانت الأمور تتأزم كنا نكتفي بالفول والطعمية " . وفي وجود نظام يعتمد علي البلطجية أو الشباب المغرر بهم باسم الدين تصبح كافة الأخطار محتملة . هنا تتحول الحماية من مجرد وسيلة للدفاع عن النفس إلي أسلوب للبقاء علي قيد الحياة . يواصل المخرج الكبير الذي كان متحدثا باسم المعتصمين ذكرياته :" عندما علم شباب القوي الثورية بما فعلناه توافدوا بأعداد كبيرة وأحاطوا بمبني الوزارة لحمايتنا كما أقر بأن الشرطة كانت محايدة " ، ولا يتعجب من تضامن الشباب مع المثقفين :" أدرك الكثيرون أن ما فعلناه بالغ الأهمية في وقت سادت فيه اللغة المراوغة من النظام ، وأصبحت المعارضة يائسة ، لهذا كان ما فعلناه ضروريا ، فقد رفضنا كمثقفين أن ويشير إلي أن الموجودين خارج المبني هم الذين صدوا هجمة بلطجية الإخوان يوم الثلاثاء 12 يونيو ، تلك الهجمة التي شهدت واقعة بالغة الدلالة عندما تلقي أحمد المغير رجل خيرت الشاطر علقة قاسية بعد أن حاول مع أتباعه التعدي علي المعتصمين ، ورغم أن الكثيرين شاركوا في تلقينه الدرس المؤلم إلا أن الناشطة رشا عزب تصدرت المشهد لأنها كفتاة لم تشعر بالخوف من بنيته الجسمانية الضخمة ، بعدها بدقائق أطلقت تغريدة علي تويتر قالت فيها : " المغير كَل قلمين وشلوتين ...تحية واجبة " ، وفي مداخلة مع برنامج تليفزيوني في اليوم نفسه قالت إن ما قامت به من اعتداء هو "رد فعل"، وأكدت أنه في حالة الاعتداء عليها إما أن تموت أو تصاب وإما أن تدافع عن نفسها.
هذه الواقعة تسببت في تحول وجهة نظري حول الاعتصام ونشرت علي الفيس بوك فقرة قلت فيها : "
شخصيا كنت معارضا لاختيار وزير الثقافة الحالي لأسباب موضوعية لكني تحفظت علي الاعتصام بمكتبه لكي لا نكرر أفعال أبناء حازم وأتباعهم ، ولكي لا نعطي المبرر لهم ليعترضوا علي أي مسئول قادم بنفس الطريقة . لكن بعد موقعة الزمالك تحول موقفي واقتنعت بأن الموضوعية مع هؤلاء دون طائل!
لكن الإنجاز الأهم أن الإخوان سيوحدون بممارساتهم بين طوائف الشعب في 30 يونيو" يبدو أن التغير لم يكن من نصيبي وحدي كمواطن بسيط لكنه كان قد امتد إلي المثقفين المعتصمين ، حيث يؤكد يوسف القعيد : " في البداية كان الهدف هو إقالة وزير الثقافة ، لكن بعد هجوم المغير وافق المعتصمون علي اقتراح مجدي أحمد علي بالتصعيد والمطالبة بإقالة رئيس الجمهورية " . غير أن مجدي أحمد علي يؤكد لنا أن هذا المطلب كان متفقا عليه منذ البداية ، ويضيف : وصلتنا عروض خلال اعتصامنا بأن يتراجع الوزير عن قراراته لكننا رفضناها لأن مطالبنا كانت واضحة منذ اليوم الأول " . الرجوع إلي البيان الذي أصدره المعتصمون في اليوم الأول يوضح أن الهدف الأساسي كان إقالة الوزير غير أن عباراته تضمنت نوايا تصعيدية حيث نص علي : "يعلن المثقفون والأدباء والفنانون المعتصمون بمكتب وزير الثقافة رفضهم للوزير الذي فرضته الفاشية الدينية الحاكمة، والذي بدأ فعلا في خطة تجريف الثقافة الوطنية، ويؤكدون أنهم لن يقبلوا بوجود وزير لا يلبي طموح المثقفين وتطلعاتهم للرقي بالثقافة اللائقة بالثورة العظيمة التي بدأت موجتها الأولي يوم 25 يناير 2011،
يقترب هؤلاء من الثقافة وتصدينا لمحاولات أخونتها ، وأعلنا أن هدفنا هو حماية الوطن كله . كانت رؤيتنا واضحة وقمنا ببث الروح في الحركة السياسية المصرية كلها " .
تنفيذ المتفق عليه ، كان مقررا أن يتم دخول المبني بحجة لقاء الوزير ، يروي المخرج الكبير ما حدث : عدت من الإسماعيلية واتجهت لمقر الوزارة فوجدت قامات حتي تحقق أهدافها وفي مقدمتها بناء الدولة الوطنية ، ويعلن المعتصمون استمرارهم في الاعتصام حتي يتولي زمام أمر الثقافة من يتعهد ويؤمن بالحفاظ علي قيم التنوع والمواطنة والثراء الذي كان سمة للثقافة المصرية علي مر العصور
اتحاد الكتاب ينتفض
في أجواء يغلب عليها عبث السلطة المترنحة بين نشوة مزيفة وقلق خفي لم يكن غريبا أن تخرج إحدي صحفهم بعنوان : وزير الثقافة يلتقي عددا من المثقفين بعد يوم واحد من اشتباكات مقر الوزارة . واستهلت الصحيفة
تقريرها بمقدمة جاء فيها : " التقي الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة، عددا من رموز الثقافة المصرية في مكتبه بالهيئة المصرية العامة للكتاب؛ وذلك بعد يوم واحد من الصدامات العنيفة بين المؤيدين والمعارضين له أمام مكتبه الذي اقتحمه حفنة من المثقفين كان علي رأسهم خالد يوسف " . كان اللقاء ضربة للمعتصمين لأنه ضم رموزا تغطي أسماؤها علي أسماء " حفنة "المشاركين في الاعتصام ! بدون خجل ذكرت الجريدة الحزبية أربعة أسماء فقط : الشاعر الشيخ أمين الديب ، والفنانة التشكيلية نجلاء فتحي ، الشاعر ياسر أنور ، والقاص محمود القاعود !! أمام هذه الرموز كان ينبغي للمثقفين المعتصمين أن يراجعوا مواقفهم ، ويتراجعوا عن بيانهم الذي صاغوه !! إذا كانت الأسماء المغمورة التي التقت الوزير ( المغمور أيضا ) تمثل رموز الثقافة فما الذي يمكن أن توصف به أسماء صنع الله إبراهيم ، بهاء طاهر ، جلال الشرقاوي ، فتحية العسال ، سيد حجاب ،سكينة فؤاد ، جمال الغيطاني ، يوسف القعيد ، إبراهيم عبد المجيد ، خالد يوسف ، محمد العدل ، مجدي أحمد علي ، محمد فاضل ، سهير المرشدي ومحمد عبلة ( القائمة أطول من أن تذكر كاملة ) .
دائما ما يجد الحاكم أشباه مثقفين ( يطبلون ) له ويدافعون عن فشله ، والواقعة السابقة ليست وحيدة ، فعندما أصدر اتحاد الكتاب قبلها بشهور بيانا يرفض فيه الإعلان الدستوري سارع عدد من أعضائه بإصدار بيان مضاد أكدوا فيه أن البيان الرسمي لا يعبر عنهم ، وقع عليه 103 أعضاء غالبيتهم مغمورون من بينهم اثنان من مجلس الإدارة ، ربما يكون بعضهم قد وقع عليه انطلاقا من قناعة شخصية لهذا وردت فيه هذه العبارة :" وأكد أعضاء الاتحاد أنهم يدعمون الإعلان الدستوري ويرونه ثوريًّا، مشيرين إلي أن بعضهم يدعمه كليًّا والبعض الآخر يدعمه مع بعض التحفظات". في لغة البيانات تدل مثل هذه النوعية من العبارات علي وجود خلافات بين الموقعين فتصبح حلول الوسط حاضرة .
خلال شهور الإخوان تصاعد دور اتحاد الكتاب تدريجيا ، فعند اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لدستورهم اعترض رئيسه الأديب محمد سلماوي بشدة علي استبعاد المثقفين من عضويتها ، وفي تصريحات صحفية نارية قال يوم 27 مارس 2012 إن جماعة الإخوان تقتفي أثر الحزب الوطني، وأن الجمعية العمومية للاتحاد المكونة من 3 آلاف عضو سوف تنعقد بعدها بثلاثة أيام لاتخاذ قرارات قوية في مواجهة ذلك. بمراجعة قرارات الجمعية التي عقدت يوم 30 مارس نجد أنها اتخذت 18 قرارا وتوصية قبل أن تصل إلي قرارها الأخير الذي لم يتسم بأي قوة حيث نص علي : " إقامة وقفة احتجاجية صامتة أمام مقر الاتحاد تعبيراً عن رفض أعضاء الجمعية العمومية لاتحاد الكتاب تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور" . تصريحات رئيس الاتحاد كانت أقوي من قرارات جمعيته العمومية وهو أمر يثير التساؤلات ، توجهنا إلي الدكتور مدحت الجيار أمين صندوق الاتحاد فأوضح : " طوال الوقت كنا نواجه بعرقلة ممن يؤيدون الإخوان ، وقد واجهوا اعتراضنا علي عدم اختيار أي اسم من الأسماء التي اقترحناها لعضوية اللجنة التأسيسية ، لهذا صدرت التوصية بهذا الشكل للإعلان الدستوري ، ثم عادوا للظهور في يوم حاسم . إنه يوم 21 يونيو 2013 ، لكن تأثيرهم تضاءل أمام مئات المثقفين الذين جمعهم القلق علي مصير الوطن ، يتذكر جمال الغيطاني : " حضرت اجتماع الجمعية العمومية وأشهد أن سلماوي كان أسدا ، جلست في الخلف بين من كانوا يثيرون الشغب وغالبيتهم من أعضاء الاتحاد القادمين من الصعيد والأرياف ، لا أذكر منهم أحدا لكن سلماوي وضع قدمه يومها علي المنضدة وهتف : هذا اتحاد كتاب مصر واللي مش عاجبه يمشي من الاتحاد " . ويواصل مدحت الجيار :" في ظل العراقيل السابقة التي كنا نتعرض لها كانت قرارات الجمعية العمومية مفاجأة للجميع . تصدينا لمحاولات من هاجموا المنصة واتهموها بأنها ترغب في التغيير بشكل غير ديمقراطي ، ودعمنا في موقفنا صمود زملائنا المعتصمين علي بعد مئات الأمتار في مقر وزارة الثقافة ، وكانت النتيجة أن صدرت القرارات بالأغلبية ولم يعترض إلا نحو عشرين عضوا ".
وفي النهاية قال كتاب مصر كلمتهم التي عبر عنها بيان الاتحاد : " انطلاقا من الانتماء الكامل لاتحاد كتاب مصر ، و انطلاقا من التحام الأدباء بثوابت الجماعة الوطنية ، يؤكد الاتحاد أن الاعتراض علي سياسات النظام الحاكم ، هو اعتراض ثقافي في الأساس ، ذلك لأن الصراع الدائر الآن في مصر هو صراع بين ثقافة جماعة مؤطرة بإرث تاريخي يصلح لها وحدها ، و ثقافة شعب متعدد العقائد و المشارب ، و الثقافات و الاتجاهات . و إيمانا من اتحاد كتاب مصر ، بقدرة المثقفين و الكتاب و المبدعين ، و هم نخبة هذا الشعب المعلم علي التفاعل الإيجابي و النقدي مع واقعهم ، و بمقدرتهم علي طرح البدائل في هذه المرحلة الحاسمة و الدقيقة من تاريخ مصر . و استجابة لمطالب عدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية بأن يقوم اتحاد كتاب مصر باتخاذ موقف عملي وواضح من الأوضاع الثقافية و السياسية و الاجتماعية المتردية التي تمر بها مصر الآن ، في ظل احتراب نشهد آثاره المدمرة علي المستويين الشعبي و السياسي ، وهو احتراب بات يهدد أمن مصر القومي علي المستويين الداخلي و الخارجي ، و تحت وطأة ممارسات سياسية أثبتت عجز مؤسسة الرئاسة الفادح علي مستويي الرؤية و الممارسة عن تقديم أية بدائل استراتيجية في المدي القريب أو البعيد ، هذا العجز الذي وصل الي حد التفريط في مصالح مصر القومية ، علي نحو ينال من مكانة مصر" . وطالب الاتحاد بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، وتشكيل حكومة وفاق وطني ، ومحاسبة كل المسئولين عن الدماء التي سالت منذ ثورة يناير وحتي الاتحادية ، ووضع دستور يليق بتاريخ مصر الدستوري ويعبر عن التوافق الوطني المأمول ، ومناقشة الأخطار التي تهدد الثقافة الوطنية والمؤسسات الثقافية .
من يقرأ القرارات السابقة وفقا لمعايير توقيت صدورها يوقن أن كتاب مصر غامروا بحياتهم ، فحتي ذلك الوقت لم تكن هناك ملامح محددة تجعل التنبؤ بالمستقبل ممكنا ، بالتأكيد كان كل منهم يضع احتمالات لفشل 30 يونيو ، لو لم تنجح الثورة لدفع الجميع ثمن مغامرتهم ، لكنه المثقف المصري الذي يقبل بتحدي الخطر عندما يشعر أنه يقترب من هويته .
30 يونيو
القلق كان سيد الموقف في هذا اليوم . صباح متوتر لدي المعارضين والمؤيدين . كان المثقفون المعتصمون يتابعون الموقف من داخل مبني الوزارة ، ومع قدوم الظهيرة أصبحت الأمور شبه محسومة . يتذكر جمال الغيطاني : " في الواحدة ظهرا جاءنا الخبر .. امتلأ التحرير . كان يجلس بجواري محمد العدل وخالد يوسف ومجدي أحمد علي والناشر محمد هاشم الذي لعب دورا من أهم الأدوار في إنجاح الاعتصام .. وقفت وقلت إن الشعب أدي دوره لكنه لن يستطيع إقصاء هذه العصابة وحده ، واقترحت أن نرسل برقية إلي القائد العام للقوات المسلحة شخص عندما انطلقنا من مبني الوزارة لكني أقدر أن العدد عندما وصلنا إلي الماريوت بلغ نحو عشرين ألفا.. أذكر أن منظرشرفات المنازل وقتها كان غريبا، فقد اكتظت بمن لم ينزلوا إلي الشوارع وأخذوا يهتفون ويلوحون بعلم مصر.. عندما وصلنا إلي الكورنيش كنت قد شعرت بالإعياء فجلست علي الرصيف لأرتاح قليلا ، ثم توجهت إلي منزلي بعد أن اطمأننت أن الأمور في طريقها للاستقرار ".
ما الذي كان يمكن أن يحدث لو لم يقع اختيار الإخوان علي علاء عبد العزيز؟ سؤال يحتمل إجابات افتراضية لهذا يتحفظ إبراهيم عبد المجيد علي الإجابة ، بينما يري مجدي أحمد علي أن توقيت ثورة المثقفين كان يمكن أن يتأخر قليلا ، ويضيف :" لكن وقفة المثقفين كانت ستحل في أي وقت ، فالإخوان كانوا يتصرفون بغباء نادر لدرجة أن هذا الغباء مسئول عن ثلاثة أرباع نجاحات الثورة .. كانوا مصرين علي الإقصاء ، وشعروا أن كل الخيوط بأيديهم ، حتي أن علاء عبد العزيز كان يجلس علي مقهي قريب عندما هاجمنا أتباع الجماعة . كان ينتظر منهم إشارة العودة إلي مكتبه ! " .
علي مدار عقود تلت حرب أكتوبر مازلنا نشكو من عدم توثيق الانتصار فنيا وأدبيا بصورة تليق به ، ويمتد الأمر إلي الأحداث الوطنية الكبري ، ويخشي البعض من ان تنضم ثورة المثقفين إلي قائمة الأحداث غير الموثقة وتضيع في غياهب الذاكرة . ماهي أسباب الخوف ؟ سؤال يجيب عليه جمال الغيطاني قائلا :" لم يتم تسليط الضوء علي الحدث كما ينبغي ، رغم أني كنت أضرب به المثل في حواراتي الخارجية كدليل علي أن ما حدث في 30 يونيو ليس انقلابا بل ثورة شعبية .. خطورة الأمر أننا نعيش ساعة بساعة ، وهو وضع يجعل النسيان مطروحا ولا يمنح الإنسان القدرة علي التأمل .. إنها حالة تشبه العيش علي الحافة " ، ويطالب بجمع شهادات حية ممن صنعوا الحدث وعايشوه . لماذا لم تكتب أنت شخصيا عن هذه التجربة ؟ سؤال يستدعي بعض الصمت قبل أن يجيب : " دعها تأتي وحدها ، أنا أستعيد حاليا الماضي البعيد لأن السنوات الثلاث الماضية كانت مؤذية لي ". بدوره يكتفي إبراهيم عبد المجيد بما كتبه من مقالات عن الحدث ويؤكد أنه أكثر انشغالا بتوابع تلت الأحداث ومن بينها الهجوم علي ثورة يناير ومجموعة قوانين تشعره بالقلق . بينما يري يوسف القعيد أن التوثيق يحتاج إلي من كان متواجدا طول الوقت ، ويوضح : " كنت أذهب وأنصرف في نهاية اليوم .. الخيوط كلها ليست في يدي ". ويؤكد مجدي أحمد علي أن الحدث يحتاج إلي وقت كي يتم تأمله بعناية .
في لحظة استثنائية غادر المثقفون أبراجهم العاجية ، والتحموا بالشعب وقادوا ثورة حركت المياه الراكدة التي خلفتها التنظيمات السياسية التقليدية . وأثبتوا للجميع أن الثقافة ليست منتجا منعزلا عن الواقع . والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : كيف يمكن استثمار ما حدث بحيث تستعيد الثقافة المصرية دورا تم سلبه منها علي مدي عقود ؟ المستقبل فقط هو الذي يمتلك الإجابة ، وستحسم الأحداث مصير علامة استفهام جوهرية : هل يستمر الدور الفاعل للمثقفين ؟ أم أنهم سيعودون لمرحلة العيش علي الحافة ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.