"طاقة النواب" توافق على منحة أمريكية لمبادرة تغير المناخ    احتفالا ببدء العام الدراسي.. طلاب «بني سويف الأهلية» ينظمون ممرا شرفيا لرئيس الجامعة    جويتريش يشيد بحكمة وسياسة مصر الرشيدة    مدبولى: نسعى للحفاظ على تماسك الدولة في ظل التحديات الحالية    نتنياهو.. ‬تحت ‬الأرض !!‬    4 شهداء فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي لمخيم النصيرات وسط غزة    الرئيس الكوري الجنوبي يأمر بإرسال طائرة عسكرية لإجلاء رعاياه في الشرق الأوسط    انفراجة في أزمة فتوح.. مفاجأة بشأن زيزو.. إعلان مواعيد السوبر | نشرة الرياضة ½ اليوم 2-10-2024    وزارة إنتاجية «2»    شوقي غريب يحضر مواجهة الإسماعيلي 2005 أمام سموحة    ضبط 65 طن لحوم فاسدة خلال شهر سبتمبر الماضي    «خلطبيطة باند» تشعل حفل «جيلنا»    قبل عرضه.. تفاصيل دور أحمد مالك في «مطعم الحبايب»    جلال يضع اللمسات الأخيرة قبل افتتاح «المهرجان الدولي للفنون الشعبية»    سامية أبو النصر: نقول للشباب أن استرداد الأرض لم يكن سهلا ولكن بالحرب ثم التفاوض    قريبا.. افتتاح قسم الطواريء بمجمع الأقصر الطبي الدولي    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    بوتين يوقع قانونا يسمح بتجنيد المشتبه بهم جنائيا وتجنيبهم الملاحقة القضائية    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    ظاهرة فلكية تُزين السماء 6 ساعات.. متى كسوف الشمس 2024؟    هل تنتقم فاتن من زوجها بعد الشروع فى قتلها فى مسلسل برغم القانون    نص خطبة الجمعة المقبلة.. «نعمة النصر والإستفادة بدروسها في الثبات»    جولة بحرية بقناة السويس للفرق المشاركة بمهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية    محافظ الغربية يناقش مستجدات الموقف التنفيذي لمشروعات «التنمية الحضرية»    محافظ مطروح يناقش خطة إطلاق ندوات توعوية للمجتمع المدني بالتعاون مع القومي للاتصالات    حبس المتهم الهارب في واقعة سحر مؤمن زكريا المفبرك    مشاركة ناجحة لدار الشروق بمعرض الرياض الدولي للكتاب والإصدارات الحديثة ضمن الأكثر مبيعا    شيخ الأزهر يكرم طلاب «طب أسنان الأزهر» الفائزين في مسابقة كلية الجراحين بإنجلترا    رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض والحفاظ على البيئة    مقتل وإصابة 7 جنود من الجيش العراقي في اشتباكات مع داعش بكركوك    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    وزير الشباب والرياضة يتابع مجموعة ملفات عمل تنمية الشباب    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    الحوار الوطني.. ساحة مفتوحة لمناقشة قضايا الدعم النقدي واستيعاب كل المدارس الفكرية    حقوقيون خلال ندوة بالأمم المتحدة: استمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان يقوض السلم والأمن الدوليين    وزير الثقافة يلتقي أعضاء نقابة الفنانين التشكيليين (صور)    جوارديولا: جوندوجان لعب أسوأ مباراة له ضد نيوكاسل.. وفودين ليس في أفضل حالاته    جهود «أمن المنافذ» بوزارة الداخلية فى مواجهة جرائم التهريب    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    متفوقا علي مبابي وبيلينجهام .. هالاند ينفرد بصدارة ترتيب أغلى اللاعبين فى العالم ب200 مليون يورو    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    جامعة المنوفية: إحالة عضو هيئة التدريس صاحب فيديو «الألفاظ البذيئة» للتحقيق (بيان رسمي)    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    الجمعة المقبل غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريا    الكيلو ب185 جنيها.. منفذ "حياة كريمة" يوفر اللحوم بأسعار مخفضة بالمرج.. صور    بالصور.. 3600 سائح في جولة بشوارع بورسعيد    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    رحيل لاعب جديد عن الأهلي بسبب مارسيل كولر    وزير الداخلية يصدر قرارًا برد الجنسية المصرية ل24 شخصًا    ما حكم كتابة حرف «ص» بعد اسم النبي؟ الإفتاء توضح    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    "أبوالريش" تستضيف مؤتمرًا دوليًا لعلاج اضطرابات كهرباء قلب الأطفال    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    خبير عسكري: إسرائيل دخلت حربًا شاملة ولن يوقفها أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخاض
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 05 - 2014

اسمع. لقد كان المخاض صعباً. ولقد خشي الطبيب علي الجنين، فذاك الضغط المتواصل قد يؤدي لمضاعفات تضر بصحة الوليد. تلك هي التعقيدات التي فيما عداها يقول لك الطبيب: "كل شيء تمام". في الواحدة صباحا قرر الطبيب أخذ سلمي لغرفة الولادة. رفعتْ الممرضة التيار الكهربائي الذي كنا عن طريقه نتابع دقات قلب المولود. تكاد سلمي تطير فرحاً ونحن نتجه لغرفة الولادة. كانت منذ السادسة تسأل الطبيب "متي سألد" و "هل سأنتظر كثيرًا" أو "كم بَقِي من الوقت" ما حدث أن رأس الوليد لم ينزل كثيراً. في الصباح حين جئنا للطبيب قال لنا:"عودا للبيت وإذا عاد المخاض بدرجة جدية اتصلوا بي". المشكلة لا أنا ولا سلمي نعرف المخاض الجدي. وهكذا قلت للطبيب وفوق ذلك فإن سلمي، وكذا عائلتها، من النوع الذي لا يجزع ولا يبكي. مع ذلك قال لي الطبيب "لكن العين تتكلم. انظر إلي عينيها إذا لم تسمع صوتها"، ولكني لم أر دموعها إلا بعد الثامنة مساءً. تلك الدمعات التي تنحدر علي الوجنتين مع ذلك الألم الجسدي والصرخات "متي ألد يا ربي؟" كانت سلمي تتألم، وتتلوي وتصرخ بي "امسك يدي" ولقد كنت معها طول الوقت. في أمريكا يسألك الطبيب: "هل تريد أن ترافق زوجتك إلي غرفة المخاض؟" ثم يسألك "وماذا عن غرفة الولادة؟" وتنظر إلي زوجتك فتجد عينيها في عينيك فتسأل الطبيب ويأتيك الجواب "طبعا لن تري شيئا، ستكون معها فقط". وهكذا اتفقت مع سلمي علي أن أرافقها. كانت فرحة لمرافقتي لها، أولا لأنه لا يوجد أحد من العائلة هنا، ثم لأنها فكرة جميلة، وثالثا لأني أريد أن أرفع آلامها كما يقولون هنا. وفعلا رفعت آلامها. كيف؟ ذاك يصعب شرحه لكن الطبيب كان جدًا سعيد بمرافقتي والممرضات أيضاً. والأهم أن سلمي كانت الأكثر سعادة. بل لقد كانت تنادي "أين زوجي"، كلما خرجت من غرفة المخاض، مع أني لم أخرج من الرابعة والثلث بعد الظهر إلا مرة أو مرتين للتشاور مع الطبيب. كانت الممرضة البيضاء السمينة الطويلة المشعرة تؤشر لي بيدها "زوجتك تريدك". وقال لي الطبيب فيما بعد "لقد قُمت بعمل طيب. تدري أن العرب في العادة، يعتبرون ولادة المرأة منذ دخول المستشفي مسألة تتعلق بالطبيب، ويريدون أن يجلسوا في البيت وأنا أخبرهم بالنتائج. أنا أريد الزوج هنا، أن يكون معي بنفسه لأنه هو الذي يستطيع أن يرفع آلامها، أنا أعطيها مهدئا، أساعد الطبيعة، لكن هو الذي يرفع آلامها لأنه هو الطبيعة لا المسكنات". لقد شرح لي الطبيب أشياء كثيرة خاصة حين أخبرني عن الحاجة لنزول رأس الجنين لطرف الرحم الأسفل. وبدون ذلك؟ سألت الطبيب، فقال وهو يفتح عينيه باتساع الأحداق. "بدون ذلك؟ سنجري عملية. ذلك آخر شيء نعمله. القيصرية نلجأ لها فقط عندما نتأكد من فشل الطبيعة". وحين دخلت علي سلمي سألتني ماذا قال الطبيب، فأجبتها مهدئاً أننا في الواقع جئنا للمستشفي مبكراً، كان يجب ألا تأتي قبل السابعة أو الثامنة مساءً، قالت: "يا ربي في المستشفي أحسن. انظر الآن: الطبيب عندنا والممرضات عندنا، علي الأقل نحن مطمئنون"، قلت طبعًا ما عليك منه. كيف لنا أن نعرف أول المخاض أو جديته. قالت: "لا يا خالد هذا معروف في الدروس التي أخذتها في الصليب الأحمر، لأن الفترات بين المخاض والآخر تكون تقريبًا دقيقة، والبارحة مثلا كانت المغصة تأتي كل عشرين دقيقة، والآن كم؟: اضبط الساعة في المرة القادمة. وتعض شفتها: "يا ربي يا ربي"، وتفتح عينيها إلي آخرها: "خالد ماذا أعمل؟".. "خذي نَفسًا طويلا يا حبيبتي... خذي نَفسًا" "ما أقدر ......." ثم تحاول أن تسحب نَفسًا وتحاول أن تحتفظ به في جوفها. لكن الطبيب كان يريدها أن تضغط النَّفس إلي الداخل... "ما أقدر.. والله ما أقدر" ولقد جربت ذلك في فترة السكون. لكن ذلك لا يفيد.. الطبيب يريدها أن تدفع حين تأتيها المغصة... "والله ما أقدر، ما أدراك أنت" وتغرورق عيناها "امسح ظهري... آي... ياربي متي ألد؟... امسح تحت... يا ربي يا ربي" وتشد علي حاجز السرير الحديدي بقوة "يا ربي، قل للطبيب يعطيني مُسكنا" قال الطبيب "ذلك غير ممكن.. إذا أعطيتها مسكنا أكثر سيكون المخاض ضعيفا، ربما أضعف مما هو الآن... أنا بحاجة إلي مخاض قوي" والتفت إليها: "أريدك أن تساعديني، أريدك أن تسحبي النفس ببطء وتحفظيه في جوفك ثم تدفعيه ليخرج من تحت بقوة"؟ سألته: "ألا يوجد دواء أو آلة لتقوية المخاض؟" قال هناك آلة السحب لكنه لا يحبذ استعمالها بل إنه يكرهها... قلت: "أليست فعالة"، قال وهو يجلس علي حافة السرير: "الأطباء الذين يستعملونها يجدونها فعالة، أما أنا فأكرهها، الآلة هي آخر شيء أفكر فيه، يجب أن نعطي الطبيعة مجالها"، ومدت سلمي يدها لي فعرفتُ أن المخاض عاودها. ابيضَّت شفتاها واصفَّر جبينها ولوت رقبتها... "امسك يدي" وضغطتُ علي كتفيها وهي ترفعهما فوق "ياربي، ياربي"، والطبيب "خذي نَفساً" ومدَّ يده تحت. صرخت سلمي وهي تكاد تقفز من السرير. قال الطبيب: "أعرف أنك تكرهينني الآن... لكن هذه هي الطريقة الوحيدة للتأكد من موضع رأس الطفل"، والتفت إليَّ "كانت لديَّ ممرضة تعرف بمجرد اللمس الخارجي، أما أنا فلم أتمكن من ذلك أبدا"، "واو... خالد... خالد... امسكني... امسكني... ربي ألد بسرعة... خالد... خالد... امسك ظهري" وتعض شفتها وتتكثف دمعة في الأحداق. "الوضع أحسن من قبل" قال الطبيب "لكن علينا أن ننتظر قليلا". انحسرت المغصة... "آسفة يا خالد... لقد عذبتك"... سألني الطبيب ماذا تقول، قلت تعتذر إن كانت غير متعاونة، فالتفت نحوها: "إنها الولادة الأولي. ربما كانت في حالتك أصعب من المعتاد لكنها دائما ليست سهلة".
إسمع... إسمعني... البارحة في العاشرة والنصف عدنا من السوق... كنا نأخذ صوراً، وسألتنا الفتاة التي تعمل في ستوديو التصوير متي ستلد، قلنا في أي لحظة فهرعت تضحك وهي تقول "هيا إذن نلتقط الصورة بسرعة". أخذتُ أنا صورة كبيرة وسلمي صورة كبيرة وصورة لنا نحن الاثنين، وطبعنا من صورتنا المشتركة ثلاث نسخ. كانت سلمي تريد أن ترسل لأمي واحدة. ولأمها واحدة، وحين دخلنا السوبر ماركت.. صرخت إحدي البائعات بسلمي "ألم تلدي بعد" فضحكنا وقلنا لها "ممكن في أي ساعة" قالت "أي ساعة؟" قلنا "نعم"، قالت "منذ ثلاثة أيام تقولون أي ساعة" قلنا "نعم"، قالت "هاه وأنت ماذا تريد: ولداً أم بنتاً؟" قلتُ لها "طبعا ولد"، فقالت لسلمي: "سوف تعطينه ولدا؟"، هزت سلمي رأسها. "الله أعلم". وإذ كنا نسير علي شاطئ البوتوماك السير المعتاد في الشهر التاسع للحمل استوقفتنا طفلتان "سيدي هل هذه زوجتك؟"، قلت "نعم" "أهي حامل؟" ، قلت "نعم" ثم بعد لحظات لحقت بنا إحداهما والثانية تنتظر "ماذا تريد أن يكون الوليد؟" قلت "ولد" فجرت نحو صاحبتها وهي تصرخ "يقول ولد يريد ولد" قلت لسلمي "عجيب أمس أمك، واليوم أمي كأنهم يعرفون موعد ولادتك" قالت "طبعا إنهم يحسبون الأيام".. قلت: "لكن غريب أمس واليوم"، قالت سلمي "لقد انزعجت من هذه التليفونات" قلت لها: "أنا أيضا" قالت "حين أسمع وشوشة المكالمات الخارجية انزعج" قلت "أنا تعودت عليها" قالت "لكنك كنت منزعجا حين عرفت أن أختك علي التليفون أمس" لم أقل شيئا. قالت سلمي "كنت تفكر بوالدك". فنظرت إليها، كانت تتفحصني قلت نعم. أرسلت عينيها في عيني: "حتي أنا. لكن الله كريم، إن شاء الله يري مولودنا". في السنة الماضية في مثل هذا الوقت كنا أنا وسلمي مع الوالد في المستشفي. وكان الطبيب قد قال لنا باختصار "سوف يعيش، لكنه لن يتمتع بحياته. كانت جلطة دموية ثم مضاعفات في القلب، وكان هناك شلل في الجانب الأيسر وعدم قدره علي النطق. كنت في مثل هذا الوقت تقريبًا من العام الماضي أُسلي الوالد وأزين له دنياه. قلت له "انظر إلي سلمي إنها حامل" لم يكن ذلك صحيحًا، كنتُ فقط أريد أن أشغله بشيء آخر عن مرضه. فانفجر بي بصوت عال، كلام غير مفهوم، ونظرات غاضبة. وحكيتُ لطبيبه "ألأني كذبت عليه انفجر غاضبًا؟" فهز الطبيب إصبعه نافيًا "لا بالعكس هذا يفرحه لكنه خائف أن يموت قبل أن يري ذلك فعلاً. إنه يقول لك ماذا تنتظر". ولقد كان كلما رأي بطن سلمي حين حملت يبتهج، يضحك، تتهلل أساريره، ويحرك يده كما لو كان يحاول أن يحميها. كان لا يرفع عينه عنها كلما رآها. ولقد بكي بكاءً طويلاً.. نحيبا هادرًا، يوم انحنيت أقبِّل رأسه، يوم سافرنا، دفعني بقوة في صدري حتي كدتُ أقع علي الأرض، وأمسكت يده ورحت أقبلها. سلمي تعرف أن ما من شيء يعذبني مثل تركي لوالدي. وهو بهذه الحال. كنت أشعر أني أخون هذا الرجل. كيف أسافر وأتركه؟ كان العقل والعاقلون بالطبع يقولون: "المستقبل.. المستقبل". ثم كل العائلة حوله والأصدقاء. لكنه كان يبكي، وكنت أعرف أنه يريد أن يراني، يري سلمي ويري وليدنا. ومنذ البداية كنت أقول له أن سلمي ستأتي بوليد. كنت منذ الصغر اسمي "أبو وليد" كان هو يسميني بووليد. كان يحبني. في الابتدائي حين ضربني حامد وأنا عائد للبيت بكيت فأخذني بعد صلاة المغرب لأبي حامد وتحادثا ثم صرت وحامد أصحاب، ويوم وقعتُ من الحصان وانكسرت ساقي وأدخلوني غرفة العمليات وأعطوني حقنة التخدير لم تغمض عيني إلا بعد أن رأيته داخلاً وسمعت صوته وأحسست بيده فوق كتفي.
حين عدنا إلي البيت هذا المساء وضعنا الصور علي الطاولة أمامنا. صورة سلمي إلي اليمين وصورتي إلي الشمال وصورتنا معًا في الوسط. كنت في الصورة أضحك وشعري يتطاير قليلاً ولحيتي غير حليقة تمامًا. كانت سلمي تحب أن تراني هكذا غير متأنق. كانت تقول "مثل المثقفين" وكانت الصورة مليئة حيوية وبهجة حتي صارت صورتي "الرسمية". وكانت صورة سلمي مثل بنت مدرسة: عيناها الواسعتان تبحثان عن شيء ما هناك. ربما رهبة وربما استطلاعًا، وشعرها مصفوف خلف رأسها وابتسامتها وجلة. كانت تبدو كالعادة في حالات رخائها مثل أوجه الملائكة الصغار التي نشاهدها في الصور الكنسية... السلام في الجبهة، والشفتان مكتنزتان تكتمان ابتسامة متحفظة... وقالت: "خالد بطني يمغصني" قلت "نامي الآن... لماذا أنت مستعجلة؟ لكني كنت ألاحظ قلقلها طول المساء، وقلت لها: "هل أتصل بالطبيب" قالت: "أحسن" وضحكت... "حتي أطمئن"، واتصلتُ بالطبيب.
ألو دكتور بيترسون؟
يتكلم. خالد.. كيف حال زوجتك؟
دكتور أنها بخير.. لكنها قلقة
بم تشعر؟
تقول عندها مغص..
هل ما زال الماء يتسرب منها
سألتها وعدت للدكتور:
نعم
بكميات غزيرة أم مثل أمس
تقول مثل أمس
لا أعتقد هناك شيء الليلة... اتصلوا بي في الصباح إذا رأيتم حاجة لذلك.
رأيتها حوالي الساعة الثالثة كمن يلعب رياضة. لم تنم، وتقوم بحركات تعلمتها من الكتب تساعد في التحضير للولادة. في الصباح قامت كالعادة، وأعدت لي الفطور. نصف بطيخة صغيرة وكأس حليب بارد مخلوط ببيض وعسل وقهوة. دخلت الحمام... لم يكن نومي مستريحًا إطلاقًا. كانت سلمي تحسدني لأنني منذ أضع رأسي علي المخدة أنام. أما سلمي فأخذت حمامًا بالليل قبل أن تنام وهي تقول: أريد أستحم الآن ربما هذه آخر مرة قبل الولادة. "لبست ثيابي وسلمي علي الفراش. قالت "عيوني لن تذهب اليوم إلي العمل" قلت "عندي اجتماع الساعة العاشرة" قالت "خالد... يمكن يصير شيء اليوم" كان واضحًا أنها لا تريدني أن أذهب عنها، قالت "خذ الجريدة اقرأها واجلس جنبي".. بعد ذلك بدأت تتلوي... كان المخاض يأتيها كل ربع ساعة... ربما كل عشر دقائق. ذهبنا للطبيب في العاشرة وحين عدنا في الثانية عشرة قلت أمازحها "هيا نذهب إلي محلات ساكس... ذاك الفستان الذي تحبينه دعيني اشتريه لك اليوم... ذكري!"، ضحكت وقبلتني "أنت تجنن" وحين عدنا من "ساكس" ودخلنا الشقة رمتْ نفسها علي المقعد وقالت:
"اعطني الوسادة أولاً ثم الغطاء" وبين المخاض والآخر كانت تفكر: "لم أعمل لك أكل يكفيك للأيام التي سأقضيها بالمستشفي". قلت "أتعرفين كم يوم" رفعت جسدها قليلاً وقالت "يومان.. إنشاء الله يومان". وفي الرابعة بعد الظهر اتصل بنا الطبيب:
كيف هي الآن..
طيبة والمخاض يأتيها كل خمس دقائق تقريبًا
هل ما زال الماء يتسرب؟
تقول لا تدري.
إذن من الأفضل أن تأتي للمستشفي حالاً.
حين نزلنا المصعد وضعتُ يديَّ حول خصرها "اعتدلي حبيبتي"، واستقامت بقدر ما تستطيع. كان وجهها مصفرًا وسواد السهر تحت العينين العسليتين الواسعتين. كنت أحمل شنطة ملابسها وهي تنظر إليّ في ثوبها الأبيض ذو المربعات الزرقاء وانتفاخة البطن تضيف لتدويراتها وتكويراتها ومنحنياتها العديدة رهبة وحلاوة. قالت وهي تنظر إليّ نظرة المتفحص "هل أنت سعيد؟". وضعت يداي حولها وعلي جدار المصعد ضغطت بجسمي علي جسمها وهي تدفع كتفي بيدها "ابتعد.. لا يرانا أحد" أسندت ظهري إلي الجدار وعينيَّ وقلبي في الشفتين النابضتين المتشققتين والرقبة المشعّة والشعر المرصوف خلفها والوجه الطافح بالأمومة والتعب والقلق. كان البطن المنفوخ يرفع الثوب حتي الركبتين فتبدو الساقان العاليان كأعمدة رخام ناصعة "ما بالك.. لِمَ تحدق هكذا" قلتُ "هل سينخفض بطنك اليوم؟" قالت في غنج وهي تغمض عينيها خجلاً "تريدني حامل علي طول".
أخذت لسلمي صوراً وهي تخرج من المصعد، ثم وهي تخرج من باب العمارة، ثم صورًا أخري وهي تدخل بوابة المستشفي وقالت لي الممرضة: "انتظر في قاعة الانتظار"... عبر تلك الثواني البطيئة كان هنالك خمسة أو ستة رجال وامرأة عجوز يقفزون كلما رن التليفون. رحت أطالع في كتاب: "السيدات الحوامل"... كيف يتكون الجنين في الشهر الأول، الثاني، الرابع. كيف ينزل رأسه إلي تحت. ثم رحت استطلع الأسماء... الولد... ليس هناك مشكلة فقد كان الوالد يدعوني "بووليد" منذ الصغر. البنات... قلت لسلمي "سوسن" ولم يعجبها الاسم. اقترح صديق أسم "سما" وكانت سلمي تفكر "ريم" ولم يعجبها "مي"، ووجدتُ بين الأسماء "نوره" كنت قد ذكرته لها مرة ولم تتحمس له كثيراً. حين دخلت عليها في غرفة المخاض سألتني ماذا كنت تعمل؟ وأطلعتها علي قائمة الأسماء في الكتاب وسألتها رأيها في "نوره"، قالت: "زين.. لكن أليس قديما؟.. لا أريد بنتنا تتعقد"، ثم رفعت يدها عاليا "امسكني". وحين انحسر المخاض قالت: "خالد لا أريدك تذهب عني".
لبست ثياب الممرضين الخضراء وكانت سلمي تمازحني "طبيب بدون شهادة" وفي العاشرة ساورني القلق. هل استعجلنا الأمر؟ يوم الأربعاء الماضي كلمتني سلمي بالتلفون من عيادة الطبيب "الطبيب يريد أن يراك الحادية عشرة يوم الاثنين". في البيت شرحتْ لي سلمي أن الطبيب يعتقد أن الجنين قد اكتمل وأن من المفيد إنجابه بأسرع وقت. حين سألتها: "كيف"، قالت هناك طريقتان: إما بالأدوية لاستعجال المخاض أو باليد لتوسيع فتحة الرحم. رحت أسأل بعض الزملاء. قال لي السويدي يونغ أنه لم يسمع بطريقة اليد لكن زوجته استعجلت الإنجاب بالأدوية في وليدها الثاني. أمضيت الخميس والجمعة والسبت والأحد أفكر بالموضوع. علي الغذاء قلت لسلمي بصراحة أني أفضل أن ننتظر قالت "لماذا" قلت "أحسن" فعقدت جبينها "كيف أحسن" قلت "بصراحة لا أدري لماذا نستعجل" قالت "خالد.. الطبيب يقول الجنين كامل لماذا ننتظر" كانت مصممة وارتفع صوتها "يوم 15 يتم الجنين تسعة أشهر.. هذه أقصي مدة لنموه بعد ذلك قد يكبر في الداخل وهذا غير صحي له ويمكن خطر عليّ" أحب سلمي حين يرتفع صوتها.. واثقة، حاسمة، تعرف ما تريد. في المستشفي كنت خائفا من سؤال الطبيب أو الإشارة إلي مسألة استعجال المخاض حين طال مخاضها وكان الطبيب يقول "لا تقلق... الجنين بخير" وأشار إلي آلة نبض الجنين.. انظر الآن دقات قلبه ذلك يمكننا من تدارك أي خطر أول ما نشاهد أي تعقيد يضر بالجنين. في الماضي كنا لا نكتشف الخطر إلا بعد فوات الأوان". حين كنت أتعلم هنا كانوا يمازحون الوالدة "خالد تزوج أمريكية، عيون زرق وشعر أشقر" وحلفتني الوالدة "أدري أنهم يمازحون لكن قل لي بالله عليك هل ستتزوج أمريكية؟" ويوما قال الوالد تعال نتمشي في السوق. كان يسلم علي أصحابه ويعرفني متباهياً علي بعضهم. ثم بدأ في الحديث الجدي: "اسمع أخوي.. الغربيات لا يصلحن للزواج. ومرة قال لي ونحن نعود معاً من صلاة العشاء "ألم تجد لك فتاة في هذه الإجازة؟ الزواج المبكر فضيلة يحفظ الرجل ويجعله يربي أبناءه في شبابه" ثم أردف هاجسه " إلا الزواج في الخارج أرجوك". ومرة نصحني ونحن نسير دون أن ينظر إليَّ "إذا أردت أن تتزوج فاسأل عن الأم أولاً ثم الأب". ومرات بقصد أو بدون قصد كان يكرر "الزواج مودة ورحمة" ويوم أتيته وهو جالس في صيوان البيت. وقبَّلتُ رأسه تهلل وجهه: "خير.. خير" قلت "لقد خطبت"، قال: "من؟" وحين أخبرته قال وهو في منتهي السعادة " مضبوط.. بنت حمود.. أمها أحسن أخواتها.. كنت أعرف أنك لن تتزوج أجنبية". أما الوالدة التي كانت تنصح باستمرار "جمال الثوب خيطه منه"، فأخذت تبكي "أريد شيئًا واحدًا منك" قلت: "حاضر" قالت: "أريد أن أري ذريتك" كانت سلمي راغبة في الإنجاب. وكان صديقي سليمان يقول بدون أطفال كأنك تعاشر، لماذا تسميها زوجة إنها صديقة عشرة. وقالت الممرضة حين خرجنا من غرفة الولادة "أنتم الآن عائلة"... وفي لندن قالت سلمي بلهجتها الحاسمة حين تكون قد اتخذت قرارًا "أنت لا تريد أطفالاً أبدًا؟" قلت وأنا أرشف القهوة والسماء تنث قطرات متقطعة "قلت لك ألف مرة بلي" قالت: "إلي متي سننتظر.. ثلاث سنوات ألا تكفي" وبعد قليل تساقطت دموعها وهي ترشف القهوة "ما أنت؟.. ألا تشعر بأحد؟ ألم تر والدك أمس كيف بكي، هل تريد الرجل أن يموت قبل أن يري ذريتك؟". كانت تتكلم طوال الوقت إلي أن وصلنا الشقة وما أن جلست علي الكنبة حتي انهمرت في البكاء. اتصل سليمان بعد قليل، قلت "سأخرج" وجلست مع سليمان علي الكراسي الخارجية للمقهي. قال " مالك متشنج كأن الشيطان ضرب دماغك" قلت سلمي تريد أن تحمل فضحك سليمان ضحكته المعتادة "امرأة ولا تحمل؟".. أنحن في سان فرانسيسكو!! عند سليمان بنت وولدان. حين عدنا أنا وسليمان من الدراسة بأمريكا كنا نريد أن نتزوج بسرعة "كيف نعيش بدون امرأة" وكان سليمان يكرر "أنت مجنون؟ كيف لا تريد أبناء. هي تريد". وحين عدت من المقهي قالت سلمي "أريد أن نتعشي في مطعم الليلة لوحدنا"، كانت في أبهي زينتها كما لو كانت ذاهبة لحفلة. وحين ركبنا التاكسي ووضعت يدي خلف ظهرها أمسكت ذراعي "لن أستعمل الحبوب بعد الآن" ثم شدت علي ذراعي "لن أستعمل الحبوب بعد الآن... مفهوم؟... أجبني الآن.." قلت "طيب.. طيب.." قالت "لا أريد كلامًا لطيفًا.. لن أستعمل..." وسحبت ذراعها من يدي ورحت أقبل كفها وساعدها فاستدارت نحوي "حبيبي" وضمت رأسي لصدرها. ذهبنا لمطعم "جاكلين". وطلبتْ سلمي أكبر وجبة باذخة، قواقع ولحم عجل مشوي وسلطة روسية وجبن وفواكه وقهوة، كانت تضحك وتتحدث بشهية وغنج وكانت تنظر لي بأنوثة طاغية.. "هل تريد ولدًا؟ سآتيك بولد...". تغمزني بعينها ووجهها يطفح بابتسامة أبدية وحب صافٍ. كانت قد اتخذت قرارها. بعد ذلك رأيتها تقرأ عن الأمهات والأطفال والحمل والولادة وتتوقف عند فترينات ملابس الأطفال. ولم تبق حيلة أو تكنيك للحمل إلا واستعملتها. أخيرًا في 20 نوفمبر وقعت المعجزة. من بين الترائب. مِن علق. كيف عرفنا؟. أولاً لم تأت سلمي العادة. وانتظرت حوالي عشرة أيام وذهبنا إلي الطبيب وقلت لعباس مدير المختبر المركزي أريدك أن تحلل هذا بنفسك وتخبرني بالنتيجة. وجاء صوت عباس مدويًا عبر البهو "مبروك... حامل" وكلمت سلمي بالتليفون "مبروك". كان ذاك يوم عيد في البيت.. الوالدة تسير بخيلاء والوالد يضحك، وجلست أغني له، والوالد يهز رأسه مع النغم.. ثم تأوه آهة طويلة وصك أسنانه ورفع عينيه للسماء وهزَّ يده، وحين قلت لسلمي: "ما رأيك لقد عرضوا عليَّ عملاً بأمريكا؟" قالت "اقْبَل يا خالد.. يقولون الولادة في أمريكا أحسن"، وبكت الوالدة "أنا ضامنة عمري، تذهبون وتتركوني مع هذا الرجل الذي طول النهار ويتعقب خطوات سلمي". أخذ بطن سلمي يكبر قليلا قليلا... وغيرت ملابسها إلي ملابس الحمل وأخذت تمشي الهويني كما يمشي الوجي الوحل. وفي الشهر التاسع كان هناك الطقس اليومي... نتعشي في السابعة والنصف ونخرج نتمشي لكي نساعد علي نزول الجنين.. نتوقف فوق الجسور الصغيرة... ندخل السينما.. ونعود مشيًا... قالت سلمي وهي تعتصر من الألم "إنها عينك دائما تقول لكل الناس أني لم أتعب أثناء الحمل" قلت "أبدًا مخاضك طبيعي" قالت "لا أصدق لقد أخبرتني أختي أنها حين دخلت غرفة المخاض أعطوها مخدر موضعي ولم تشعر بالألم إطلاقًا" كنت أنظر إلي آلة نبض الجنين وقالت الممرضة هل تريدون سماع صوت قلبه؟ وفتحت زر التسميع "بم بم بم بم" وشرحت لي. "هذا النور يعطي إشارة القلب، وهذا العداد يبين عدد النبضات بالدقيقة، وهذا الشريط يسجل النبضات علي شريط من الورق حتي يتمكن الطبيب من قراءته لو حدث خطر.. ok !" قلت " ok" قالت "حسنًا أيها الأب.. إذا زادت النبضات عن 180 أو نقصت عن 120 أخبرنا في المكتب" وأشارت علي جرس قرب السرير.
في غرفة العمليات أعطوها إبرة بالظهر وألبسوني غطاء الرأس الأخضر مثل الطبيب ومساعديه، وأجلسوني بجانب رأس سلمي. رحت أحدثها بأي شيء... أريد أن ألهيها عن التفكير وهي تسمع ولا تسمع أحاول إضحاكها ولا تستطيع أن تضحك وتهزُ رأسها وتعلق علي كلامي "يكفينا نظريات وتخريف" وأنا كنت أشعر أن موضوع الحديث قد ضاع مني فقد كانت جوارحنا في الجانب الآخر مع الطبيب. وضعوا الفخذ الأيسر في كيس من القماش ثم الفخذ الأيمن ورفعوهما علي مقابض حديدية، وأتوا بغطاء من القماش ووضعوه علي صدر سلمي والفخذين. ورفعوه مثل ستارة حتي لا نري. قلت لها "ما بالك؟". وحين دخل الطبيب وعيناها تتابعان إيماءة منه نظر إلي سلمي "أنها حلوة" ثم قال بصوت عالٍ وهو يجلس علي كرسي بين فخذيها في الناحية الأخري وحوله مساعدوه "لن يكون وقتًا طويلاً" وسلمي تنصت لي تحاول أن تتابع ما أقول وأنا لا أدري ما كنت أقول. تهمهم بين الحين والحين "يا الله". وتحدق أحيانًا في الستارة، قلت: "حبيبتي دعيهم، ألم نتفق علي أن نمضي الوقت معًا وننسي ما يعمل الطبيب". كنت في الواقع أخفي قلقي، قالت: "لكنهم يسحبون.." قلت "ما عليك..." ثم أردفت: "علي فكرة حين نعود سنتوقف في لندن، هذه المرة لن تذهبي إلي السوق.. كيف تخرجين وطفلك؟" وعقدت جبينها "يا الله... إنهم يسحبون" كنت مرهوبًا وعينيها وقلبها وعقلها خلف الستارة. وصرخ الطبيب "لقد مسكته".. وصرخ مساعده "شعره كثير..." وعقبّت الممرضة ضاحكة "مثل أبيه" زعق الطبيب "هذا هو.. هذا هو..." ورفعت سلمي رأسها قليلاً وأدرت رأسي أيضًا... رفع الطبيب الوليد عاليًا.. كان الوليد ملطخًا بالدماء والطبيب يشده علي صدره ويعلقه من رجليه مثل أرنب مسلوخ.. "هل سمعت صوته؟" قالت سلمي بسرعة "لا" قال الطبيب "أوه... إني أتكلم كثيرًا" وضرب الوليد علي ظهره فارتفع صوته ".. واو... واو... واو..."... خدرت ساقاي والركبتان، كان جسمي أخف من الريشة وانعدمت الجاذبية كما لو كنت في الفضاء. وسلمي أغمضت عينيها، وبقدرة قادر اختفي الشحوب والوجه الأصفر تورد، والشفتين عادة قرمزيتان. "الحمد لله.. الحمد لله" نظرتْ إليَّ "حبيبي" وقبلتها. كانت تتابع بعينيها الوليد بيد الممرضة. قالت: "عيوني لا بد تعمل تلفون للبيت"، وأغمضت عينيها وهمهمت "يا ربي تطوِّل عمر عمي حتي يري وليد"، وبدأ الطبيب يخيط الجرح. رفعنا السرير إلي غرفة النقاهة وقبَّلت سلمي ثانية... وهي تضع وليد بجانبها "قم كلم أبوك" وصرخت بي وأنا خارج عند الباب "وكلم أمي" اندفعت نحو غرفة الطبيب وعثرت في الطريق بطاولة بالممر.. "شكرًا دكتور" ونظر إليَّ فهززت يده ثانية "شكرًا دكتور" قال "أنت أب طيب.. وأنا أحب ذلك" قلت "أرجو أن تسمح لي بالاتصال بالمكالمات الخارجية الآن" ورفعت التلفون "ألو.. المكالمات الخارجية... الكويت......
ألو.. ألو.. أين أمي.. أمي.. بسرعة
يمه.. وليد... وصل وليد
وغرقت في البكاء
- يمه.. لماذا تبكين..؟ وليد.. وصل وليد.. هو وسلمي بخير.. يمه... خلاص لا تبكين.. هو بخير.. وأمه بخير.. خلاص.. يكفي بكاء.. يمه.... يمه.. أعطيني الوالد... يمه.. خلاص.. وين أبوي...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.