في اجتماع صاخب، وزراء إسرائيليون ينصبون كمينا لرئيس الأركان هرتسي هاليفي    استطلاع: غالبية الألمان يرفضون إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات اليوم على خطوط السكك الحديد    أسوان تتزين لاستقبال ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تصل ل 20 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب نوفمبر المقبل    جالانت يتخذ قرارا بشأن جمعية «القرض الحسن» التابعة لحزب الله    مجدي عبد الغني ل كهربا: أنت ليك ماضي معروف.. والناس مش نسياه    حقيقة صرف مكرمة ملكية بقيمة 1000 ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي في السعودية    تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم، وهذا ما يحدث من من 6 صباحا إلى 11 ليلا    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته بسوهاج    قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    استشهاد وإصابة فلسطينيين بتفجير في بيت لاهيا    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    الكلاب في الحضارة الفرعونية.. حراس الروح والرفاق في عالم الآلهة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    محمد عبدالجليل معلقًا على غرامة كهربا: حذرت لاعبي الأهلي من محمد رمضان    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    مدحت شلبي يوجه رسائل نارية ل حسين لبيب بعد أزمة السوبر    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    التجميد أو البيع.. اجتماع في الأهلي لحسم مصير كهربا    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    رئيس انبي: «حصلنا على 21 مليون جنيه في صفقة حمدي فتحي.. واللي عند الأهلي ميروحش»    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    عاجل - طبيب تشريح جثة يحيى السنوار يكشف عن الرصاصة القاتلة والإصابات المدمرة (تفاصيل)    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    ابتعدوا عن 3.. تحذير مهم من محافظة الإسماعيلية بسبب حالة الطقس    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    ارتفاع جديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم يحتفل بمائة عام علي ميلاده
آلبير قصيري : الرجل الحر في حوار عن المرأة والحب والقاهرة والكتابة

في الثانية والتسعين من عمره، التزم بجمل مثل : "أحب، بعد أن يقرأني الناس، أن لا يذهبوا إلي أعمالهم في الغد". تمتلك كتب آلبير قصيري، الأديب المصري المقيم في باريس منذ 1945، في الغرفة 58 بفندق "لا لويزيان"، جاذبية منفتحة وحكمة معدية، وتحمل نظرة حية ودقيقة عن العالم الذي يجعل القارئ يتساءل عنه. هو ذا، من بين حجج عدة، يتبدي لماذا جمعت دار النشر (دويل لوزفيلد) أعمال هذا الكاتب الحر الكاملة مما جعله حدثا أدبيا كبيرا. والمناسبة هي العودة إلي أحد أهم الأدباء الأخاذين في المشهد الأدبي الفرنسي المعاصر.
المكتب، لم يعرفه آلبير قصيري أبدا. ولد في القاهرة عام 1913، لعائلة من ملاك الأراضي الصغار. درس في مدارس كاثوليكية وفي سن العاشرة، بدأ الكتابة، قبل أن يتجه إلي الدراسة بالليسيه الفرنسية. في السابعة عشرة من عمره، غطس في قراءة بلزاك بشغف كبير، وعندما بلغ مونبارناس كانت لديه الرغبة في اكتشاف هذا الحي الشهير.
في 1941، صدرت بالعربية والفرنسية في آن معا مجموعته القصصية الأولي "الناس الذين نساهم الرب"، ثم قدم هنري ميلر الطبعة الإنجليزية : "لم يكتب أي كاتب حي بهذه الحدة والقسوة عن حياة الذين يشكلون القاعدة العريضة من الجماهير...". خلال الحرب، عمل قصيري رئيسا للخدم علي باخرة تعمل بين نيويورك وبور سعيد. في الميناء، كتب أولي رواياته : "منزل الموت المؤكد"، قبل أن يستقر نهائيا في فرنسا، في هذه الغرفة الكائنة في شارع السين والتي لم يزل قاطنها حتي اليوم. "فكر العالم كله يوجد في هذا الحي"، هكذا أعرب قصيري عن حنينه. هو، من لم يعمل أبدا بالمعني المألوف للكلمة والذي أمضي عشر سنوات لكي يكتب كتابا، عاش الحيل في باريس الأسطورية حيث كان مالكو المعارض الفنية يهدونه أحيانا لوحة فيبيعها لكي يسدد إيجار غرفته. في (مقهي) فلور، عنده حساب مفتوح. كان كأصدقائه، آلبير كامو وروجيه نيميه أو لورنس داريل ضمانة مؤكدة كضمانة المصرفي. يا للزمن !
كما شخصيات رواياته التي ينصهر معها "هذه الشخصيات حياتي، ذريعة لحكي ما أفكر فيه عن هذا العالم" لم يرض قصيري بأي عقبة تهدد حريته، مؤكدا نصف جاد "أنا حي لأنني لم أتزوج أبدا، وليس لدي أبناء، خادمة، سيارة ولا فاتورة كهرباء. يكفيني أن أحيا". شخصيات رواياته، أطفال من قاع المجتمع القاهري أو شحاذون رائعون، بشائر هذه الفلسفة الحاذقة والمعقدة التي لا يكشف صاحبها عنها بسهولة. مثله مثل جوهر، المعلم في "شحاذون ومتكبرون"، يشير إلي الفقر "إذ أننا نعلم الحياة بدون أن نعيشها هي جريمة الجهل المكروه للغاية". يمسك المعلم حساب منزل للدعارة ويكتب خطابات العاهرات قبل أن يقوده مصيره، تحت تأثير الحشيش، إلي الجريمة. حتي النظرة اللاذعة أحيانا المنذرة في "بيت الموت المؤكد"، حيث انتهي سكان المنزل غير الصحي إلي الاطمئنان علي أنفسهم بينما هم متأكدون أن منزلهم سينهار .
وبمناسبة 100 عام علي ميلاده الذي يحتفل به العالم ننشر هنا ترجمة للفصل الثالث من كتاب : ميشال ميتراني، حوار مع آلبير قصيري، مطبوعات جويل روزفيلد، باريس.
آلبير قصيري، كتاب كل عشرة أعوام، ايقاعك لإنضاج الحكاية. هل ستعمل علي نشر "لصوص صغار ولصوص كبار" ؟
لم أعرف أبدا متي أنتهي من كتابة أي كتاب. يجب أن أقول أنني لست متعجلا بما أنني أكتب نفس الكتاب.
الم ينتج كبار الأدباء سوي عمل واحدب، كما قال مارسيل بروست ذات مرة.
بيد أن معظم الكتاب يعرفونها جيدا... أقول في كل كتبي ما لدي.
نعم، يستحق كلامك أن يكون قابلا للتأويل بالنسبة للقراء الذين يحبون كتبك وينتظرون كتابك القادم.
لديك الحظ أنك تمتلك سبعة كتب لي. اذا كنت كتبت ثلاثين، كنت ستكون في حالة مزرية...
دراسة ضخمة لموريس بلانشو، معنونة "الحوار اللا نهائي"، كما تعرف... علي وجه العموم، بما أن هناك فاصلا زمنيا يقارب العشر سنين - تقترب اللفظة من نهايتها يفصل بين ظهور كتبك كإحصائية -، لماذا تظل وقتا طويلا في الكتابة ؟
لأنني أعمل... لتفترض خمسة عشر يوما متتابعة، ثم أبقي شهرا بدون كتابة. يتأتي أن أبقي ثلاثة أشهر بدون أن أفعل شيئا، قبل أن أعاود الكتابة. الكتابة صبر طويل.
اذأ، لا تكتب منهجيا كل يوم، كما يفعل بعض الكتاب ؟
بالطبع لا !
كل نهار في العاشرة صباحا...
أنهض متأخرا. أحتسي قهوة. تلزمني ساعتين حتي أبدأ العمل.
كيف تحافظ حياتك اليومية علي رابطة مع مصر، التي تلقح نتاجك ؟
قلت لك أنني لم أغادر مصر، أي أنني أحيا دوما نفس المناخ.
تحيا في باريس، ولا تقرأ "الأهرام" كل صباح، حتي تكون مطلعا علي ما يجري.
نعم... لا أشتري "الأهرام". في تناقص، أقرأ بالعربية، لأنه علي مدي خمسين عاما في باريس، أصبح الأمر صعبا. أنا خجل. مع من سأتحدث العربية ؟ حتي عندما يأتي إخوتي الي باريس، نتبادل الأحاديث بالفرنسية. أصدقائي المصريون الذين يأتون، يتحدثون الفرنسية. آخر الأمر، ينسي المرء لغته علي مدي عدد من السنوات.
- ومع ذلك، اندهشت، حتي بعد العدوان الفرنسي-البريطاني الغبي علي السويس، من عدد المصريين الذين استمروا في الكلام بالفرنسية في حياتهم العادية. Comment ca va؟... كيف الحال ؟ كما يقولون في محادثاتهم الهاتفية، التي يجرونها بالعربية والفرنسية، بلا تمييز...
نعم. من قبل، كان هناك الكثير ممن يتحدثون الفرنسية. الآن، لا توجد سوي فتيات العائلات المرموقة لأنهن درسن في مدارس الارساليات، لدي (مدراس) الأخوات... لا أعرف أية مدرسة.
يجب أن يعمل المصريون، ولذا يتعلمون الانجليزية.
حتي أسماء الشوارع كانت بالفرنسية.
الحواسيب آمريكية...
نعم... الحواسيب... حتي اليوم، لا أعرف فيم تختص. لا تثير اهتمامي. سمعتهم يتحدثون عن "المينيتل" (2)، غير أنني لا أعرفه، ولا أريد أن أعرفه. بالنسبة لي، يكفيني قلم رصاص وورقة، وهو كل ما أحتاجه للكتابة. غير أنني لا أكتب... الا اذا كان عندي شئ جديد لقوله، واذا لم أجده، لا أكتب. اذا كان لعدم قول أي شئ... ربما بسبب التعب عديم الفائدة، وبالتالي لدي كل الوقت !...
شخصياتك عربية وتتحدث بالفرنسية.
لا، أترجم كلامهم الي الفرنسية. لا أستخدم تعبيرا باريسيا خالصا، علي سبيل المثال... الكاتب الفرنسي الذي يكتب عن باريس لديه حرية أكبر. يقول : عبرت الشخصية شارع سان-جاك ودخلت الي مكتبة...
لكي تنمي الموقف، هل تفكر بالعربية أم بالفرنسية ؟
لا، أفكر بالعربية، أي أمنح جملتي محيطا، ليس محيطا باريسيا أو، لنقل، غربيا. بالنسبة للحوارات أو الأجوبة، أفكر بالعربية. غير أن أسلوبي، في نفس الوقت، يأخذ شكلا آخر اذا كتبت حول باريس أو أي شئ آخر. لئلا أعطي الانطباع بأن فرنسيا يكتب عن مصر...
دوما، تكتب، مباشرة، بالفرنسية.
نعم. ولكن هناك دوما، في عقلي، المناخ العربي، طريقة الكلام. تعرف حتي ان قال أحد لك "صباح الخير"، تشعر أن شيئا خلفها. أنه ليس دائما "صباح الخير" علي الطريقة الأوروبية، أي الذي لا يعني أي شئ. وهذا السلام، يستلزم أن أرده.
في المعني : هل تعرف مع من تتحدث ؟
في مصر، يتبقي هذا أكثر شعبية، بدون طيف البورجوازي الصغير.
هل تمثل الكتابة بالفرنسية ضغطا خاصا ؟
بالتأكيد. يلزمني أن أجد الأسلوب اللازم. غير أنني أجده سريعا. مثلما لاحظت، منذ كتبي الأولي. لأن هناك شكل الذهن الشرقي، أخيرا... المصري بالأخص. هناك دوما شئ من الدعابة. بخصوص التحية علي وجه الدقة، هناك الصداقة، طريقة للسخرية منه. هناك دوما شئ ما.
هل تستطيع دوما أن تحكي مسعي اعداد الكتاب ؟
في غالب الأحايين، سؤال يطرحه القراء، الذين لا يعرفون الكتابة (أو لا تمتلكهم الرغبة)، وانما يحبون القراءة.
لكل كاتب طريقته في الكتابة.
وطريقتك ؟
بعض الكتاب يكتب مباشرة ويقول لكم : أكتب خمس صفحات يوميا، وهذا يتبدي لي غريبا. لا يكتب، بالضبط يحرر نصا ما. أنا أكتب جملة. فقط، أتفحصها عشرين مرة كي أضيف شيئا ما فيها.
كيف تولد فكرة الكتاب ؟
أنها عملية تحضير طويلة، ولهذا أخذ كثيرا من الوقت لكتابتها. بداية، لأنني لست متعجلا. ليس لدي أي طموح.
ألا يتأتي هذا البطء من رفضك للتغيير، للجدول ؟ هل من الممكن أن يتغير كاتب ما حينما يحتوي نتاجه علي نفس الصور-القوي ؟
لست روائيا. يكتب الروائي كتابا يدور في باريس، في افريقيا، في أي مكان في العالم، وبأي حكاية. قسرا، يغير الجدول، بينما أنا أعمل دائما علي نفس الشئ.
بطريقة ما، أ لا تغترف، في كل مرة، من مادة محدودة وثابتة ؟ لا أشير فقط الي وفائك الاقصائي لمصر.
نفس الفكرة موجودة في جميع كتبي، أعمل عليها بصورة مختلفة. الكاتب الحقيقي يتصرف بالمادة المحدودة التي تمثل وجهة نظره للعالم.
من أين تأتي شخصياتك ؟ هل لها بطاقة وصفية مشتركة ؟
إنها شخصيات عرفتها في مصر، تمثل جزءاً من هذا التصور عن العالم. أستطيع، بعد خمسين عاما، أن أكتب كتابا، بتفصيلة، بصفة للشخص الذي قابلته في شبابي. وبدون أن أدون ملاحظات، لست في حاجة الي ملاحظات.
ذاكرة الكاتب انتقائية، كما قال جوليان جراك، تتعامل مع المخزون، ولكنها لا تحدد موضوع الكتاب ولا حبكته. ما دور الحبكة في رواياتك ؟
الحبكة... بالتأكيد، من الواجب أن أجد حبكة فريدة، لأن شخصياتي فريدة، لا يمكن أن تحدث معها حكاية تافهة... عن سيد متزوج يحب امرأة أخري، وهكذا. بالتالي، أبتكر لها حكاية. ولكن الشخصيات هي التي تثير اهتمامي علي وجه الخصوص، وما سيقولونه. لأنه، بعد كل شئ، يعبرون عن فكري. فضلا عن ذلك، لا أعتقد أن القارئ ينشغل بالحبكة، وانما بالشخصيات. تعرف أن الناس الذين يأتون لرؤيتي، والشباب بالأخص، لم يقولوا لي أبدا : كتبت رواية جميلة. أنهم مفتونون بالشخصيات وبما تعبر عنه...
-... بأسلوبك الخاص. جملك المرصعة بدقة تنتج صورا قوية، عنيفة دوما. بطريقة تقنية خالصة، تستعمل دوما الصفات. أنت سخي في استعمال الصفات.
لأنه، أيضا، أسلوب اللغة العربية.
من الصحيح أن هذه الصفات المباشرة للغاية لا توفر الحالة ولا الشخصيات النضرة. هذه الصفات تمحو كل التباس.
من اللازم أن تحتوي كل جملة علي النقد بينما أقوم بالوصف. اذا تكلمت عن مصباح، أقول عمن يملكه. أقول : مصباح الحكومة...
في "طموح في الصحراء"، بينت هيكل الدريك (4) صدئا بأكمله، أي أن الشركات النفطية أخفقت في عملها...
يخدم الأطفال الذين يلهون. يتسلقونه. يجب أن يؤدي الديكور دورا. لا أكتب روايات لكي أصف مدينة أو منظرا، هذا لا أهمية له.
لا تتردد أبدا عن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، الوغد وغد، وحتي الدنيء...
نعم ! أحب الأوغاد، أنهم من يمنحون الحياة بعض الملح.
الأوساخ هم من يقتلون كل فرحة حولهم، كما قلت علي لسان هيكل. وبالتالي، من هم الأوساخ، بالنسبة اليك ؟
أنه الفرد الذي يستفيد من هذا المجتمع الذي نحيا فيه.
محتال... هل هذا الاحتيال الذي تعريه منهجيا عاما ؟
الاحتيال يحيا منذ قرون وقرون.
ما هو شكله الأكثر مقتا ؟
الطغيان. غير أن الطغاة، دوما، موجودون. يوجدون دوما.
وبالتالي، بدون أدني شك، من العبث محاربتهم، لا يثيرون الضحك ! اذا كنت فهمت جيدا، هؤلاء الطغاة يجب النظر اليهم علي اعتبار أنهم دمي متحركة، وكل طغيان أداة سخرية. يلهو البطل القصيري بها، ويريد أن يخلدهم لكي يسخر منهم. للاحتيال مستقبل مشرق...
أنه دائم بما أن الأثرياء نصوا عليه، وكذا الناس الذين لهم مكانة ما.
هل من الممكن أن تعرفه ؟
أنه موجود في كل مكان ! فقط، هذا لا يعني ألا نحب الحياة. الحياة رائعة. من اللازم التوفر علي صفة ما، أن يكون المرء ذكيا لكي يخرج منه، ويلاحظ كل هذا الاحتيال بفرح، أي تناوله بسخرية، دوما...
متي تحتفي بالحياة، تحدد الأخوية للذوات.
الأخوة بين الناس الذين يتلاقون، لأنهم من نفس العائلة.
- غير أن هذه الأخوية لم تعد موجودة... مثل قصة حب بين "خبراء".
نعم، إنها ذوات تتلاقي، وليس جميع الذوات. لا يعرف الناس سوي الحب بين رجل وامرأة، الذي يعتبر صورة من صور الحب. تفكر شخصياتي في نفس الشئ، هم أنفسهم ضاعوا وسط هذا الاحتيال، وبالتالي تعارفوا. مثل أناس تائهين في الصحراء، وبالتالي هناك أخوة بينهم.
بين مدحت وتيمور، هيكل وكريم، سامنتار وشعث... بالتأكيد.
تبادلوا الاختيار.
إنها هبة الذات أيضا.
عرفت آلاف الأفراد، ولم أختر سوي أربعة أو خمسة منهم طوال حياتي. لقاء أحد أفراد العائلة يماثلك (أتكلم عن العائلة الفكرية) شئ نادر.
تفترض هذه الأخوية، هذا "الكمال"، فن العيش المشترك.
نعم...
وما هو فن العيش ؟
أن تتخلي عن كل ما علموك اياه، عن كل القيم، عن الدوغمائيات. وهذا ما قلته من قبل، أي أن يقوم المرء بثورته.
هل قمت بثورتك ؟
أوه ! وأنا شاب ! غير أن كان الحظ رفيقي، كان لدي إخوة أكبر مني، من المثقفين، وقرأت، في السن التي يقرأ أطفال اليوم فيها الرسوم المتحركة، كل الكلاسيكيات الفرنسية.
ما الذي يميز فن العيش لدي الشخصيات التي ابتدعتها ؟
في بادئ الأمر، انعدام الطموح. الطموح يقتل الناس. وأيضا هذا الاندفاع نحو مجتمع الاستهلاك. أنا، حينما أتابع الاعلانات في التلفاز، أقول في نفسي : يستطيعون أن يقوموا بهذا أمامي لسنوات، لن أشتري شيئا مما يعرضونه. لم أتمن أبدا سيارة جميلة، لم أتمن شيئا آخر سوي أن أكون نفسي. أستطيع أن أمشي في الشوارع ويداي في جيبي، وأشعر بكوني أميرا.
هذا الأسلوب الحياتي صاغ شخصيات نتاجك. يعيشون علي الهامش، ويجابهون بالسخرية الصفة القمعية لمجتمع يعدد نظامه التنافرات، يعقدها طوعا "خلله الوظيفي"، كما يقال اليوم لكي يحتال بصورة فضلي علي الناس. شخصياتك تحب الحياة الطبيعية، خارج كل ابتذال يحقق العنف. يتصرفون كأمراء علي خشبة الحياة، أيا كانت، وعلي وجه الخصوص حسبما يختارون أن يعيشوها.
هو ذا، الأرستقراطية الحقيقية، هي تلك المتحررة من هذا العالم الاستهلاكي، من العنف ومن الاحتيال.
لشخصياتك رقة خاصة ؟
ولكن هذا يمنحنك، طبيعيا، رقة خاصة.
لا يكرهون.
لا يكرهون، بما أنهم لا يملكون أي طموح. كالعادة، الطموح يكره الطموحين الآخرين مثله، الذين يريدون أن يبلغوا نفس المكانة.
أنه التحرر من ثروات هذا العالم الذي تمتدحه...
من الثروات، ولكن ليس من الحياة. لا تستطيع امتلاك الثروات أن ترضي انسانا ذكيا، فهم العالم الذي يحياه. لأن الذكاء، يعني فهم العالم الذي نحياه ! فهمه كثير من الناس، ولكن من، لئلا يفقد مكانه، أو أمام مديرهم، يستمرون في الكذب، في العيش في هذه الكذبة. اذا لم يكن لديك مدير، اذا لم يكن لديك أي دين لأي شخص، لست في حاجة الي العيش في الكذبة.
لا تعمل شخصياتك، لا تتبع أحدا. أنها أحرارمن خلال تحررها من كافة القيود والعمل.
نعم. هو ذا بالضبط.
بيد أن هذه المسافة، أ لا تفضي الي نوع من الأنانية، الي أريحية تحديدية، الي اختزال الحنو، حتي، أقول... أين يتموضع هذا الحنو الانساني في هذا التحرر ؟
ولكن بالضبط، هذا التحرر يمنح الامكانية للمرء بأن يكون سخيا، بما أنه، كما قلت من قبل، لا يوجد سوي الطموحين من يكرهون.
هل من الممكن أن يكون الحنو انتقائيا ؟
أنه انتقائي لأن المرء لا يستطيع أن يحب سوي من يشبهه.
حينما أقول أنه انتقائي، بمعني أنه خارج العائلة الشرعية. ينتخب المرء أصدقاءه، يختار من يحبه.
شعرت بهذا لما كنت شابا، لأن، كما قلت في سياق حوارنا، والدي لم يعمل أبدا وبالتالي لم أشعر بأي ثقل. تعرف، في العائلات التي يستلزم أن يعمل الأب لكسب المال، أن يجلب المال للبيت، وبالتالي، هناك شئ من السلطة. لم يكن لأبي أية سلطة علينا. لم يقل أبدا : عليك أن تفعل هذا أو ذاك. ليس الآباء من يستطيعون تربية الأطفال.
أ لم تر أبدا الي أن المجتمعات من الممكن أن تتقدم ؟
التقدم الروحي، نعم ! ليس بالمعني الديني. الروحي، أي في الروح. صعب للغاية، ولذا لم تتقدم الانسانية قيد أنملة منذ آلاف الأعوام. نراه اليوم في كل مكان بالعالم : الناس تتكاره، يصنعون الحروب، يتقاتلون.
ولكن كيف تستطيع المجتمعات أن تصلح من شأنها بدون التقدم التقني، المادي ؟
دوما، في الاحتيال، أي يدفع الفقراء ثمن هذا التقدم.
وبالتالي، بقدر ما يتبقي من فقراء...
لا أقول إن العالم لا يجب أن يتطور عبر التقدم. لست ضد هذا العالم. أتخلص منه بلباقة وذا كل شئ. هناك كثيرون مثلي.
مثل شخصيات كتبك ؟
نعم. ومثل كثير من الناس، الشباب بالأخص، الذين قرأوني. ولكن العالم يستمر كما يريد. لست ضد أي شئ. يستمر هؤلاء، ويفعلون ما يحلو لهم. غير أن لا رابط بيني وبينهم.
تتحدث في معظم الأحيان عن الدعابة، عن هذه الدعابة الخالدة التي تهيمن علي وجود الانسان المصري، يتبدي بالمثل أن التهكم والسخرية أمر قصيري خالص.
لا. كذلك الشعب المصري. يسخر من نفسه أيضا. تعرف، في مصر، كل يوم، هناك حكاية غريبة، لا نعرف من أبدعها، عن الأحوال الراهنة. ولا أحد يتضايق.
ولكن هناك معني للسخرية ينتمي اليك ؟
نما من محيطي.
وجهة نظرك تنمي هذه السخرية...
في مصر، أنا، كنت ألهو طوال اليوم برفقة أصدقائي. إنها الطريقة الوحيدة لفهم الحياة. علي أي حال، بالنسبة لي ولكثير من الناس. في مصر، كنت محاطا بكثير من الناس الذين يفكرون مثلي. لم أبدع هذه السخرية.
أخيرا، بالمثل، في نتاجك، هناك تطور. رأيناه، يقدم كتاباك الأولان وقائع تشهد علي الشعب المصري ذ . ي بؤسهم الفظيع. في كتبك التالية، تنمي صفات الشخصيات، تتأكد أكثر فأكثر. شخصيات رئيسية، تبرز، شيئا بعد شئ، البطل القصيري الذي يتكلم دوما علي لسانك. لا يمكن أن نكتفي، حتي وان كان أرستقراطيا بالنسبة لك استحضاره، بأطروحتك عن كون هذه الشخصيات تنتج نماذج مجهزة سلفا، تمت مقابلتها في شبابك. السخرية المكشوفة البصيرة لرفيق من ابداعك. جوهر، أبدعته. هيكل، سامنتار، شخصيتان مبتكرتان، حسبما نماذج بعيدة بدون شك. ولكن فيهم، هناك روح المبدع، النظرة، مهارة الكاتب، آلبير قصيري.
نعم، ولكن... بالتأكيد، هناك المهارة، بما أنني الكاتب الذي يكتب... الذي يصف هذه الشخصيات. هناك الأسلوب، هناك شئ من المغالاة أيضا، لأنني روائي، بقدر ما ان التاريخ لا يثير اهتمامي. هذا هو كل شئ.
أهذا هو كل شئ ؟
ولكنني لا أخرج من عالمي، وهذا العالم، عشته. وأصفه، بالتأكيد، بطريقة الروائي.
تعيد ابداعه.
في رواية "تنابلة الوادي الخصيب"، كانت عائلتي التي وصفتها، وانما غيرت أحوالها بالطبع.
اذاً، هل تعيد ابداع هذا العالم ؟
نعم.
قبلته.
ولكنني أعيد ابداعه بكل تأكيد، بما أنني كاتب !
ألا تمتلك ارادة، دوما عبر الدعابة والسخرية، طرد المثير للشجن، الايمان الزائف، وما شابه آخيرا، المشاعر الصريحة المتعلقة بالقيم الهابطة لمجتمع مؤسس علي النفاق ؟
هذه المشاعر الانسانية، حذار ! مم ولدت ؟ ولدت من دوغمائيات نتعلمها، من قيم نتعلمها منذ قرون، وتجعل الانسان تابعا لهذه الدوغمائيات. اذا تخلصت منها، سيعم صفاء استثنائي الحياة. اذا، تري أن الأمر بسيط للغاية. لست كاتبا معقدا. لايمكن أن يقول أحد ما علي هذا. ولذا، بسبب هذه البساطة، لا يفكر أحد في أن الأمر عميق، لأن، كما تعرف، بالنسبة للنقد... كلما كان الكتاب غير مفهوم، كان عميقا.
في هذا الفن، فن الحياة، أية مكانة تحتلها المرأة ؟ لم تتحدث عنها أبدا.
ولكن المرأة تحتل المكان... الأكبر والمتميز.
ولكن ليس في هذه الأخوة، دوما بين الرجال.
بلي. ولكن... دوما هن شابات صغيرات السن. لا أستطيع أن أقيم علاقة مع امرأة بالغة، أي امرأة، ما تسمي امرأة. يلزمني أن أمتلك أفكارا مبطنة عنها.
للحكم عليها ؟
نعم. بينما فتاة صغيرة السن، لا أحكم عليها. شرحت هذا من قبل.
في آخر الأمر، هل تعبر شخصياتك دوما عن أفكارك في كتبك، دائما
نعم، أيضا، إنه الشرق.
نعم، أفكر في الكاتب المصري، توفيق الحكيم (5)، الذي أطلق عليه "عدو المرأة"...
أطلقوا عليه هذا المسمي لأنه انصرف الي مداعبات بدون سوء نية. وأنا أيضا، في كتبي، أسخر نوعا ما من المرأة. المرأة، وليس الفتيات صغيرات السن. ومع ذلك، لدي قارئات تقرأني...
ولكنك تمتلك شيئا كبيرا من التسامح مع الممالقين، أخيرا شخصياتك تحترم الممالقين، العاهرات. وهن كثيرات في كتبك.
غير أنهن جديرات بالاحترام، في كل مكان بالعالم، وليس من قبل شخصيات كتبي فقط. هذا يمثل جزءاً من العالم.
والأطفال ؟
نعم... أعشق الأطفال، وكما قال لوي كارول : "أحب كل الأطفال، ماعدا الأولاد". لأن الأولاد، أراهم أصبحوا رجالا. سوف أعترف لك : أحببت أن تكون لي بنات. لم أنجب أطفالا، اذ خفت أن يكون لي أولاد. اذا كنت أنجبت بنتا، لأحببت أن تظل طفلة...
أحتفظ بصورة هذا الطفل، العاري دوما، الذي يجوب نتاجك والريف المصري. غريزته الحيوية تجعله يري في بعض الأحايين الحقيقة قبل والديه، قبل البالغين ؟ ما الدور الذي يؤديه في نتاجك ؟
يؤدي دورا في المشهد، لأنه موجود في هذا المشهد، ولكن هذا الطفل، ذكي للغاية، لأنه في الشارع، وفي الشارع نتعلم أن نحيا.
- الطفل ممثل أكثر عما قلته : عنصر بسيط مصور في المشهد. أفكر في هذا الطفل الذي يشتري البرسيم بينما لا يمتلك خروفا، في "أناس نسيهم الرب". وفي طفل آخر، طفل العربجي عبد الله في "بيت الموت المؤكد"، الذي ينتقد أباه بقسوة. والطفل الذي يصطاد بالمقلاع في "تنابلة الوادي الخصيب"...
نعم، ولكنهم بالضبط أبناء الشعب، وأنا، عندما أتكلم عن الأولاد، يتعلق الأمر بأولاد البورجوازية. هؤلاء أطفال الشعب، لا أراهم قد أصبحوا من الطغاة ومن الوزراء...
ولا من الظالمين...
حضرت تصوير فيلم في مصر، مأخوذ عن "شحاذون ومتعجرفون". كان هناك أطفال صغار يمثلون في الفيلم. وقت الغداء، نسي وجود أحد الأطفال. لم يحضروه معهم. منحته بعض المال لكي يشتري شيئا يأكله، فلافل أو كما يريد. لم يكن عمره يتعدي الخامسة. ذهب، ولما عاد أحضر لي قطعة شيكولاته لكي يشكرني لأنني منحته بعض القروش. في الخامسة من عمره ! حينما يحيا المرء في الشارع، يتعلم أن يكون كريما. الشعب المصري شعب كريم. بالبداهة، أتكلم عن الشعب المصري.
آلبير قصيري، تمدح دوما البطالة والكسل. عن شخص كسول، كتبت سبعة كتب، سيناريوهات(6)... هل عملت...
حسب وجهة نظري، لم يكن هذا من قبيل العمل. لم أبحث عن كسب المال، والا كنت عملت شيئا آخر غير الكتابة. بالتالي، هذا لا ينتمي الي فكري. بعد ذاك، الكلمة "كسل" ينظر اليها سيئا في الدول الغربية، لأن الكسل، في هذه الدول، يعني الي حد ما الغباء، وليس هذا المقصود تماما. بالنسبة لي، الكسل نوع من البطالة. لا بد منه للتأمل. لهذا نجد، في الشرق، الأنبياء والحكماء.
ألا يقابل أي نشاط، أيا كان نوعه، الكسل ؟
ليس نشاط الذهن، النشاط اليدوي أو التجاري.
ماذا يمثل العالم أو الباحث ؟ شخص يعمل ؟
يعمل ما يعجبه. هناك اختلاف كبير. تعمل في مصنع، ليس لمتعتك. أو بالتالي، أنت مخبول بأنه يمثل طريقتك في العيش.
صفحة بيضاء، من الصعب ملؤها...
هذا يتعلق بما يقال. بالنسبة لبعض الأشخاص، أمر سهل، لأن نفاد البصيرة ينقصهم. بالنسبة لهم، كل ما يكتبونه طيب.
لديك، من الممكن أن يصبح البطل القصيري شحاذا. عمل الشحاذ يتبدي كعمل مثل أية أعمال أخري، كما قال جوهر.
ولكن الشحاذ بطل من هذا العالم

يستطيع المرء أن يكون شحاذا بكل صفاء، بدون أن يفقد احترام ذاته، ومع ذلك تري أنه من الضروري الحفاظ علي احترام ذاته...
يتعلق الأمر بوجود الشحاذ في بلد حار أو بلد بارد. في بلد حار، من الممكن أن يحيا الشحاذ، بل وحتي أن ينام في الشارع. ولكن كيف يمكن التخلص من العالم الذي يحيط بنا ؟ من الضروري أن نجد مخرجا. حسنا... ولهذا، في " شحاذون ومتعجرفون"، قلت : من الممكن أن يصبح المرء شحاذا ومتعجرفا، وهذا لا علاقة له برؤية الغرب للشحاذين. في البلاد الأخري... لا توجد دعابة كما في مصر. تماما، شأن مصري خاص. وهو ما يدعمهم في بؤسهم. وهو ليس مثل البؤس الذي يلقاه المرء في أوروبا، حيث المناخ قاس، والناس قساة.
هل سمعت قارئا قال لك إن أحد كتبك غير حياته ؟
نعم، لدي كثير من النماذج، من الشباب علي وجه الخصوص. لأنني بلغت عمرا، لا يغير المرء فيه من حياته، يتحسر علي ما فاته، وما فقده. غير أنه بالنسبة للشباب. يجب أن أقول لك أن كثيرا من هؤلاء الشباب يرحلون الي مصر لأنهم قرأوا كتبي. وبالتأكيد أقاموا هناك.
هل وجدوا مصر التي وصفتها ؟
نعم، ثم يسليهم هذا الأمر، لأن القاهرة عاصمة حية، استثنائية لدي الشباب...
من هم الكتاب الذين قرروا موهبتك ؟ هل هناك لحظة ؟ حيث قلت، حسبما نموذجهم : أستطيع أن أكون كاتبا بدوري ؟
ولكن بالتأكيد، بما أنه في سن العاشرة، كنت أعرف بأنني سأكون كاتبا.
ولكن، من من الكتاب اعتبرته الأهم ؟
دوستويفسكي، نيتشه، ستندال. وكشاعر، بودلير. وقرأت الألمان أيضا، توماس مان، والأنجليز...
بودلير الأكثر انسانية من كثير من الشعراء. أثر عليك شابا.
قرأت بودلير في سن العاشرة. ورامبو أيضا...
لا أقاوم ذكر احدي قصائدك، كتبتها خلال المراهقة، في عمر رامبو تحديدا.
تبرأت من هذه القصائد (7)...
ومع ذلك أحتفظ بهذين البيتين :
"وحيدا كجثة جميلة،
في يومها الأول بالقبر"
بالتأكيد، كنت ناضجا قبل الأوان...
صدفة الحياة...
أنها فرصة اكتشاف، كما تفعلها، النصوص الكبري في طفولتك، واعادة قراءتها علي مدار حياتك. هذه الفرصة من الممكن أن تكون دوما محجوزة، حسبما تقول غالبا للشباب. الكتب الكبري تعلمنا الروحية الحقيقية، المتحررة من الدوغمائيات. من خلال أعمالهم، نصب كبار الكتاب سورا ازاء الغباء. هل تستطيع أن تبدي رأيك، في كلمات قليلة، للقراء عن نهاية هذا الحوار ؟
لكي ترجعوا الي الكتب... كتاب كبير يمنحكم قدرة استثنائية. من الممكن أن تكونوا فقراء، بؤساء، مرضي، يائسين، قراءة عمل بارز ينسيكم كل هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.