وزحف »الزيني« بجسده المجروح المدمي إلي داره. وحين علمت »وجيدة« بما حدث ل»الزيني« ول»عنتر« ضربت في صدرها: إنه الحسد. -3- ويحبو الطفل »عنتر بن الزيني« في باحة الدار.. ويمشي.. ويكبر.. علي إيقاع سيرة »عنتر بن شداد«. تلك السيرة التي اقتناها »الزيني« في أجزائها الثمانية من إحدي المكتبات في (المركز).. ورصها خلفه فوق أرضية الشباك الواطيء في الباحة.. وتربع فوق الدكة الخشبية يقرأ فيها- علي ضوء لمبة الجاز- عن »عنتر« الطفل الأسود الذي أنجبه ابوه »شداد« من الأمة الحبشية السوداء »زبيبة«.. وأنكر نسبه إليه.. ولم يعترف به.. حتي كبر »عنتر« الطفل الأسود.. واشتد عوده.. وأصبح فارس الفرسان.. حمي القبيلة والعرب.. فأعاد نسبه إلي أبيه وإلي القبيلة والعرب. في كل مساء يطلق »الزيني« عنتر بن شداد في باحة الدار.. يخوض بحصانه »الأبجر« وسيفه »الظامي« في معمعة القتال.. ويصهل حصانه »الأبجر«. ويصرخ صرخته التي تزلزل الأبدان. و»عنتر بن الزيني« قابع في ركن الباحة يتلقف »عنتر بن شداد«. يمتطي حصانه »الأبجر«.. ويضرب بسيفه »الظامي«.. ويصرخ صرخته التي تزلزل الأبدان. وفي الليل يحلم أنه: »عنتر بن شداد«. حتي إذا ما عاد من مدرسته الإلزامية بالمركز.. امتطي مثل »عنتر بن شداد« حصانه الأبجر- جريدة النخل الخضراء الطويلة-. وامتشق مثل »عنتر بن شداد« سيفه »الظامي«- جريدة النخل الخضراء القصيرة. واندفع خارجا من باب الدار إلي الشارع وهو يصهل. فيندفع الأولاد- زملاء المدرسة الإلزامية-: »شندي« و»العشري« و»المنجي« و»حسان« و»الساكت«.. خارجين من أبواب دورهم إلي الشارع.. وقد امتطوا- مثله- أحصنتهم الجريدية.. وامتشقوا- مثله- سيوفهم الجريدية.. وهم يصهلون ويتقافزون في طريقهم إلي »ساحة الجرن«.. التي يحيط بها العيال وبنات المدرسة الإلزامية: »فضيلة« و»عديلة« و»جمالات«.. ويبارز الأولاد بعضهم البعض بسيوفهم الجريدية وعيونهم علي »فضيلة« تلك التي يحلم كل منهم أن تكون »عبلته«.. حتي يبرز إليهم فارس الفرسان.. »عنتر بن الزيني« ممتطيا حصانه »الأبجر الجريدي.. وممتشقا سيفه »الظامي« الجريدي.. وهو يصهل ويقفز عاليا.. ويلاقي بسيفه »الظامي« سيوف الأعداء. يبارزهم في كل مكان.. والأعداء يتراجعون أمام ضربات سيفه »الظامي«.. وهو يطعن في الأجساد.. ويطيح بالرءوس.. ويصرخ صرخة »عنتر بن شداد« التي تزلزل الأبدان.. فيسارع الأعداء بالهرب مخلفين الغبار. ويتكشف الغبار عن »عنتر بن الزيني« فارس الفرسان.. منتصبا في وسط الميدان.. رافعا سيفه »الظامي« علامة الانتصار.. ويصرخ العيال وبنات المدرسة الإلزامية: »عنتر«.. »عنتر«. ويجول »عنتر بن الزيني« في الميدان وعينه علي »فضيلة«.. تلك التي أحبها في صمت لسنوات. لم يتحدث إليها.. ولم تتحدث إليه.. وإن كانت عيناه وعيناها تحدثتا- طوال الطريق الترابي إلي مدرستهما- طويلا. ويتناول »عنتر بن الزيني« يد »فضيلة« التي تغضي حياء.. ويقودها إلي »ساحة الجرن« ويردفها خلفه فوق حصانه الجريدي.. ويهلل عيال وبنات المدرسة الإلزامية: »عنتر« »عنتر« ويدور »عنتر« ب»عبلة« في »ساحة الجرن« لايغتدرها. ذلك شرط اللعبة: »عنتر وعبلة« وتنفض اللعبة.. لتنصب في اليوم الذي يليه.. ويفوز »عنتر« ب»فضيلة«. لكنه في المرة الأخيرة وقد أردف »فضيلة« خلفه فوق حصانه الجريدي التصق صدر »فضيلة« النابت بظهره.. ونقره عصفوران أزغبان.. فأبعد ظهره عن العصفورين الأزغبين. لكن الأزغبين عادا إليه.. ورفا.. وزقزقا.. ونقراه.. -بل إنهما- الأزغبان- ناما فوق ظهره.. فأسلم جسده كله للأزغبين. وأحس بصهد في جسده.. وبدماء تتدفق إلي رأسه.. وتتدافع.. وتفيض.. حتي لتصل إلي حصانه الجريدي.. فيراه يتحرك تحته.. ويحمحم.. ويصهل.. ويشب برجليه.. يصبح: »الأبجر«. ويراه: »عنتر بن شداد«.. و»فضيلة«: »عبلة«. ويندفع حصانه »الأبجر« طالعا من »ساحة الجرن«.. ومن بين أسر عيون العيال وبنات المدرسة الإلزامية إلي المدي الفسيح. يركض بهما إلي الصحراء المترامية. يطلع بهما جبالا. وينزل بهما إلي أودية.. والصهيل يتعالي.. وعبلة ممسكة بوسط »عنتر«. والأزغبان يرفان.. يزقزقان. الأزغبان فرحان لأن »عنتر« حرر »عبلة« من الأسر.. واختطفها من بين حصون الأعداء. و»الأبجر« يطير ب»عنتر« و»عبلة« في الصحراء. يوغل.. يوغل.. حتي لهث »الأبجر«. فنزل »عنتر« عن »الأبجر« وتملي »عبلة«. ورأي في عيني »عبلة« الخضرة واللهب. فألقي بنفسه في الخضرة واللهب. فاحترق.. وحيا. وتلمس بشفتيه الظامئتين شفتي »عبلة« اللاهبتين وعب من شفتيها بشفتيه.. فأسكرته خمرة الشفتين.. وغاب عن نفسه.. وغابت »عبلة«. وحلم أنه في الجنة. ورأي قبالته قصرا أبيض.. له سقف من قرميد أحمر.. وشرفات عالية مستديرة من رخام.. طالعا كأنما من ضباب.. ترتمي عليه أزهار وتقبل أعتابه فراشات.. فحسبه- لابد- قصرهما المسحور بالجنة.. فسحب ذراع »عبلة« المغيبة إليه.. وقبل أن يلجاه توقفا أمام فتاة في مثل عمر فتاته.. ترتدي لباس بحر.. وتتمدد فوق كرسي طويل تحت شمس آخر النهار. وما ان رأتهما حتي انتفضت صارخة تنادي بعربية متكسرة علي شقيقها الصبي: »ديمتري«. وأدرك »عنتر« أنه دخل- بالخطأ- إلي قصر »الخواجة« »ألبرت«.. فهم و»فضيلة« بالتراجع.. لكن شقيق الفتاة الصبي »ديمتري« دهمهما بحصانه الذي يمتطيه.. وبسوطه الذي يفرقع به.. وبعربيته المتكسرة التي لم يفهما منها شيئا. فانطلقت »فضيلة« هاربة من أمام القصر تعدو فوق الطريق الترابي.. بينما صرخات الصبي »ديمتري« وضربات سوطه تنهال فوق جسد »عنتر« الذي صمد للضربات ولم يصرخ. لكن الصبي »ديمتري« تمادي في ضرباته. وسمع »عنتر« صرخته: -عنتر بن شداد- وصهيل حصانه »الأبجر«.