الطريق إلي منزل الشهيد سيف الدين مصطفي كان حافلا بالآلام.. خفق قلبي بشدة وأنا اغالب دموعي التي سبقت عزائي وكأنها انفجرت مثل بركان لم استطع الكلام. توقفت الكلمات التي تقال في مثل هذه الظروف انعقد لساني وجلست منخرطة في حالة بكاء هستيرية. استقبلتنا الأم المكلومة في حالة هذيان خدوا مني ابني هي لا تشعر بمن حولها, صورة سيف في كل ركن في البيت الابتسامة البريئة لاتفارق شفتاه, البراءة التي اغتالها الطغاة تملأ أرجاء المكان. بعد لحظات صمت احسستها دهرا طويلا, حاولنا فيها مغالبة الدموع, تحدثت الأم: سيف كان رايح مع أصحابه بعد صلاة الظهر ليتناول الطعام في مطعم بشارع عباس العقاد والذي يبعد عن قسم أول مدينة نصر بحوالي ثلاثمائة متر, كانت الفوضي تعم الأرجاء, قنابل الغاز المسيلة للدموع في كل مكان اختنق منها المتجمهرون وممن هؤلاء ثم سقط.. سقط سيف يوم28 يناير مضرجا في دمائه إلي الأبد, ولم يعرف بعدها ماذا حدث أصيب برصاصتين غادرتين في مؤخرة الرأس والصدر, كانت الاصابة قاتلة ومقصودا منها القتل, تضررت خلايا المخ وادخلته في غيبوبة لم يفق منها. الأم المكلومة عبير تذهب إلي المستشفي في حالة هستيرية أين ابني سيف.. رد علي يا ابني ابوس ايدك رد علي امك, لكن سيف لا يستجيب رغم أنه لا يرفض لوالدته طلبا, لكن هذه المرة لم يستطع. من يعيد لي ابني تقول الأم سيف زهرة حياتي لايترك فرضا منذ كان في السابعة وعرف معني نطق الشهادتين.. وحشني وحشني أوي عاوزه ابني, وتنخرط في موجة بكاء قاسية تمزق القلوب, ابني دفع الثمن, إيه الفايدة؟ هو كان كل حياتي الصدمة شديدة والمنزل ساكن مثل القبور تصمت الأم للحظات تنظر إلي صورته الكبيرة التي تتصدر بهو المنزل وتواصل: طول عمره ما أذي حد اخوه الكبير مازال يبكي, لم يتشاجرا يوما لكن هذا اليوم حاول اخوه أن يمنعه من الخروج, هو يشعر بالذنب يعصف بقلبه. وتضيف الأم' لم أشعر بفرحة النصر, لا أشعر بشئ.. اريد محاكمة القتلة لن يذهب دم ابني هدرا. في المستشفي طمأنها الاطباء بعد اليوم الأول قالوا لها لو مرت48 ساعة سيزول الخطر, جاءتها الممرضة متهللة هاتولو عصير وزبادي, دب الأمل في قلب الأم ابني هيعيش.. هيعيش.. ولكن.. لحظات وكان كل شئ قد انتهي, مات سيف اكلينيكيا لكن قلبه لايزال ينبض, والأم تصرخ سيف هايرجع معايا.. فوق ياسيف.. كانت الرصاصة التي اخترقت جدار المخ من الخلف قد أتلفت خلاياه فاستقرت في مركز الاحساس, قال لها الطبيب إبنك شهيد.. صرخت الأم ابني عايش.. احتسبيه عند الله.. ابني عايش لو عاش ستصاب احدي عينيه بالعمي.. ابني عايش.. .. تواصل الأم: بعد يومين توقف قلب سيف ولم أدر بالدنيا. وإلي آخر لحظة وهم يضعونه في القبر صرخت فيهم: تأكدوا أنه مات.. كانت واثقة أنه مازال حيا.. ولكنهم دفنوه ورائحة المسك تفوح منه.. تضيف الأم: حتي بعد أن مات اكلينيكيا وكان القلب يخفق كانت رائحته مسكا كل جزء في جسده يفوح بالمسك.. في المدرسة قرروا أن يسموا فصل سيف باسمه, وأن يقيموا له حفل تأبين وأن يكرموا أسرته, ولكن.. هيهات أن يشفع كل ذلك لأم تاهت وغابت عن مباهج الحياة ومباهج نصر صنعه شباب في عمر الزهور, ثورة انتصرت بفضل شهدائها الذين سقطوا ودفعوا فاتورة نضالها, ثورة انيعت وارتوت من دمائهم الزكية. لا تحزني يا أم سيف فهو ابننا جميعا, لن ننسي شهداءنا ولم يغفر التاريخ لأكثر البطشي والطغاة الذين قتلوه بدم بارد لا يعرف الرحمة.. سيعيش مع الشهداء في قلوبنا ماحيينا وسيخلد ذكراه ميدان التحرير سيبقي مزارا له ولهم.. يقول لكل من يحج إليه هؤلاء هم شهداء الحرية وشهداء الكرامة وشهداء النصر الذين سطروا أروع بطولة في تاريخك يامصر.