استقرار أسعار الدولار فى البنوك اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024    قبل الموعد المعلن.. عودة مياه الشرب ل9 مناطق بالقاهرة    دعوات عالمية للنفير والحشد .."حماس " تدعو لمسيرات بجمعة وقف العدوان على فلسطين ولبنان بذكرى "الطوفان"    غارات إسرائيلية على بلدة بنت جبيل جنوبي لبنان    «المصري توك».. كيف تفاعلت جماهير الأهلي مع ظهور محمد رمضان الأول؟    خريفي نهارا بارد ليلا.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    مي فاروق تستعد لحفلها في مهرجان الموسيقى العربية: ألقاكم بكل الحب    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة والأوقات المستحبة للدعاء المستجاب    سعر صرف العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه اليوم    الفيفا يفتح تحقيقين في إمكانية إيقاف إسرائيل    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 4 أكتوبر بسوق العبور    أول صورة للممرض الذي عثر الأمن على أشلاء جثته بالقاهرة    ضبط سائقين لسرقتهم شركة بالمعادي    أفيخاي أدرعي ينذر سكان الضاحية الجنوبية    ايه سماحة تكشف مفاجأة بخصوص نهاية مسلسل «عمر أفندي»    آيه سماحة تكشف قصة تعارفها على زوجها محمد السباعي    مهرجان الموسيقة العربية.. تفاصيل وموعد وأسعار تذاكر حفل تامر عاشور    سول: كوريا الشمالية تطلق بالونات قمامة باتجاه الجنوب    رقص «حسين لبيب وشيكابالا».. احتفالات خاصة ل لاعبي الزمالك بعد الفوز على الأهلي (فيديو وصور)    «رفضت فلوس الزمالك».. القندوسي يكشف كواليس انتقاله إلى الأهلي    87.2%.. إجمالي تعاملات المصريين بالبورصة في نهاية تداولات الأسبوع    كوستا: جوميز مُعجب بأدائي..ولا أحد يستطيع رفض الانضمام للزمالك    "وما النصر إِلا من عِندِ الله".. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هل يجوز الدعاء للزواج بشخص معين؟ أمين الفتوى يجيب    هالة صدقي تصور مسلسل إش إش مع مي عمر في رمضان 2025    مدير الأكاديمية العسكرية: بناء القوة والحفاظ على الهيبة يحتم بيئة تعليمية حديثة    ليتوانيا تصدق على اتفاق لنشر 5 آلاف جندي ألماني    «أنا قدامك خد اللي إنت عايزه».. حكاية صعيدي أراد التبرع ب«كليته» ل أحمد زكي (فيديو)    قيادي بحركة فتح: نتنياهو يُحضر لحرب دينية كبرى في المنطقة    برج الأسد حظك اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024: تلتقى بشخص مٌميز ومكالمة مٌهمة    مايكروسوفت تضيف مزايا ذكية ل Windows 11    مصررع طفلة رضيعة في الدقهلية.. اعرف السبب    ملف يلا كورة.. برونزية مونديالية للأهلي.. وانتهاء أزمة ملعب قمة السيدات    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: الخريجون ذو فكر متطور وقادرون على الدفاع عن الأمن القومي    حريق يلتهم سيارة ملاكي أعلى كوبري المحلة بالغربية    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    صندوق النقد الدولي يكشف موعد المراجعة الرابعة لقرض مصر    قرار عاجل من "التنمية المحلية" بشأن عمال التراحيل    رئيس هيئة المعارض يفتتح «كايرو فاشون آند تكس» بمشاركة 550 شركة مصرية وأجنبية    مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: الخريجون على دراية كاملة بأحدث الوسائل التكنولوجية    محافظ الدقهلية يستقبل وفد اتحاد القبائل لتنفيذ مبادرة تشجير    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    موعد مباراة مانشستر يونايتد القادمة عقب التعادل أمام بورتو والقنوات الناقلة    وليد فواز عن حبسه في مسلسل «برغم القانون»: إن شاء الله أخرج الحلقة الجاية    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    أهالي قرية السلطان حسن بالمنيا يعانون من عدم وجود صرف صحي    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    صحة دمياط: إجراء 284 عملية جراحية متنوعة منذ انطلاق المبادرة الرئاسية بداية    صحة دمياط: الكشف على 943 مواطنًا ضمن مبادرة «حياة كريمة»    تعزز الصحة الجنسية .. لن تتوقعها فوائد مذهلة للرجال بعد تناول البرتقال    أبرزها «الملعقة» و«الزيت».. حيل ذكية لتقطيع البصل بدون دموع    طريقة عمل الكريب، أكلة المطاعم اصنعيها بنفسك في البيت    حرب غزة في يومها ال363 | الاحتلال يزعم اغتيال 3 قادة في حماس للمرة الرابعة !!    متحدثة "يونيسيف": 300 ألف طفل لبناني دون مأوى بسبب الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحاب السيدة الأولي
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 10 - 2011


كان كل شيء معداً بدقّة..
...........
منذ عشرين عاماً اختارتني هيئة عليا في مؤسسة (الرعاية المتكاملة) التي ترأسها سوزان مبارك طفلاً مثالياً علي مستوي المكتبات المقامة باسمها علي امتداد جمهورية مصر العربية. وأقيم احتفالٌ كبير في المكتبة التي تقع في حينا آنذاك العباسية- ( مكتبة عرب المحمدي) مازلت أذكر منه العربات المُصفَّحَة والمدرعات التي اصطفت أمام المكتبة قبل الموعد بيومين والرجال الغليظين الذين وقفوا يفتشون المارّة في الحديقة أمام المكتبة. أخبروا الأسرة أنني "مطلوب" للحضور للقاء السيدة الأولي وأنني يجب ان أُهندَم وألبس جيداً وممنوع أن يحضر أحد من أفراد أسرتي الحفل سوي إخوتي المشتركين معي في المكتبة نفسها ومنهم أخي الكبير الذي حصل علي الجائزة نفسها قبلي بعامين وأختي الصغيرة التي رُشّحت لها.
عندما عدت من المدرسة جلست علي الشرفة التي تطل علي حديقة (عرب المحمدي) أراقب العربات من بعيد والخُضرة التي غيبتها شاحنات الجند الثقيلة السوداء، والعصافير التي لم تعد تملأ الساحات المتسعة للحديقة. وأفكّر.. ماذا سأقول للسيدة الأولي؟ لم يكن من مدي للعصافير أمامي .. ولا مدي للكلمات في روحي.
في اليوم التالي كنت في المكان والموعد المحددين.. رأيت أمينات المكتبة اللواتي كُن يقرأن لي دوماً وأنشأنني علي حب القراءة والمطالعة والسؤال، كن في أبهي حلة، ويجلسن في زاوية بعيدة تحاصرهن الكاميرات وعيون الحراس الشخصيين للموكب. البالونات ملأت مسرح المكتبة، والأركان زُيّنت واختفت الكتب القديمة من علي الأرفف وأحلت بأخري جديدة أراها لأول مرة. أشارت لي أمينة المكتبة مبتسمة، فتوجهت إليها، سألتني ماذا ستقول لضيفتنا الكبيرة التي ستأتي اليوم؟ أطرقت طويلاً أمامها.. قلت بعد طول تمعن : سأحدثها عن بيتنا .. نحن نريد الانتقال إلي سكن أوسع! اتسعت عيناها وقالت لي: هذا الكلام لا يليق .. لا تقله لها.. فكر في شيء آخر .. وقفت حائراً أنظر يمنة ويسرة .. مر وقتَُ طويل.. قلت لها : جارنا قال لي إنهم هدموا ( كُشك الجرايد) الخاص به لأنها ستمر من أمامه بموكبها ويريد (كُشك) جديد! هنا نهضت أمينة المكتبة وقالت لي : لا يمكن أن تقول هذا الكلام يا حمزة .. اسمع .. تكلم عما استفدت منه في المكتبة .. ألا تقرأ وتتعلم؟ وتسمع الموسيقي هنا ونعمل حلقات حوار؟
أومأت برأسي بالإيجاب وظلت عيناي متسعتين حائرتين. تلفتت الأمينة حولها وتنهدت .. قالت: تعال معي.
مازلت أذكر الكاميرات بينما تتجه بي أمينة المكتبة صوب رجال كثيرين أخذوا يلقنونني ما سأقوله أمام السيدة الأولي ومدي سعادتي باختيارها لي طفلاً مثالياً وسعادتي أصلاً بمشروع المكتبات الذي يبث الوعي والمعرفة في مصر( كنت في المرحلة الابتدائية وأحاول استيعاب ما يتم تلقينه لي بصعوبة بالغة).. بعد أن فرغ "مُلقّني من تلقينه التعليمات لي .. أشرت بيدي الصغيرة إلي شيء في خصره وسألته : لماذا تحمل مسدساً تحت ملابسك؟!

في الحفل كنت أشعر بالارتباك من شدة الضجيج والصخب والتأهُّب لشيء ما استشعرته سيحدث بعد قليل.. فجأة سطعت أضواء قوية وبدأ الجميع يتحركون بسرعة ناحية بوابة المكتبة.. كانت سوزان مبارك تقترب وسط نساء كثيرات .. مبتسمة تفرك يديها..وتنظر بحنان للأطفال. أشار لها أحد الرجال ناحيتي، كان أنيقاً للغاية ويرتدي نظارة طبية أنيقة.. أخبروني فيما بعد أن اسمه (فاروق حسني). بعد لحظات كانت أمامي مبتسمة تلاحقها كاميرات وأضواء ووجوه مبتسمة ابتسامة نمطية واحدة. قالت : ما اسمك يا حبيبي؟ أجبتها. قالت لي : وما رأيك في مشروع المكتبة. قلت: المكتبة جميلة .. والمشروع ناجح و( مثمر) .. أخذت تبتسم للحاضرين في زهو وقد علت همهماتهم بعد شهادتي "البريئة" ! ساد الصمت فأردفت : .. كما قال لي الرجل " أبو مسدس " !

بعد عشرين عاماً كنت في المكان نفسه في احتفال مرور عشرين عاماً علي افتتاح المكتبات بعدما استدعوني بالطريقة ذاتها من الحي الشعبي الآخر الذي انتقلت إليه أنا وعائلتي بعدما هُدمت بنايتنا بالكامل لتلحق بكشك الجرائد.. كنت عاطلاً بلا عمل، وكان وزير الثقافة نفسه الذي رأيته منذ عشرين عاماً هناك! فاروق حسني .. كأنه القدر، سألتني السيدة الأولي التي كرّمتني طفلاً: إلامَ وصلت يا حمزة ؟ قلت لها وقد شكرتها علي اهتمامها: أنا عاطل ..أريد أن أعمل فقط ! اندهشت ونظرت إلي وزير الثقافة : قالت له: هذا كان من أنجب الأطفال يا فاروق.. ويجب أن يحتفي به بلده. قال الوزير: طبعاً يا فندم! واستدار ملتفتاً إليّ وقال : تعمل فقط ؟ أليس لك أي طلبات ثقافية أو إبداعية؟ قلت له : أنا شاعر ولي كتاب متوقف في هيئة الكتاب منذ ثلاث سنوات ولا أريد سوي طباعته. قالت السيدة الأولي : ونطبعه لك في مكتبة الأسرة كمان. ابتسمت فرحاً. بدت علي ملامح الرجل الجدية وهو يشير إلي أحد مساعديه ويهمس في أذنه بشيء فراح الرجل يهز رأسه بطريقة ميكانيكية غريبة! التفت لي الوزير وقال: مُرّ علي مكتبي غداً في الوزارة ..نحن لا بد أن نُقدّرك. تابع وزير الإعلام أنس الفقي- ما دار من حوار والتفت إليَّ وقال: نعم.. هذا الشاب من المثقفين ويجب أن نساعده.. هل لك خبرة في مجال الإعلام؟ أجبته بالنفي. سألني عن مؤهلي فأخبرته بأنني أحمل ليسانس الآداب. لمس ذقنه بيده مفكراً قليلاً ثم أشار إلي أحدهم من بعيد فجاء راكضاً .. همس له بدوره، فأخرج ورقة من بدلته الأنيقة وراح يدون فيها شيئاً. بعدها التفت لي الوزير وقال: مُر عليّ غداً في مكتبي. قلت له في براءة : سأمر علي وزير الثقافة . قال لي في احترام جم : بعدما تنتهي من زيارة السيد وزير الثقافة مُر علي مكتبي في "ماسبيرو" في أي وقت .
شكرته بينما التفّ الصحفيون حول المسئولين والوزراء، وأنا غارق في الانفعال وأحلام الغد.. لقاءان مع وزيرين في يومٍ واحد!
في اليوم التالي لم يُقابلني أيٌّ من الوزيرين، أحدهما قال لي سكرتيره إنه غير موجود، وهو ينصرف عني بأوراقٍ كثيرةٍ أمامه والآخر دفعني رجال الأمن أمام مبني وزارته فتعثرت واقعاً علي الرصيف ولم أرَ سوي بندقيةٍ تشير فوهتها لي بالانصراف بعيداً وعيني الجندي الساخرتين، عبرت إلي الجهة الأخري وجلست أمام النيل مُحبَطَاً وقد تَبَخَّرَت أحلامي في كل شيء اسمه الغد.
بعد شهور قليلة من ذلك اليوم كنت في مطار القاهرة حاملاً جواز سفري في يدي وتذكرة الطائرة التي ستقلني إلي إحدي جهات الأرض القصية وفي ذهني تساؤل لم أنسه منذ عشرين عاماً: لماذا كان الرجل الذي يلقنني طفلاً ما سأقوله لسوزان مبارك يخفي مسدساً؟
شاعر مصري مقيم في الخارج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.