مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية.. استعراضات فلكلورية مبهجة تزين عروس القناة في الدورة 24    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء بشمال سيناء    متابعات ميدانية لتنفيذ فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" بالمنوفية    أسعار السمك في مرسى مطروح اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024.. تحديثات حصرية من أسواق المدينة    وزير الاتصالات يبحث مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا سبل التعاون المشترك    انتخابات أمريكا 2024| كيف تغيرت آراء الناخبين في الولايات المتأرجحة؟    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    روسيا تعلن نشوب حرائق في مستودعات وقود بعد هجوم أوكراني مزعوم بمسيرات    مدير فرانكفورت: يصعب التصدي لتسديدة مرموش    سيدي ندياي: أتمنى تحقيق الألقاب مع الزمالك والانضمام لمنتخب السنغال    «بعد التوقف».. سلوت يثير الجدل بشأن تجديد عقد محمد صلاح    بعد التوقف الدولي.. آرني سلوت يُعلق مُجددًا على تجديد عقود صلاح وفان ديك وأرنولد    حملات ترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 155 محضرًا للمحال المخالفة    سياسيون: كلمة الرئيس السيسي تحمل رسائل طمأنة للشعب المصري    نجل أحمد شيبة يقاضي بلوجر شهير بسبب صورة في الطائرة    إليسا ترد على منتقدي العودة للحفلات: نلوم حالنا على كل شي وصلناله بلبنان    ين المبدعين والراحلين.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم رموز الإبداع والنشاط الفني    الصحة: فريق المراجعة الداخلية يتفقد مستشفى سفاجا المركزي ويوجه بتوفير بعض نواقص الأدوية    مع بدء موسم العمرة.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه في أكبر 5 بنوك    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة أصحاب السيارات بالجيزة    مصر والسعودية يؤكدان تضامنهما مع لبنان في الأزمة الراهنة    حزب الله: قصفنا برشقة صاروخية قاعدة إيلانيا العسكرية شمال إسرائيل    تراجع أسعار الحديد اليوم الجمعة 4-10-2024 بالأسواق.. كم يسجل الطن الآن؟    بالأرقام.. نتائج فحص حالات لسيارات ذوي الهمم خلال السنوات الثلاث الماضية    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    مسلسل برغم القانون الحلقة 16.. هل تعثر ليلى على مكان أولادها؟    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس    مياه سوهاج تكرم أبناء العاملين المتفوقين دراسيًا    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    بحضور وزير الأوقاف.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيد البدوي    القناة الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في الدوري المصري "سيدات"    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    اللجنة الأولمبية الجزائرية: ما يحدث مع إيمان خليف حملة ممنهجة    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    الأنبا عمانوئيل يهنئ رئيس الجمهورية وقيادات الدولة بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض: تسجيل 866 حالة وفاة ب"جدرى القرود"    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    جيش الاحتلال يطالب سكان أكثر من 20 بلدة جنوب لبنان بالإخلاء    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوائق إسقاط رئيسك الفاشل وطرق التخلص منها
نشر في اليوم السابع يوم 09 - 02 - 2013

مقدمة لا بد منها: لماذا نتكلم أصلا عن الرئيس؟ ولماذا ننتقد مساوئ النظام أو فشله ولا نهتم بشأننا الخاص وأكل عيشنا، وكل واحدٍ فينا يُربى عياله؟!
ولماذا لا نبدأ بإصلاح أنفسنا بدلا من الانتقادات، وإذا بدأ كل إنسان بنفسه فسينصلح البلد كله..؟!
والحقيقة أن هذا الكلام الذى يُخيل للناظرين أنه يسعى فى زينة الحكمة والتعقل يجب أن يحاكم مروجوه بتهمة الاتجار فى المخدرات! لأنه لطالما استعمل الناصبون مثل هذه المقولات لتخدير الناس وصرفهم عن الشأن العام وحبسهم فى رغيف معيشتهم اليومية، بينما الله لا يرضيه أن يرى عباده الظلم والظالمين ويرضوا ويسكتوا أو ينصرفوا إلى شؤننهم الخاص وحدها أبدا.. لا هذه عمارة الأرض، ولا هذه الأمانة التى ائتمنا عليها.
إنما الإنسان الصالح هو الذى يسعى فى فعل الخير، وينهى فى الوقت نفسه عن الشر والمنكر والبغى وينتقده ويذمه ويحاول منعه وتحريض الناس ضده ولنبذه.. ولهذا السبب خلق الله لنا الأفهام والعقول..
وكان الشاعر قديما يقول:
إذا أنا بالمعروفِ لم أُثنِ صادقًا. : . ولم أشتُمِ الجبسَ اللئيمَ المُذممَ
ففيمَ عرفتُ الخيرَ والشرَّ باسمهِ. : . وشقَّ لى اللهُ المسامعَ والفمَ
صحيحٌ أن كل إنسان منا لو أصلح نفسه لانصلح المجموع، ولكن هذه كلمة حق يراد بها باطل، لأنها تطلب اشتراط المستحيل من أجل توفير الحق المتاح، والمستحيل هو أن يصبح الناس كلهم ملائكة أطهارا.. فدائما ما سيكون هناك شر فى الناس.. لأن هذه هى سنة الله فى الوجود، فإذا نحن تركنا هذا الشر وانصرفنا إلى أحوالنا الشخصية زاعمين أننا بذلك نحقق مبدأ "ابدأ بنفسك" فإننا نظل حتى نموت نجرى فى المكان ولا نحقق شيئا..! لا الشر الذى نرفضه سينتهى لأن أحدا لن يواجهه، ولا نحن سنقدر فعلا على أن نواصل انعزالنا عن العالم والوطن والمجتمع من غير أن نتعرض لضغوط شديدة لا يقدر على حملها بشر.
ولذلك فإن محاربة الظلم واجبة، ومكافحة الفساد والجهر بانتقاده والسعى إلى هدمه شرفٌ لكل إنسان.. لا يقول غير ذلك إلا تجار المخدرات الكلامية والفكرية التى تهدم المجتمعات ولا تبنيها.
ولأننا لسنا تجار مخدرات، نصدع بكلمة الحق فى وجه هذا النظام الغاشم، ولا نطالب الناس بإدمان مسكنات الصبر والتريث.. لقد صبرنا سنوات طويلة، فماذا كانت المحصلة؟ كانت تعاظم الفساد فى هذا البلد وارتفاع ضريبة الثورة المؤجلة التى كان لا بد لها من أن تحدث وتشتعل.
يحكم البلد الآن رئيس جمهورية فاشل، يكاد يضيع الثورة ويقضى على كل جهودنا التى بذلناها وبذل من أجلها شهداؤنا دماءهم طيلة ثلاث سنوات عجاف، نحن لم نثر لكى نسمع خطبا فى الصبر، ولكن ثرنا بعد أن ضاق بنا الصبر وضقنا به.. واستهلكناه واستهلكنا، واليوم هاهو القمع والتنكيل والبؤس والفقر وإهدار الحقوق، وكل أسباب الثورة قد تجمعت وتمثلت فى وجه هذا النظام الذى يحكم البلد، لم يتعلم دروس من قبله، ولم يقدم لنا ولو بادرة واحدة تفتح لنا أملا يشير بأى تغير فى البوصلة، حقوق الأموات ضاعت، وحقوق الأحياء ديست وأهدرت، والكذب أصبح السمة الأبرز لهذا النظام إذا ما استثنيا التبرير والإقصاء وأخيرا الدم المتطاير فى كل مكان.
نثور إذن أو لا نثور، نكون أو لا نكون، نكمل طريقنا إلى الحلم، أو نعود أدراجنا إلى التطبيع والبروتوكول والخصخصة التى بشرنا بها خيرت الشاطر أيام كان مرشحا مفترضا للرئاسة، والضرائب والديون وتعويم العملة والغلاء ورفع الدعم وبؤس المعيشة.. وكل المفاجآت المؤجلة التى نحن على موعد معها بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، حتى لا يخسر الباشاوات الذين يحكمون هذا البلد حفنة أو حفنتين من أصوات المتضررين!
لكن الثورة ليست قرارا سهلا، الثورة قرار الشجعان، ولعبة خطيرة، وهناك حسابات معقدة يحسبها الناس قبل أن يقرروا الثورة، هذه الحسابات التى هى فى الحقيقة عوائق وعقبات -يسعى النظام لتنميتها- يمكننا أن نناقشها ونحللها ونلخصها فى خمس مشكلات أو عوائق كبيرة:
1 - الرئيس منتخب من الشعب
وهو ليس منتخبا فى ظروف عادية، بل منتخب بعد ثورة شعبية أطاحت بديكتاتور، ورجال هذا الديكتاتور يتحينون الفرصة للعودة ويشتهونها كما يشتهى كل إنسان فردوسه المفقود.. والإطاحة بهذا الرئيس المنتخب إهانة للشعب، وربما قيل: التفاف على إرادته الحرة، فالناس اختارت هذا الرئيس بملء إرادتها، ولا يجوز لحزمة من السياسيين أو الكتاب أو الإعلاميين الفاسدين أن يطيحوا برئيس منتخب.
وفوق هذا، فإن الإطاحة به الآن هى إطاحة بالآلية التى جاء بها إلى السلطة وهى صندوق الانتخاب، وسندخل بعد ذلك فى مشكلات جمة وصراعات عنيفة، وصندوق الانتخاب هو الضمانة التى قبلناها جميعا من قبل، ولا يمكن لأى مخلص فى مصر أن يطالب بالانقلاب على الديمقراطية والعودة إلى الوراء، والمشكلة فى الوعى، والشعب سيتعلم، وستصحح الديمقراطية مسارها مع الوقت، وستنجب صبايانا وبنات، وتعيش فى تبات ونبات.
هل تحوّل منى المقال هكذا إلى دفاع عن الرئيس؟! سبقتنى كلمة الحق.. وقد كنتُ أريد الباطل.. يا للهول..! ويا للاعترافات الهاربة من مسرحيات شكسبير..!!
بصراحة.. هذا كله كان كلاما فارغًا..!
الشعب لم يأت بهذا الرجل إلى السلطة، وإنما أتى به الليمون، أو يمكننا أن نقول أتى به أحمد شفيق..! أو بالعودة أكثر إلى الوراء.. أتى به قانون العزل المعيب الذى لم يستطع عزل أحمد شفيق، أكثر وأكثر إلى الوراء.. أتى به واضعو هذا القانون المعيب الذين كانوا يريدون مجاملة الفلول فصدر القانون ماسخا ومتناقضا وغير دستوري.. والذين فعلوا ذلك كانوا الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة برئاسة محمد مرسى.. أى أنه هو أتى بنفسه وأقنع الشعب بأنه اختاره!
الشعب اختار الثورة بأغلبية الأصوات، ولكن أصواته تفتت لأسبابٍ إن فتشنا وراءها من هُنا أو هناك.. لو كنت من مؤيدى حمدين صباحى أو من مؤيدى عبد المنعم أبو الفتوح.. فتصل فى النهاية إلى النتيجة نفسها.. الأصوات تفتت بسبب الإخوان المسلمين فى النهاية.. وشفيق دخل الانتخابات بسبب الإخوان المسلمين فى البداية، والليمون الذى فى البلد كله اختار مرسى، والآن عاصرو الليمون يموتون فى الشوارع وفى سلخانات باستيل الداخلية فى الجبل الأحمر وغيره.
وكعضو مؤسس فى نقابة الليمونيين القدامى وضحايا العصر، يحلو لى أن أقول إننى أيضا اخترت مرسى ولو عدت ألف مرة، بل لو عدت مليون مرة وأمامى مرسى وشفيق فسأختار مرسي..! يحلو لى أن أقول هذا الكلام وأبرر وأبرئ نفسى الأمارة بعصير الليمون.. ولكننى لا أقول ذلك.. أنا لم أختر مرسى بإرادة حرة.. وأقوال المتهم عندما تؤخذ تحت ضغط شديد أو تعذيب أو عصير ليمون لا يعول عليها شرعا أو قانونا..!
لقد سقطنا فى ثغرات قانون الديمقراطية التى يحفظها المحامى الإخوانى جيدا كأى محامٍ شاطر فى مسلسل من بطولة أحمد عبدالعزيز.. وهذا ليس عادلا، ولو كان قانونيا.. والمحامون يعلمون جيدا أنه ليس كل ما هو قانونى يكون بالضرورة عادلا!
من يقرر أنه عدل أو ليس عدلا، وقد وافقنا من البداية على اللعبة بكل ثغراتها وعلاتها..؟! نحن نقرر..! لأننا لسنا مضطرين للانتظار حتى تمر عشرين سنة أخرى تخرب فيها خمسين مالطة ويموت فيها مليون حسينى وجيكا ومحمد قرنى ومحمد الجندي.. لسنا مضطرين، ولا مجبرين البتة.
أما الشعب، فإننا عندما نقوم بالثورة وننتصر فسنكتشف أن كان فرد فى الشعب المصرى كان الأدمن الحقيقى لصفحة كلنا خالد سعيد، وكل الناس كانت فى ميدان التحرير، وأنا الذى كنت عند أمى، كما يقول كتاب التجربة فى صفحة 2011.
- 2 الرئيس ينتمى إلى التيار الإسلامى
هذا العائق، لن يكون موجودا عندك إلا إذا كنتَ تنتمى فعليا إلى التيار الإسلامى، ولأن الذى أوله شرط..سأقول إننى فكرتُ فى أن المنتمين إلى التيار الإسلامى لن يقرؤوا مثل هذه النوعية من المقالات الفاسقة أبدا إلا بتحفز وهجوم مسبق وجبل من التبريرات، ولكن حتى لا نقع فى الخطأ المنهجى الشهير "لا تنه عن خُلُقٍ وتأتِ بمثله" فإننا لا يجب أن ننتقد "الإقصاء" ثم نوجه خطابنا إلى الناس باستثناء فصيل أو ما عدا تيار.. ولهذا سأفند هذا العائق أيضا.
أنا الآن سألبس جلباب التيار الإسلامى، وأقول: إن تجربة الصحوة الإسلامية فى مصر صارت الآن على مفترق طرق، فإما أن ينجح مرسى وندعمه بكل ما أوتينا من قوة، وله علينا فى ذلك حق شرعى، وإما أن يضيع المشروع، وينتصر العلمانيون أعداء الشريعة، ونخسر بعد ذلك خسرانا مبينا.
ولكن مرسى يرتكب بعض الأخطاء، لا بأس، كلنا بشر.. يخالف الشريعة أحيانا، ونظامه يبيح الربا، لا مشكلة، الضرورات تبيح المحظورات، والتدرج فى تطبيق الشريعة مما يُتسامح فيه فى مثل هذه الحالات.. مُرسى يقتُل جنوده الناس أحيانا ويعذبونهم، وحرمة النفس عند الله أكبر من حرمة الكعبة.. ولكنهم مفسدون طبعا وعلمانيون، ودرء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح كما تقول القاعدة الأصولية، وربما ليسوا كلهم مفسدين.. قد يكون فيهم بعض المغيبين أو حتى الأبرياء فعلا، ولكن لا بد من ضحايا، ومردهم إلى بارئهم فى النهاية.. وهكذا.. أمرُّ على كوارث النظام وخطاياه واحدا تلو الآخر.. فأجد تبريرا، أو ألفق اختراعا يسوغ لى دعم الرئيس دعما لا نهائيا حرصا على المشروع الإسلامى، وحتى لا يعود العلمانيون إلى الحكم.
وأريد أن أقول عندئذ شيئا لنفسى: إننا جميعا إسلاميين وغير إسلاميين ليس فينا ملائكةٌ وشياطين، ولا يمكن لإنسان أن يتوخى الشر ويحرص عليه فى حياته وفى أفعاله وهو يعلم أنه شر، لأن هذا مخالف للفطرة السليمة التى تقتضى حب الإنسان للخير وحرصه عليه مصداقا لقوله تعالى: "وإنه لحبِّ الخير لشديد".
ويقين الخير لا يعلمه إلا الله، وليس بالضرورة كل ما نظنه خيرا هو خير فعلا، ولا كل ما نظنه شرا هو شر فعلا، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
نحن إذن جميعا يحركنا دافع واحد -رغم الاختلافات- وهو مظنة المصلحة ومظنة الخير، وعندما لا يكون اليقين متاحا فإننا نلجأ للترجيح.. وتجربة استقراء التاريخ تخبرنا أن الإنسان عادةً ما يقع فى فخ الطغيان والفساد عندما يقف أمام لحظة اختيارٍ صعبة! عندما نختار ما بين شر وشر..!
الاختيار ما بين الشرين، هو عادةً لحظة ولادة الطغاة والمستبدين.. وهى إحدى اللحظات التى أمر الإنسان فيها بأن ينهى النفس عن الهوى.. إذ يسأل الطاغية نفسه فى المخاض: أقتل أعدائى أم أفقد السلطة؟ أعطل الشريعة أم أصنع الفتنة؟ أستسلم للتيار فأصبح إمعةً أم أخرج عن القطيع وأصبح صيدا سهلا؟ أسئلة من هذا النوع عندما تواجهك، لا تختر أخف الضررين، ولا أهون الشرين كما قد يقول لك عقلك المحدود، ولكن اعلم أنك بدأت من الأصل على خطأ، لأن صلاح المقدمات لا يؤدى إلى فساد النتائج.. هكذا يقول المنطق!
ماذا تصنع إذن عندها؟ تعود أدراجك لتراجع نفسك.. هكذا يقول الضمير!
ولن أكتب أكثر فى هذه النقطة.. ليسمع من له قلب، أو قل: من كان فى الضلالة فليمدد له الرحمن مدا.
إن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر والبغى، ونصرة الرئيس فى الباطل ليست إلا فحشاء ومنكرا وبغيا.. لأن الله لا يُنصرُ بالقتل والسحل والكذب وتعطيل شرعه ممن يتاجر بشرعه..!
"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
وصدقني: إن استمرار مرسى فى هذه الطريق التى يسير فيها ويسحبنا جميعا فيها ليس فيه صلاح التجربة الإسلامية وانتصارها، بل ربما العكس!!
3 - معارضو الرئيس سيئون و"سيئون" هذه كلمة لطيفة! لأن قطاعا كبيرا من معارضى الرئيس ليسوا فقط سيئين، بل ربما كانوا من أسوأ الناس.. تمويلهم مشبوه، ويتحالفون مع الفلول، وربما كان بعضهم من الفلول فعلا، ويخونون مبادئهم التى يتاجرون بها، ويلجؤون إلى العنف.وموضوع العنف هذا أنحيه جانبا قليلا، لأننى لا أصدق بصراحة أن قيادات جبهة الإنقاذ يتحكمون فيما بعد مكاتبهم بمترين..! لا سيما وقد كفر بهم كثير من شبابهم، وأعلنوها صراحةً فى كلمتين واثقتين: كفرنا بالنخب..!!
وهنا أقول: إن الاتجاه إلى العنف لم يبدأ مع تولى مرسى الرئاسة، وإنما كان هناك عنف فى خلع مبارك وحرق أقسامه ومدرعات شرطته، وكل ثورة فيها عنف، وإلا فكيف تنزع آليات السلطة التنفيذية من أيدى النظام القائم؟! لا تصدق أكذوبة أنه من الممكن أن يتنحى رئيس أو حاكم من غير استعمال العنف أو التلويح به على الأقل، وهذا الدور تحديدا قام بالجيش فى ثورة يناير، ولا يصح تسمية عمل ما بالسلمية وقد كان ضلعا من أضلاع القيام به جيش من أى نوع!
فعل الجيش ذلك لأسباب لا تتوافق مع تطلعاتنا ومبادئنا.. نعلمها جميعا.. ولهذا خلع رأس النظام واحتفظ بالسلطة، ولم يسلمها بسهولة.. وفى كل تحول محورى من تحولات الفترة التى حكم فيها المجلس العسكرى لم يقدم لنا التنازلات الكبرى إلا عندما بادره بعض شرفاء الضباط بمشاريع عصيان، هى بكل تأكيد تهديدات.. تنحى مبارك جاء بعد إعلان الرائد أحمد شومان فى ميدان التحرير أنه يطالب برحيله ورحيل المشير طنطاوى معه، ومحاكمة مبارك حدثت بعد نزول ضباط أبريل، وتحديد موعد لانتخابات الرئاسة حدث بعد نزول ضباط نوفمبر، النقيب عمرو متولى وزملاءه.. وهكذا.. ولا يصح أن يؤرخ مؤرخ نابه لتاريخ تلك المرحلة من غير الالتفات إلى هذه الأحداث الدالة.
أما عنف المدنيين أو التهديد به، فبدأ فى رد فعل لإرهاب الدولة فى أحداث محمد محمود أول مرة، وظهر وقتها جمهرة جديدة من الثوار، يختلفون عن الطليعة الأولى التى قامت بالثورة، الطليعة الأولى كانت أكثر ثقافة، وأنصع ثيابا، أما الجمهرة التى حملت المولوتوف فى وجه إرهاب الآلة الحربية واغتيالاتها للثوار، فكانت ثيابها أقل تواضعا، وأفكارها أكثر سخطا وحنقا واندفاعا.. كانوا كذلك لأنهم ولدوا من رحم مطلب الخبز ومطلب العدالة الاجتماعية.
وسيدنا أبوذر الغفارى هو القائل: "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه".. هؤلاء الذين يشهرون السيوف يا سادة لا يحركهم زر أو ريموت كونترول فى مكتب حمدين صباحى، ولا تقودهم أموال دول أجنبية، ولا فلول، ولا أى من هذه التفسيرات السهلة التى نحشو بها حياتنا، وترسو بعقولنا الخفيفة فى النهاية على شواطئ الماسونية والكائنات الفضائية والصهيونية العالمية والتفسيرات العكاشية.!
إذا أردتم منع العنف فحققوا العدل والعدالة، ولا تتحاوروا مع المعارضة على هذا البند من الأساس، لأنها لا تملك تحريك العنف ولا منعه.. المعارضة خسرت جمهورها، وستغلق المسرح قريبا، وتعلن عن وظائف شاغرة لقارئى مرثيات محترفين..!
وعلى ذكر المعارضة أقول: إن فساد المعارضة، لا يعنى بالضرورة أنها البديل الوحيد للرئيس.. نحن لن نختار ما بين الشرين، هذا البلد قضى عليه العواجيز، وآن لهم أن يستريحوا ويريحوا.
وإذا كنا نقول إن على مرسى أن يرحل.. فإن على المعارضة المتحالفة من الفلول أن تغرب عن وجهنا.
مطالبنا ليست متعلقة بالأشخاص، ولا أحد يحقد على سواد عيون النظام الذى لا يُحسد، ولكننا نريد التغيير.. من أجله استشهدنا، ومن أجله سنواصل.
4 - الأمل فى انصلاح أحوال الرئيس
العائق الرابع الذى يحول دون الثورة على الرئيس الفاشل هو الأمل فى انصلاح أحواله، أو لعل الله يُخرج من بين سلخانات داخليته وكذبه الوافر وشفافيته المنعدمة، وسياساته الاقتصادية المفلسة.. من يقولُ..! من يقول ماذا؟!
بالله عليكم إلى ماذا يمكننا نصل من هذا النظام فى الحكم وهذا الأسلوب البائس فى إدارة الأمور؟!
إن الحداءة لا ترمى الكتاكيت أيها السادة..
وهذا الوضع الذى صرنا فيه، لا يمكننا أن نعيش فيه إلى أربع سنوات أخرى.. أو ستصاب مصر كلها بالسكر والضغط والفتاق، وقد أصيبت بهم أيام مبارك، وأصيبت أيضا بالسرطان والفشل الكلوى والكبدى والقصور القلبى، وفى عهد مرسى الناس تصاب بالمزيد.. خلع الملابس اللاإرادى فى الشوارع، والاختفاء والتعذيب، والموت المفاجئ فى ريعان الشباب، والموت تحت عجلات الديون، والموت بالضحك أثناء خطابات الاستزراع الزراعى، واستعدال البنطلونات أمام الكاميرات فى حضور السياسيات الأجنبيات.. وما ذا بمصر من المضحكاتِ. : . ولكنه ضحكٌ كالبُكا.
5 - أسئلة ما بعد الرحيل
وهذا العائق الأخير هو أهم العوائق على الإطلاق فى مجموعة "عوائق إسقاط رئيسك الفاشل وطرق التخلص منها"، ولذلك جعلته فى النهاية.
بعض الناس وكثيرٌ منهم محترمون أفاضل كانوا معنا وكثيرا ما كانوا قبلنا فى ميدان التحرير -ثم ذهبوا لشراء مطفئة حريق ولم يعودوا!- يطرحون أسئلة مهمة عن ما بعد سقوط مرسى، فى حال إذا ما سقط.
والحقيقة أنها إجابات متنكرة فى شكل أسئلة.. ومضمونها أنه إذا رحل مرسى فهناك على أرض مصر خمسة مليون مرسى، وهؤلاء لن يسكتوا إذا سقط "رئيسهم"، ورئيسهم بين قوسين كما هو واضح.
وبما أننا مازلنا نعيش وفقا لعقلية القبائل والعشائر كما يقول التحليل البريطانى لشعوب منطقة الشرق الأوسط، فإنه ليس من المستبعد أن تقوم حرب البسوس مع رحيل مرسى، على أن حرب البسوس قامت من أجل ناقة، وهذه ستقوم بسبب...لنجعلها "رئيس"..!
امنع الضحك.. نحن مهددون بحرب أهلية يا سادة؟ هل تدركون خطورة اللحظات الضخمة..؟!
وعلاوة على ذلك -رغم أن العلاوات لم تعد تنفع فى هذا الزمن- فإن هناك سؤالا مهما مطروحا؟ من سيحكم مصر بعد أن نطيح بشرعية الصندوق ونخرج على مرسى؟ الجيش؟ أم لميس الحديدي؟ (لميس الحديدى أخطر بكثير مما تبدو عليه على فكرة!)
امنع الضحك.. ولو أن هذا الكلام فعلا مضحك! ولكننى أرى: أن أضغاث أحلامٍ تحيط بالإنسان عادةً عند الإمعان فى التحليل والنظر، وهى من أشهر الآثار الجانبية المترتبة على الارتفاع الشديد فى الثقافة والمعرفة والخبرة.. الأمريكان أيضا ينامون ويصحون ليحذروا بعضهم من غزو الكائنات الفضائية العاقلة للأرض، ومن خطورة ثقب الأوزون والاحتباس الحرارى الذى يتابعون آثاره منذ عام لا أدرى كم، وما إلى ذلك.. تمتلئ رأسك بمعارف وخبرات كثيرة، فتصبح شكاكا وحذرا ومتريثا كالسلحفاة، والشك والحذر والتريث ليسوا أشياء سيئة عموما، ولكن الأرض مرت بالعصر الجليدى ومازال عليها حياة.
أسئلة الما بعد دائما مُرهقة، ولكننا طالما كنا نسألها لو تذكرون: من يحكم مصر إذا لم يكن جمال مبارك؟ (ما بعد وفاة مبارك المفترضة!)، ومن يمسك البلد إذا رحل المجلس العسكرى آخر عمود فى الخيمة؟!، ومن ينفق على عيالى إذا متُّ أنا الآن؟! سيتشردون طبعا.. وبنتى ستعمل راقصة فى الكابريهات، وابنى سيدمن المخدرات..!
لكننى سأموت، والله لن يضيع أبنائى.
ثم أقول لنفسى: ألا أخجل عندما أقول إن ما يمنعنى من أن أقول كلمة الحق للرئيس الفاشل -ارحل- هو خوفى من إرهاب الإسلاميين؟ الناس الأفاضل الكُمّل الذين يقول الواحد منهم "نعم" إجابة عن كل أسئلة حياته؟! (ما قال لا قطُّ إلا فى تشهدهِ. : . لولا التشهدُ كانت لاءه نعمُ!)
لو كان الإسلاميون بهذه القدرات السوبرمانية الخارقة، فلماذا لم يفعلوا ذلك أيام مبارك؟ جُبنا؟ أم حُبًّا للحياة؟ أم درءًا للفتنة؟ يومها أيضا سيدرؤون الفتنة، وصدقني: لميس الحديدى لن تحكم البلد بعد رحيل مرسي.
إننى أتفهم مشاعر كل الأصدقاء الأعزاء، وأعتذر لكل من قد يشعر فى مقالى هذا بإساءة منى، ولكن انتهاء هذه المسخرة التى نعيش فيها أصبح ضرورةً من ضرورات الثورة والضمير والوطنية..
ولقد خضتُ هذه التجربة من قبل، عندما قلتُ: يسقط حكم العسكر للمرة الأولى، ووقف ضدى يومها من صاروا بعد ذلك من ألد أعداء المجلس العسكرى.
سأقولها اليوم وغدا: هذا النظام لا يمكن أن يستمر، وهذه الثورة يجب أن تستمر.
يسقط يسقط حكم المرشد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.