يبدو أن الإخوان المسلمين لم يتوقعوا أن تتبنى الدعوة السلفية خيارًا غير خيارهم، وكان تبنى بعض سلفيى القاهرة خيارهم وخاصة الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح سببًا حرجا بالغًا للدعوة السلفية، خاصة أن بعض شيوخها منتمون إلى تلك الهيئة. أسكتت الطريقة التى تم التصويت بها على اختيار "أبو الفتوح" الخصوم واللائمين والمتربصين، وبينت مدى التحضر لديهم، ولا عجب فإن العلوم الشرعية ودراستها تكسب المرء سعة أفق ومرونة قد لا تجدها لدى من تربى على النظم الحزبية، فالمنهج السلفى يضفى على صاحبه حرية واسعة تحت مظلة الشريعة وأحكامها، وهى مظلة يحسبها كثير من الناس ضيقة، ولكنها أوسع وأرحب بمراحل من التحزبات الضيقة، فلا تصنيف للناس فيها على أساس هذا معى، وهذا ليس منى، إنما هى مظلة الإسلام الواسعة، التى ينضوى تحتها أصحاب الكبائر غير الجاحدين لأحكام الشريعة، أو بعضها حتى أصحاب الصغائر، فضلا عن المتقين الأبرار. ميز اختيار الدعوة السلفية وحزب النور، أنهم لم يوقعوا ل"أبو الفتوح"، على بياض، وكانوا صادقين فى ذكر مناقبه ومثالبه، وكانت الموازنة واضحة بين المصالح والمفاسد لديهم، ولدى أعضاء مجلس الشورى على مستوى الجمهورية، وقد تركوا لهم حرية فى سماع برامج المترشحين ومناقشة أفكارهم الشرعية والسياسية، ثم لما تكاملت الرؤى لهم، لجأوا إلى ربهم يستخيرونه بصلاة ركعتين يستمطرون بها رحمته ويلتمسون هداه، وبعد التوكل والاستعانة بالله كان تصويتهم ديانة لله وأمانة يرجون ثوابها عند ربهم. لم يكن اختيار "أبو الفتوح" بالطبع لتطابق أفكاره مع أفكارهم أو صفقة سياسية بينهما إنما كان مبنيا على قواعد قال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية "ليس من العقل أن يعلم الخير من الشر فقط، بل يجب أن يعلم خير الخيرين, وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح, وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها". أه. فى الآونة الأخيرة وبعد مؤامرة استبعاد حازم أبو اسماعيل، كثر اللغط فى حق الدعوة السلفية وحزب النور، وانجرفت أقلام كثيرة فى ذمهم وشهدت مواقع التواصل الاجتماعى سيلا من الاتهامات لهم وأخصها انضواؤهم تحت عباءة الإخوان، وأحسب أنهم لو كانوا قد اختاروا خيار الإخوان لكانت الانتقادات الموجهة لهم أضعاف ما يوجه لهم الآن، فكان قرارهم إيثارًا لما رأوه مصلحة لوطنهم، وجمعوا به شعث شبابهم وحموهم من انفراط عقدهم. لا شك أن قرار الدعوة السلفية قد أوقع الإخوان فى موقف صعب، ولكن تقدير المكاسب والخسائر يخضع لحسابات سياسية علاوة على مقاييس شرعية عند التيارات الإسلامية، ولهذا لا مبرر لشدة اللوم الذى وجه للدعوة السلفية على اختيارها، ولا مجال لاتهام البعض لهم بتفتيت أصوات الإسلاميين، خاصة أن جميع من سبقوها فى دعم د. محمد مرسى لم يشركوا أحدا فى قرارهم، بل ولم يتبعوا تلك الآلية المبهرة التى علّم بها السلفيون السياسيين كيف تكون الشورى وكيف يُحترم القرار المؤسسى. لاشك أننا نتمنى نجاح المبادرات المطروحة على الساحة لجمع أصوات الإسلاميين على مرشح واحد، ولكن لابد من التجرد لله أولا، فمن منهم يرضى أن يكون جنديا بعد أن سعى أن يكون قائدا؟! إننا نحذر من لجوء بعض المتآمرين إلى المبالغة فى الكلام عن تفتت أصوات الإسلاميين حتى تتهيأ نفوس الناس لتقبل التزوير الذى قد يخشى منه حقيقة. أحسب أنه لو ضمن المجلس العسكرى وضعًا متميزا للجيش فى الدستور وخاصة ملف اقتصاد الجيش والتسليح وميزانية القوات المسلحة، فلسوف تنفرج الأزمة، فلا داعى حينئذ يدفعهم للسعى إلى فرض رئيس موالٍ لهم، وأشعر أننا سوف نرى بإذن الله سلطة مدنية عن قريب تحكم، ثم ما تلبث الأيام والسنون القادمة أن تعالج ذلك الخلل وترجع الأمور إلى نصابها.. فصبر جميل وها نحن منتظرون. [email protected]